الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القُرْآنِ وَكَانَ بِهَا أَيْضًا مَنْ لَا تُرْضِي حَالُهُ كَهَيْتٍ المُخَنَّثُ (*) الذِي أَمَرَ عليه السلام بِنَفْيِهِ وَالحَكَمِ الطَّرِيدِ (**) وَغَيْرَهُمَا فَلَيْسَ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَقَعُ عَلَيْهِمْ اسْمُ الصَّحَابَةِ» (1).
أما الاتجاه الثاني في تعريف الصحابي، فهو اتجاه الفقهاء والأصوليين وبعض المحدثين، وهو يميل إلى المعنى العرفي ويحكم الاستعمال الشائع الذي يجعل الصحبة أخص من الرؤية.
وما يميل إليه الباقلاني من تحكيم العرف في ذلك هو الصحيح فإن الصحبة أخص من الرؤية بدليل أن من الصحابة أنفسهم من كان يرى ذلك، فقد سُئِلَ أنس بن مالك:«هَلْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ غَيْرُكَ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ رَأَوْهُ، فَأَمَّا مَنْ صَحِبَهُ فَلَا» (3).
تَفَاوُتُ الصَّحَابَةِ فِي العِلْمِ:
هؤلاء الصحابة الذين أثنى الله عليهم، واقتبسوا من مشكاة النبوة - لم
(1)" الإحكام " لابن حزم: 2/ 82، 83. وإليه مال الآمدي أيضًا واحتج له. انظر " الإحكام " للآمدي: 2/ 130، 133.
(2)
" مقدمة النووي لصحيح مسلم ": 1/ 35، 36 ومال إلى ذلك الغزالي في " المستصفى ": 1/ 165.
(3)
" السنة قبل التدوين " للدكتور [محمد] عجاج الخطيب: ص 289، 290.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) انظر " فتح الباري بشرح صحيح البخاري "، لابن حجر العسقلاني: 8/ 44، طبعة سنة 1379 هـ، نشر دار المعرفة. بيروت - لبنان.
(**) قال الإمام الذهبي: الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الأُمَوِيِّ، أَبُو مَرْوَانَ. (ت 31 هـ).
وَكَانَ لَهُ مِنَ الوَلَدِ عِشْرُونَ ذَكَرًا وَثَمَانِ بَنَاتٍ، أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَقَدِمَ المَدِينَةَ، فَكَانَ فِيمَا قِيلَ يُفْشِي سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَطَرَدَهُ وَسَبَّهُ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى بَطْنِ وَجٍّ، فَلَمْ يَزَلْ طَرِيدًا إِلَى أَنْ وُلِّيَ عُثْمَانُ، فَأَدْخَلَهُ المَدِينَةَ وَوَصَلَ رحِمَهُ وَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، لِأَنَّهُ كَانَ عَمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ. وَقِيلَ: إِنَّمَا نَفَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الطَّائِفِ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْكِيهِ فِي مِشْيَتهِ وَبَعْضِ حَرَكَاتِهِ.
وَقَدْ رُوِيَتْ أَحَادِيثٌ مُنْكَرَةٌ فِي لَعْنِهِ لَا يَجُوزُ الاحْتِجَاجُ بِهَا، وَلَيْسَ لَهُ فِي الجُمْلَةِ خُصُوصِ الصُّحْبَةِ بَلْ عُمُومُهَا.
نقلاً عن " تاريخ الإسلام " للذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف، 2/ 198، الطبعة الأولى: 2003 م، دار الغرب الإسلامي. بيروت - لبنان.
يكونوا متساويين في القدرات العقلية، ولم تكن الظروف المهيأة للتحصيل العلمي مواتية لكل منهم، إذ أن بعضهم كان يطيل ملازمة الرسول صلى الله عليه وسلم فيسمع منه ويتفقه عليه، على حين أن آخرين منهم كانوا مشغولين بالجهاد في سبيل الله، أو بشؤون الحياة من زراعة، أو تجارة أو غير ذلك، كما قال طلحة بن عبيد الله الصحابي:«إِنَّا كُنَّا أَهْلَ بُيُوتَاتٍ وَغَنَمٍ وَعَمَلٍ، كُنَّا نَأْتِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيْ النَّهَارِ» (1)، ولذلك قال مسروق:«جَالَسْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَكَانُوا كَالإِخَاذِ: الإِخَاذَةُ تَرْوِي الرَّاكِبَ، وَالإِخَاذَةُ تَرْوِي الرَّاكِبَيْنِ وَالإِخَاذَةُ تَرْوِي العَشَرَةَ، وَالإِخَاذَةُ لَوْ نَزَلَ بِهَا أَهْلُ الأَرْضِ لأَصْدَرْتُهُمْ، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ - يعني ابن مسعود - مِنْ تِلْكَ الإِخَاذِ» (2). ولذلك كان يغيب عن كثير من الصحابة سنن حفظها غيرهم (3).
وإذا كان الإحصاء التقريبي لعدد الصحابة الذين توفي عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مائة وأربعة عشر ألفًا (4) فإن من أثر عنهم الفتوى من الصحابة لا يتجاوز المائتين، فقد ذكر ابن حزم أسماء الصحابة مرتبًا لهم حسب ما أثر عنهم من الفتوى قلة وكثرة، ثم قال:«فَهُمْ مِائَةٌ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رَجُلاً وَعِشْرُونَ امْرَأَةً، فَالجَمِيعُ مِائَةٌ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ، مِنْهُمْ المُكْثِرُونَ سَبْعَةٌ، ذَكَرْنَاهُمْ أَوَّلاً عَلَى الوَلَاءِ، وَمِنْهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مُتَوَسِّطُونَ، وَالبَاقُونَ مُقِلُّونَ جِدًّا» (5).
(1)" السنة قبل التدوين " للدكتور محمد عجاج الخطيب: ص 425.
(2)
" إعلام الموقعين ": 1/ 18.
(3)
انظر أمثلة لذلك في " الإحكام " لابن حزم: 2/ 12 وما بعدها.
(4)
انظر: " السنة قبل التدوين ": ص 406.
(5)
الرسالة الثالثة من " جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى " لابن حزم: ص 222، وانظر أيضًا أسماء المكثرين والمتوسطين والمقلين
…
في " إعلام الموقعين " مع " حادي الأرواح " لابن القيم: 1/ 13، 16.