الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه أيضًا من المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة معظم العلماء، معتمدًا على روايات قسمت للفارس سهمين وللراجل سهمًا، وقد رجحها أبو حنيفة و [إن ضعفها غيره](1).
12 - السَّفَرُ بِالمُصْحَفِ إِلَى أَرْضِ العَدُوِّ:
وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إلَى أَرْضِ العَدُوِّ، مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ العَدُوُّ» .
- وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِذَلِكَ» .
هذا الحديث منصوص على علته، فإذا أمنت العلة وزالت ارتفع النهي، ولذلك ذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يسافر بالقرآن إذا كانوا جماعة استطلاعية أو فرقة بسيطة، أما العسكر العظيم فلا مانع من مصاحبة المصحف معه، ليقرأ فيه من لا يحفظ (2).
تَعْقِيبٌ:
وبعد، فهذه هي المسائل التي أحصاها أبو بكر بن أبي شيبة على أبي حنيفة، مدعيًا عليه أنه قد خالف فيها الآثار، وقد أوجزت القول فيها بالقدر الذي يبين مآخذ الأدلة، ويوضح وجهات النظر، وإني أعتذر لما جاء في بعض المسائل من إيجاز قد يصل إلى حد الإشارة في بعض الأحيان، فما دفعني إليه إلا خشية الإملال، وكراهة التطويل، مستدركًا هذا النقص بالإرشاد إلى المراجع التي عنيت ببسط الموضوع والكتاب الذي ألفه الكوثري خاصًا به، إذ لم يكن من غرضي - كما ذكرت في بداية هذا الفصل - أن أبسط الأدلة وأوضح الآراء، بقدر ما كنت مُهْتَمًّا بتحقيق دعوى مخالفة الآثار التي وجهت إلى أبي حنيفة، وإنما تصح هذه الدعوى
(1) انظر " فتح القدير ": 4/ 320، 323؛ و" بداية المجتهد ": 1/ 318، 319؛ و" الترمذي ": 7/ 42، 44؛ و" البخاري ": 2/ 90.
(2)
انظر " فتح القدير ": 4/ 288، 289؛ و" ابن ماجه ": 2/ 961.
إذا لم يكن عند المجتهد من المبررات إلا قصد المخالفة وهذا ما لا يظن بمسلم.
وقد رأينا فيما سبق أن كثيرًا من المجتهدين غير أبي حنيفة قد خالف بعض الآثار في بعض الأحيان، لوجود معارض من آية أو أثر أو غيرهما.
وقد تبين أن اختلاف الحديث هو الذي يشكل الجانب الأكبر من الاختلاف بين ابن أبي شيبة وأبي حنيفة، ثم يلي ذلك الاختلاف في تصحيح الحديث، ثم بعد أن نخرج المسائل التي لم تصح نسبتها إلى أبي حنيفة - تبقى مجموعة من المسائل ليست حجة أبي حنيفة فيها بالقولية ولا المقنعة.
أما المسائل التي لم يصح عزوها إلى أبي حنيفة فهي:
1 -
التصفيق للنساء في الصلاة.
2 -
وقت العشاء.
3 -
قضاء سنة الأربع قبل الظهر.
4 -
الأذان والإقامة عند قضاء الفائتة.
5 -
الجلستان في خطبة الجمعة.
6 -
الأكل من التطوع.
7 -
البر بالبر مثلاً بمثل يدًا بيد.
8 -
كسر القصعة وضمانها.
9 -
اقتناء الكلب.
10 -
تحديد المهر.
وأما المسائل التي يمكن أخذها على أبي حنيفة، مما لم يتبين لي قوة حجته فيها، فيمكن حصرها فيما يأتي:
1 -
ولوغ الكلب.
2 -
الطمأنينة في الصلاة وتعديل الأركان.
3 -
إشعار الهدي.
4 -
الولي في النكاح.
5 -
الطلاق قبل النكاح.
6 -
اختيار الأربع من الزوجات.
7 -
المصراة.
8 -
بيع الثمرة قبل بدو صلاحها.
9 -
العرايا.
10 -
خيار المجلس.
11 -
الانتفاع بالمرهون.
12 -
حكم الحاكم وأنه لا يحل الحرام.
13 -
ناكح المحارم.
14 -
هبة المسروق بعد الترافع إلى القاضي.
15 -
قتل من يسب النبي صلى الله عليه وسلم.
16 -
قتل المرتدة.
17 -
حكم النبيذ.
18 -
الوقف.
19 -
المزارعة.
20 -
سهم الفارس من الغنيمة.
أما بقية المسائل فهي بين أن يكون رأي أبي حنيفة فيها هو الرأي الراجح أو تكون الأدلة فيها متكافئة.
وقد قال الأستاذ محمد زاهد الكوثري رحمه الله، في كتاب " النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة " (*): «[وَالوَاقِعُ أَنَّنَا لَوْ فَرَضْنَا] أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ أَخْطَأَ فِي [جَمِيعِ المَسِائِلِ التِي عَزَاهَا] ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ [إِلَيْهِ - وَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةَ مَسْأَلَةٍ -]، لَكَانَ هَذَا العَدَدُ [عَدَدًا] يَسِيرًا [جِدًّا بِالنَّظَرِ] إِلَى كَثْرَةِ مَسَائِلِهِ التَّقْدِيرِيَّةِ،
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) ما بين [.....] نص الكوثري كما ورد في كتابه، انظر " النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة "، للشيخ محمد زاهد الكوثري، ص 4، طبعة سنة: 1415 هـ - 1995 م. - من منشورات إدارة القرآن والعلوم الإسلامية. كراتشي - باكستان.
[وَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهَا إِنَّهَا] ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ». (82000)، ثم قال:«مَعَ أَنَّ القَارِئَ يَسْتَبِينُ مِنْ مُنَاقَشَتِنَا مَعَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي تِلْكَ المَسَائِلِ، أَنَّ نِصْفَ تِلْكَ المَسَائِلِ مِمَّا وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٍ، يَأْخُذُ هَذَا المُجْتَهِدُ بَأَحَادِيثَ مِنْهَا لِتَرَجُّحِهَا عِنْدَهُ بِوُجُوهِ تَرْجِيحٍ مَعْرُوفَةٍ عِنْدَهُ، وَيَأْخُذُ ذَاكَ المُجْتَهِدُ بِأَحَادِيثَ تُخَالِفُهَا لِتَرَجُّحِهَا عِنْدَهُ بِوُجُوهٍ تَرْجِيحٍ أُخْرَى [عِنْدَهُ]، وَبِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ شُرُوطِ قَبُولِ الأَخْبَارِ عِنْدَ هَذَا وَذَاكَ، فَلَا مَجَالَ فِي هَذَا النَّوْعِ لِلْحُكْمِ عَلَى المُجْتَهِدِ بِأَنَّهُ خَالَفَ الحَدِيثَ الصَّحِيحَ الصَّرِيحَ لِأَنَّ المَسَائِلَ الاِجْتِهَادِيَّةَ لَيْسَتْ بِمَوْضِعٍ لِلْبَتِّ فِيهَا» .
ولا شك أن ما قاله الكوثري يعتبر خلاصة دقيقة لموضوعات الخلاف بين ابن أبي شيبة وأبي حنيفة، نختتم بها هذا الفصل، لننتقل إلى موضوعات الخلاف بين البخاري وأهل الرأي.
• • •
(1)" النكت الطريفة ": ص 4، 5، مطبعة الأنوار سنة 1365 هـ.