الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن العربي المالكي (*): «إِنَّ الذِي أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ هَدَمَ الأَصْلَ الذِي دَلَّ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وَمُرَاعَاةُ القَوَاعِدِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الأَلْفَاظِ» .
والواقع أن هذه المسألة مما يبرز الفرق بين الفقهاء، والمحدثين، وأهل الظاهر: فالفقهاء لم يأخذوا بظاهر هذه الأحاديث وحملوها على الإطعام لأن الحي يصوم أحيانًا ببدنه، ويطعم أحيانًا بدلاً من الصيام عندما يكون شيخًا كبيرًا مثلاً، فمعنى صيام الولي عن الميت هنا أي الصيام الذي تمكن فيه النيابة، وهو الصدقة. أما أهل الحديث فقد أخذوا بالنيابة في العبادات التي جاءت فيها أحاديث، ولم يقتبسوا عليها غيرها ولم يتعدوها، أما أهل الظاهر فقد عمموا الحديث «فَاقْضُوا اللَّهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ» ، «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» ، حتى قال ابن حزم:«فَإِنْ كَانَ نَذَرَ صَلَاةً صَلَاّهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ صَوْمًا كَذَلِكَ، أَوْ حَجًّا كَذَلِكَ، أَوْ عُمْرَةً كَذَلِكَ، أَوْ اعْتِكَافًا كَذَلِكَ، أَوْ ذِكْرًا كَذَلِكَ، وَكُلَّ بِرٍّ كَذَلِكَ» (1).
2 - كَفَّارَةُ الصَّوْمُ:
رَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «" جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " هَلَكْتُ " ، قَالَ: " وَمَا أَهْلَكَكَ؟ "، قَالَ: " وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ " ، قَالَ: " أَعْتِقْ رَقَبَةً " ، قَالَ: " لَا أَجِدُ " ، قَالَ:
(1) انظر " البخاري " في كتابي الحج والصوم: 1/ 209، 219، 220؛ و" الترمذي " و" شرح ابن العربي عليه ": 3/ 238، 240، 4/ 156، 160؛ و" النسائي ": 5/ 116، 117؛ و" أبا داود ": 1/ 413، و" ابن ماجه ".
وانظر أيضًا " فتح القدير ": 2/ 83، 85، 308، 310؛ و" المغني ": 5/ 83، 84؛ و" المحلى ": 8/ 27، 28؛ و" بداية المجتهد ": 1/ 258. وللشاطبي بحث قيم في هذا الموضوع في " الموافقات ": 2/ 158، 168. المطبعة السلفية.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) قول ابن العربي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - كما ورد في " عارضة الأحوذي " كالتالي: «فَلَمَّا قَرَعَ هَذَا الحَدِيثُ سَمْعَهُمْ تَقَبَّلَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ بِلَفْظِهِ وَلَبُوسِهِ دُونَ نَظَرٍ فِيهِ فَقَالَ: يَصُومُ الوَلِيُّ عَنْ الوَلِيِّ فَرَاعَى لَفْظًا وَهَدَمَ أَصْلًا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ إِنَّمَا تُجْزَى بِمَا كَسَبَتْ لَا بِمَا كَسَبَتْ غَيْرُهَا وَلَوْ كَانَتْ عِبَادَاتُ البَدَنِ تُقْضَى بَعْدَ المَوْتِ لَقُضِيَتْ فِي الحَيَاةِ وَلَوْ قُبِلَتْ نِيَابَةً فِي المَمَاتِ لَقُبِلَتْ فِي الحَيَاةِ كَالحَجِّ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ أَيْضًا وَمُرَاعَاةُ القَوَاعِدِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الأَلْفَاظِ» .
انظر " عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي " أبو بكر بن العربي (ت 543 هـ)، وضع حواشيه الشيخ جمال مرعشلي، (6) كِتَابُ الصَّوْمِ، (22) بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّوْمِ عَنِ المَيِّتِ، 3/ 191، الطبعة الأولى: 1418 هـ - 1997 م، دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان.
" صُمْ شَهْرَيْنِ "، قَالَ:" لَا أَسْتَطِيعُ "، قَالَ:" أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا "، قَالَ:" لَا أَجِدُ "، قَالَ:" اجْلِسْ " ، فَجَلَسَ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ ـ إِذْ أُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" اذْهَبْ فَتَصَدَّقْ بِهِ "، قَالَ:" وَالذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ، مَا بَيْنَ لَابَتَيْ المَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنَّا " ، فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ، ثُمَّ قَالَ:" انْطَلِقْ ، فَأَطْعِمْهُ عِيَالَكَ "».
- «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَهُ عِيَالَهُ "» .
قول أبي حنيفة هنا هو قول الجمهور، حيث قالوا: إن الإعسار لا يسقط الكفارة، وإنما تكون دينًا في الذمة إلى حين اليسار. والنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق، قد أثبت الكفارة على الرجل رغم إعساره ثم أذن له في أكلها ولم يخبره بسقوط ما وجب عليه. وذهب بعضهم إلى تفسير الحديث السابق بأنه خصوصية لهذا الرجل، وَنَقَلُوا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ:«وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً [قَالَ] ذَلِكَ اليَوْمَ لَمْ تَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ التَّكْفِيرِ» (1).
(1)" فتح القدير ": 2/ 22.
(2)
" الترمذي بشرح ابن العربي ": 3/ 253؛ وانظر " بداية المجتهد ": 1/ 214.