الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يطلق الظن على التهمة {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ} [التكوير: 24]- في قراء الظاء - أي بمتهم.
فالظن المذموم هو ما كان بمعنى الشك، فطرفاه مستويان لا راجح فيها فهذا يحرم العمل به اتفاقًا، وهو المعنى بأكذب الحديث، وهو الذي لا يغني من الحق شيئًا، وهو بعض الإثم في قوله تعالى:{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]. وأما الظن الذي بمعنى الطرف الراجح، فهو متعبد به قطعًا، بل أكثر الأحكام الشرعية دائرة عليه، ومنه حديث:«لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَاّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ» . وهذا هو الظن الراجح الصادر عن أمارة صحيحة (1).
ويجدر بنا أن نشير إلى أن داود بن علي الظاهري، ليس أول من قال بنفي القياس، بل سبقه في ذلك النَظَّامُ، الذي يعتبره ابن عبد البر أول من أحدث نفي القياس مخالفًا بذلك علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم الذين كانوا يستعملون القياس ويجيزونه، وقد تابع إبراهيم بن سيار النظام على ذلك بعض أصحابه، وقد خالفه في ذلك بعض أئمة الاعتزال، منهم أبو الهذيل العلاف، الذي رد على النظام وقمعه. ومنهم بشر بن المعتمر الذي كان شيخ البغداديين ورئيسهم، وكان أشد الناس نصرة للقياس واجتهاد الرأي في الأحكام، وكان هو وأبو الهذيل كأنما ينطقان في ذلك بلسان واحد (2).
القِيَاسُ الذِي يُنْكِرُهُ دَاوُدُ:
كما نشير أيضًا إلى أن الآراء قد تضاربت حول إنكار داود القياس: هل ينكر كل أنواعه، أم أنه ينكر غير الجلي منه؟
(1) انظر: تعليق الأمير الصنعاني على " رسالة ابن حزم في الأصول ": ص 50، 52.
(2)
انظر " جامع بيان العلم ": 2/ 62، 63.
وقد نقل السبكي عن والده أن الذي صح عنده هو أن داود لا ينكر القياس الجلي، وإن نقل إنكاره عنه ناقلون - بل ينكر القياس الخفي فقط، أما لذي ينكر القياس كله، جليه وخفيه، فهم طائفة من أصحابه، زعيمهم ابن حزم.
ويعقب السبكي على رأي والده، بأنه بعد اطلاعه على " رسالة " لداود في الأصول وجد أن ظاهر كلام داود فيها يدل على إنكاره للقياس جملة، وأنه لا يقول بشيء منه، نعم إنه يطبق العلة إذا كانت منصوصة، ولكنه لا يسمي هذا التطبيق قياسًا، بل هو استعمال لدلالة النص (1).
وبهذا يرد أيضًا على ابن عبد البر، الذي اعتبر (الدليل) نوعًا من أنواع القياس (2)، وقد سبق أنه من دلالة النص أو الإجماع.
وذكر الغزالي أن نفاة القياس ثلاث فرق بالنسبة للعلة المنصوصة:
1 -
الفرقة الأولى ذهبت إلى أن التنصيص على العلة، كذكر اللفظ العام فإذا قال الشارع: حرمت الخمر لإسكارها، فإن هذا يساوي: حرمت كل مسكر، وإذا قال:«اقْتُلْ هَذَا الكَلْبَ لِأَنَّهُ أَسْوَدٌ» ، كان معنى ذلك: اقتل كل كلب أسود.
2 -
الفرقة الثانية: أجازت القياس بالعلة المنصوصة دون المستنبطة وهؤلاء كالفريق الأول، لم يفارقوه إلا في التسمية، حيث سمى هذا النوع قياسًا، وأبى ذلك الفريق الأول.
3 -
الفرقة الثالثة: أنكرت الإلحاق مع وجود النص على العلة،
(1) انظر " طبقات الشافعية ": 2/ 46.
(2)
انظر " جامع بيان العلم ": 2/ 62، 63.
لأن تعليل حكم ما بعلة معينة، لا يوجب تعميم هذه العلة ما لم تكن بلفظ عام، فلو قال الشارع:«اتَّقُوا الرِّبَا فِي كُلِّ مَطْعُومٍ» فهو توقيف عام، ولو قال:«اتَّقُوا الرِّبَا فِي البُرِّ، لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ» فهذا لا يساوي الأول، ولا يقتضي الربا في غير البر، كما لو قال المالك:«أَعْتِقُ مِنْ عَبِيدِي كُلَّ أَسْوَدٍ» . عتق كل أسود، فلو قال:«أَعْتِقْ فُلَانًا لِسَوَادِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَسْوَدٌ» . - لم يعتق جميع عبيده السود (1).
ويبدو أن داود وابن حزم وغيرهما من أهل الظاهر، من هذا الفريق الثالث.
(1) انظر " المستصفى ": 2/ 266، 267.