الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَغَضِبَ وَكِيعٌ وَقَالَ: " أَقُولُ لَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ، مَا أَحَقَّكَ بِأَنْ تُحْبَسَ، ثُمَّ لَا تَخْرُجَ حَتَّى تَنْزِعَ عَنْ قَوْلِكَ هَذَا "» (1).
والواقع أن أبا حنيفة ليس له حجة مقنعة في هذا الموضع، ولا يغني اعتذار الكوثري عنه بأن الناس [كانوا] يبالغون في الإشعار زمنه، إذ لو كان ذلك كذلك، لكان عليه أن يدلهم على كيفية الإشعار المسنون، لا أن يرفضه جملة، ويقيسه على المثلة المحرمة (2).
2 - وُجُوبُ الدَّمِ عَلَى المُحْرِمِ، إِذَا لَبِسَ السَّرَاوِيلَ بِعُذْرٍ:
وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنَ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا لَمْ يَجِدَ المُحْرِمُ إِزَارًا، فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ» .
وَعَنْ جَابِرٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ؟ أَوْ مَا يَتْرُكُ المُحْرِمُ؟ قَالَ: " لَا يَلْبَسُ القَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا العِمَامَةَ، وَلَا الخُفَّيْنِ، إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدَ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ "» .
- «وذُكِرَ أنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَفْعَلُ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ "» .
بَيَّنَ الطحاوي رأي أبي حنيفة في هذه المسألة أحسن بيان موضحًا أن حديث ابن عباس الذي رواه ابن أبي شيبة هنا مطلق قد قيده ما بعده من حديث ابن عمر، حيث أمر بقطع النعلين أسفل الكعبين، حتى يكون هناك فرق بين المحل والمحرم، وأبو حنيفة يقول بذلك، وعلى فرض أنه لم يقطعهما، فإن أبا حنيفة لم يخالف حديث ابن عباس بل قال به عند الضرورة، إلا أنه قد أوجب عليه كفارة، والحديث ساكت عن وجوب
(1)" الترمذي ": 4/ 140، 141.
(2)
انظر " النكت الطريفة "، للكوثري: ص 25، 27؛ و" إعلام الموقعين: 3/ 413؛ و" فتح القدير ": 2/ 213، [214].
الكفارة أو عدم وجوبها يلتمسن ذلك من دليل آخر، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من آذته الهوام في رأسه أن يحلق، وعليه فدية.
قال الطحاوي بعد أن روى الآثار التي يتمسك بها مخالفو أبي حنيفة: «فَذَهَبَ إِلَى هَذِهِ الآثَارِ قَوْمٌ فَقَالُوا: مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا وَهُوَ مُحْرِمٌ لَبِسَ سَرَاوِيلاً وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا: أَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ لُبْسِ المُحْرِمِ الخُفَّ وَالسَّرَاوِيلَ [عَلَى الضَّرُورَةِ] فَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ وَنُبِيحُ لَهُ لُبْسَهُ لِلضَّرُورَةِ التِي هِيَ بِهِ. وَلَكِنَّا نُوجِبُ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الكَفَّارَةَ وَلَيْسَ فِيمَا رَوَيْتُمُوهُ نَفْيٌ لِوُجُوبِ الكَفَّارَةِ، وَلَا فِيهِ وَلَا فِي قَوْلِنَا خِلَافٌ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ: لَا يَلْبَسُ الخُفَّيْنِ إِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَلَا السَّرَاوِيلَ إِذَا لَمْ يَجِدْ إِزَارًا. وَلَوْ قُلْنَا ذَلِكَ كُنَّا مُخَالِفِينَ لِهَذَا الحَدِيثِ وَلَكِنَّا قَدْ أَبَحْنَا لَهُ اللِّبَاسَ كَمَا أَبَاحَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الكَفَّارَةَ بِالدَّلَائِلِ القَائِمَةِ المُوجِبَةِ لِذَلِكَ.
وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَيْضًا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ " عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُمَا مِنْ تَحْتِ الكَعْبَيْنِ فَيَلْبَسُهُمَا كَمَا يَلْبَسُ النَّعْلَيْنِ. وَقَوْلُهُ: " مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَيَلْبَسُ (*) سَرَاوِيلاً " عَلَى أَنْ يَشُقَّ السَّرَاوِيلَ فَيَلْبَسُهُ كَمَا يَلْبَسُ الإِزَارَ. فَإِنْ كَانَ هَذَا الحَدِيثُ أُرِيدَ بِهِ هَذَا المَعْنَى فَلَسْنَا نُخَالِفُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ وَنُثْبِتُهُ. وَإِنَّمَا وَقَعَ الخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِي التَّأْوِيلِ لَا فِي نَفْسِ الحَدِيثِ لِأَنَّا قَدْ صَرَفْنَا الحَدِيثَ إِلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُهُ».
ثم يقول الطحاوي وكأنه يوجه كلامه إلى ابن أبي شيبة: «فَاعْرِفُوا مَوْضِعَ خِلَافِ التَّأْوِيلِ مِنْ مَوْضِعِ خِلَافِ الحَدِيثِ فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَلَا تُوجِبُوا
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) في الكتاب المطبوع: (فَلْيَلْبَسْ) والصواب ما أثبته (فَيَلْبَسُ). انظر " شرح معاني الآثار "، للطحاوي (ت 321 هـ)، حققه وقدم له وعلق عليه محمد زهري النجار ومحمد سيد جاد الحق، راجعه وقدم كتبه وأبوابه وأحاديثه وفهرسه الدكتور يوسف المرعشلي، الطبعة الأولى: 1414 هـ - 1994 م، 2/ 134، حديث رقم 3621، عالم الكتب. بيروت - لبنان.