الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا من أن تكون لهم اجتهادات جاوزوا فيها حدود الألفاظ، محلقين في أجواء المعاني ومقاصد التشريع.
مَظَاهِرُ هَذَا الاِتِّجَاهِ فِي فِقْهِ المُحَدِّثِينَ:
ولتوضيح هذا الاتجاه نذكر جملة من المسائل التي تعين على تصوره في فقه أهل الحديث، ونتبع كل مسألة بمذهب أهل الظاهر فيها.
1 - غَسْلُ اليَدَيْنِ عِنْدَ الاِسْتِيْقَاظِ مِنَ النَّوْمِ:
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» . وفي بعض روايات الحديث: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ» . بدلاً من «اللَّيْلِ» .
فهذا النهي عن إدخال اليد في الإناء قبل الغسل، هل المقصود به الاحتياط في النظافة، إذ لم يقطع بحصول النجاسة في اليد؟ أو أنه بسبب النجاسة التي يمكن أن تلحق اليد أثناء النوم، لأن القوم كانوا يستجمرون بالحجارة؟ أو أن هذا النهي تعبدي لا يشتغل بالبحث عن علة له؟
وبعبارة أخرى، هل هذا النهي معلل بعلة، يدور الحكم معها وُجُودًا وَعَدَمًا، أم أنه غير معلل فيجب تنفيذه في كل الأحوال؟
ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى عدم تعليل هذا النص، وأوجبا غسل اليد عند الاستيقاظ، غير أن أحمد رأى أن الحديث جاء مطلقًا في بعض الروايات، وجاء مقيدًا بـ (اللَّيْلِ) في بعضها الآخر، فحمل المطلق على المقيد، وأوجب غسل اليد عند الاستيقاظ من نوم الليل لا من نوم النهار. أما إسحاق فَقَدْ سَوَّى بين نوم الليل ونوم النهار في وجوب
غسل اليد عند الاستيقاظ، أخذًا بالرواية التي أطلقت الاستيقاظ من النوم.
ووجوب غسل اليد عند الاستيقاظ هو مذهب ابن عمر، وأبي هريرة، والحسن البصري.
فإن غمست اليد في الإناء قبل الغسل، فقد روي عن أحمد بن حنبل أنه قال:«فَأَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ يُهْرِيقَ المَاءَ» ، وهذه العبارة تحتمل وجوب الإراقة، وهو مذهب الحسن، وتحتمل استحباب الإراقة.
وقد ذهب الشافعي إلى استحباب غسل اليد عند الاستيقاظ من أي نوم، وكراهة إدخالها الإناء قبل الغسل، فإن أدخلها قبل الغسل لم يفسد ماء الإناء إذا لم يكن على يده نجاسة. وقد مال أبو داود وابن ماجه إلى رأي أحمد، وحكى الترمذي الأقوال دون أن [يُرَجِّحَ] بينها (1).
ولنستمع إلى ابن حزم يدلي برأي الظاهرية في هذه المسألة، فيقول: «وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْتَيْقِظٍ مِنْ نَوْمٍ قَلَّ النَّوْمُ أَوْ كَثُرَ، نَهَارًا كَانَ أَوْ لَيْلاً، قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ قَائِمًا. فِي صَلَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، كَيْفَمَا نَامَ - أَلَاّ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ - فِي إنَاءٍ كَانَ وُضُوءَهُ أَوْ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ - حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
…
فَإِنْ صَبَّ عَلَى يَدَيْهِ وَتَوَضَّأَ، دُونَ أَنْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ فَوُضُوؤُهُ غَيْرُ تَامٍّ وَصَلَاتُهُ غَيْرُ تَامَّةٍ» (2).
ويلاحظ أن ابن حزم يأخذ بالمعنى الزائد، بمعنى أنه يأخذ بالرواية التي
(1) انظر " مسائل أحمد وإسحاق "، مخطوط دار الكتب (ب 23660): ج 1 ص 11؛ و" المغني ": 1/ 98؛ و" الترمذي بشرح ابن العربي ": 1/ 41، 42؛ و" سنن أبي داود ": 1/ 59؛ و" ابن ماجه بحاشية السندي ": 1/ 80، 82.
(2)
" المحلى ": 1/ 206.