الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِذَلِكَ فَتَبْطُلَ الصَّدَقَةُ عَنْهَا بِأَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا يُحْتَالُ فِي إِبْطَالِ الصَّدَقَةِ بِوَجْهٍ» (1).
وَقَدْ تَشَكَّكَ الأُسْتَاذُ أَبُو زُهْرَةَ (*) فِي نِسْبَةِ هَذِهِ الحِيلَةِ المُتَعَلِّقَةِ بِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ إِلَى أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ الأَمَالِي، بَلْ رَفَضَهَا لِأَنَّ الأَمَالِي لَيْسَتْ فِي قُوَّةِ ظَاهِرَةِ الرِّوَايَةِ (2).
ولا شك أن هذه المسألة تتعلق بأثر القصد في التصرفات، لأن من تصرف في ماله قبل الحول بهبة أو بغيرها، دون أن يتنبه إلى أن هذا التصرف ينقص ماله عن النصاب فلا تجب فيه الزكاة - كان تصرفه مباحًا، ولا إثم عليه، بل هو مأجور إن أنفق ما أنقص ماله في وجوه البر.
أما إذا قصد بهذا التصرف أن يحتال على منع وجوب الزكاة فهو آثم عند الجميع بهذا القصد، لكن هل يؤثر هذا القصد في وجوب الزكاة عليه واعتبارها دينًا في ذمته، أو لا يؤثر، فلا يجب عليه شيء؟.
فالأحناف - إن صح ما نقل عن أبي يوسف - يسقطون الزكاة، وعزاه العيني إلى الشافعي (3) أيضًا، والبخاري ومالك وغيرهما، لا يسقطونها، بل هي ثابتة في ذمة صاحب المال.
فِي النِّكَاحِ:
وقد كرر البخاري قول: «بَعْضُ النَّاسِ» في هذا الباب خمس مرات: مرة في مناقشة نكاح الشغار، ومرة في نكاح المتعة، وثلاث مرات في إثبات النكاح وتحليل الوطء بشهود الزور.
(1) انظر " فتح الباري ": 12/ 293.
(2)
انظر " أبو حنيفة ": ص 433 وهامشها.
(3)
انظر " عمدة القاري ": 11/ 266.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) بعد أن ذكر قول السرخسي في " المبسوط ": ج 5 ص 240 واستدلال أبي يوسف في الأمال، يقول الشيخ محمد أبو زهرة - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: «وَإِنِّي أَتَرَدَّدُ كُلَّ التَّرَدُّدِ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله بَلْ أَرْفُضُهَا، وَالأَمَالِي لَيْسَتْ فِي قُوَّةِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَيْسَتْ مِنْ كُتُبِ الدَّرَجَةِ الأُولَى التِي لَا يُشَكُّ فِي نِسْبَةِ مَا فِيهَا إِلَى أَبِي يُوسُفَ رضي الله عنه، وَنَسْتَبْعِدُ كُلَّ الاِسْتِبْعَادِ أَنْ يَكُونَ أَبُو وسُفَ مِمَّنْ يَتَحَايَلُ لِمَنْعِ وُجُوبِ عِبَادَةٍ مِنَ العِبَادَاتِ، وَيَجِبُ التَّنْبِيهُ إِلَى أَمْرَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الكَلَامَ فِي حِيلَةِ الزَّكَاةِ هُوَ فِي مَنْعِ وُجُوبِهَا. لَا فِي إِسْقَاطِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ الأَعْلَامِ.
(ثَانِيهِمَا) أَنَّهُ لَمْ يُؤْثَرْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شَيْءٌ فِي التَّحَايُلِ، لِمَنْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَوْ إِسْقَاطِ حَقِّ الشُّفْعَةِ، فَحِيَلُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه بَعِيدَةٌ عَنْ مَظَانِّ الرَّيْبِ».
المرجع: " أبو حنيفة، حياته وعصره، آراؤه وفقهه "، الشيخ محمد أبو زهرة، طبعة سنة 1976، ص 488 هامش، دار الفكر العربي - مصر.
أما فيما يتعلق بالشغار، فقد روى البخاري: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشِّغَارِ» قُلْتُ لِنَافِعٍ:«مَا الشِّغَارُ؟» . قَالَ: «يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ [بِغَيْرِ صَدَاقٍ]، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ» .
ثم قال البخاري: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " إِنْ احْتَالَ حَتَّى تَزَوَّجَ عَلَى الشِّغَارِ فَهُوَ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ "» وَقَالَ فِي المُتْعَةِ: «النِّكَاحُ فَاسِدٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ» . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «المُتْعَةُ وَالشِّغَارُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ» .
ويشير البخاري بهذا القول إلى تناقض أهل الرأي في إجازتهم الشغار دون المتعة، مع ورود النهي عن كليهما، ولذلك عقب عليه بذكر ما روي عن النهي عن المتعة، حَيْثُ رَوَى «أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ بَأْسًا، فَقَالَ:" إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ "».
ثم ذكر اختلاف أهل الرأي وتناقضهم في المتعة فقال: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَمَتَّعَ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: " النِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ "» .
ومسألتا النكاح والمتعة مرتبطان بما قدمناه عن أثر النهي في المنهي عنه، وبما سبق من تفريق الأحناف بين أن يكون الفساد متعلقًا بأصل المنهي عنه فيكون باطلاً، أو متعلقًا بوصفه دون أصله فيكون فاسدًا، أو متعلقًا بأمر مجاور للمنهي عنه فيقع صحيحًا (1).
وقد رأى الأحناف أن نكاح الشغار منهي عنه لعلة هي خلوه من المهر، وتسمية المهر في العقد ليست شرطًا في صحته، بل يصح العقد بدونها،
(1) انظر ما سبق في ص 369 وما بعدها.
ويجب مهر المثل للزوجة، فكذلك إذا سمى مهرًا فاسدًا مثل البضع في الشغار. وقد أجمعوا على أن النكاح المنعقد على خمر أو على خنزير لا يفسخ بعد الدخول ويكون فيه مهر المثل.
وممن ذهب مذهب الأحناف في ذلك الليث، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور والطبري حيث يصححون نكاح الشغار إذا وقع ولا يفسخونه. أما مالك والشافعي فيحكمان بفسخ النكاح قبل الدخول وبعده (1).
وقد اعتبر البخاري تصحيح الأحناف نكاح الشغار بإيجابهم مهر المثل تحيلاً على النهي الوارد فيه. وهذا الاعتبار غير واضح، إذ الأحناف يطبقون على هذه الجزئية قاعدة عامة، ويلتزمون فيها منحى خاصًا، فالمنازعة معهم إنما تكون في القاعدة والمنهج، لا في اعتبارها حيلة، حيث لا يعتبرونها كذلك.
وهذا الكلام من ابن حجر يفيد أن الحيلة ليست في أصل نكاح الشغار، وإنما في بعض صور التطبيق، وأن النهي عن نكاح الشغار هو من قبيل سد الذرائع.
(1) انظر " بداية المجتهد ": 2/ 47.
(2)
انظر " فتح الباري ": 13/ 295.