الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقهاء قد رأى أن النهي يفيد التأثيم، ولكنه لا يخل بالعقد (1).
فسبب الخلاف هو الاختلاف في تأثير النهي في العقود.
7 - النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ:
روى ابن أبي شيبة من عدة طرق، حديث:«لَا يَبِيعَنَّ حَاضِرٌ لِبَادٍ» ، ثم قال:
- «وُذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَخَّصَ فِيهِ» .
الواقع أن السبب الخلاف هنا هو سبب الخلاف في المسألة السابقة، مع البحث عن علة النهي، فمن أخذه على ظاهره منع من هذا البيع، ومن رأى أن العلة هي الضرر منعه حيث وقع الضرر، بدليل ما جاء في الحديث في بعض رواياته:«لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» . وقد روى الترخيص في هذا البيع عن عطاء، ومجاهد. وحكى الترمذي الأقوال في هذه المسألة فقال:«وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: كَرِهُوا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ: " يُكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَإِنْ بَاعَ فَالبَيْعُ جَائِزٌ "» (2).
8 - حُكْمُ العَرَايَا:
رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي العَرَايَا» .
وَعَنْ سَهْلٍ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، يَقُولَانِ:«نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةِ، إِلَاّ أَصْحَابَ العَرَايَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ» .
- وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا [يَصْلُحُ] ذَلِك» .
(1) انظر ص 347 من هذا البحث؛ و" معاني الآثار ": 2/ 199، 202؛ و" المحلى ": 8/ 449.
(2)
انظر " معاني الآثار ": 2/ 202؛ و" الترمذي ": 5/ 231، 232.
الاختلاف في هذه المسألة هو اختلاف في تأويل الحديث، يوضح الطحاوي ذلك، فيقول بعد أن يروي الطرق المختلفة لما جاء فيها من الآثار:«فَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَوَاتَرَتْ فِي الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ العَرَايَا، وَقَبِلَهَا أَهْلُ العِلْمِ جَمِيعًا ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي صِحَّةِ مَجِيئِهَا ، وَتَنَازَعُوا فِي تَأْوِيلِهَا. فَقَالَ قَوْمٌ: العَرَايَا أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ لَهُ [النَّخْلَةُ] وَالنَّخْلَتَانِ ، فِي وَسَطِ النَّخْلِ الكَثِيرِ ، لِرَجُلٍ آخَرَ. قَالُوا: وَقَدْ كَانَ أَهْلُ المَدِينَةِ ، إِذَا كَانَ وَقْتُ الثِّمَارِ ، خَرَجُوا بِأَهْلِيهِمْ إِلَى حَوَائِطِهِمْ ، فَيَجِيءُ صَاحِبُ النَّخْلَةِ أَوِ النَّخْلَتَيْنِ بِأَهْلِهِ ، فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِأَهْلِ النَّخْلِ الكَثِيرِ. فَرَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبِ النَّخْلِ الكَثِيرِ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَ النَّخْلَةِ أَوِ النَّخْلَتَيْنِ خَرْصَ مَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ تَمْرًا ، لِيَنْصَرِفَ هُوَ وَأَهْلُهُ عَنْهُ ، وَيَخْلُصَ تَمْرُ الحَائِطِ كُلُّهُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ الكَثِيرِ ، فَيَكُونُ فِيهِ هُوَ وَأَهْلُهُ» . ثم ذكر أن مالك بن أنس ممن فسرها هذا التفسير.
وعلى هذا التفسير فبيع العرايا استثناء ورخصة من النهي الثابت في الأحاديث عن المحاقلة والمزابنة، والمحاقلة: هي بيع ما في الحقول بالحبوب كَيْلاً، والمزابنة هي خرص ما على رؤوس النخل من الثمار وبيعها بتمر مكيل، إِنْ زَادَ فَلِي، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ.
أما أبو حنيفة فقد فسر العرية، بالعطية والهبة، بأن يهب صاحب النخل لرجل ثمار نخلة أو نخلتين، ثم يغير رأيه قبل أن يسلمها له، فرخص له أن يحبس ذلك، ويعطيه مكانه خرصه تمرًا. وعلى هذا التأويل تكون العارية بعيدة عن معنى المزابنة، إذ ليس هناك بيع، لأن المعطي لم يكن تم له قبض النخل (1).
(1)" معاني الآثار ": 2/ 213، 215؛ وانظر " فتح القدير ": 5/ 195، 196.