الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 - وُجُوبُ الوِتْرِ:
رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ، أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ بَلَغَهُ أَنَّ صَحَابِيًّا يَقُولُ:" إِنَّ الوِتْرَ وَاجِبٌ " فَاسْتَنْكَرَ عُبَادَةُ هَذَا القَوْلَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى العِبَادِ ، مَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْ حَقِّهِنَّ جَاءَ وَلَهُ [عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ] أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ ، وَمَنِ انْتَقَصَ مِنْ حَقِّهِنَّ جَاءَ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الجَنَّةَ» .
وَقَالَ رَجُلٌ لابْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ الوِتْرَ سُنَّةٌ هُوَ؟ قَالَ: مَا سُنَّةٌ؟ أَوْتَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَوْتَرَ المُسْلِمُونَ ، قَالَ: لَا ، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ قَالَ:[مَهْ] ، أَتَعْقِلُ؟ «أَوْتَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَوْتَرَ المُسْلِمُونَ» .
وروي مثل ذلك عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ:«سَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الوِتْرَ كَمَا سَنَّ الفِطْرَ وَالأَضْحَى» ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ، [قَالَ]:«الوِتْرُ سُنَّةٌ» . وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الوِتْرَ ، فَقَالَ:«لَا يَضُرُّهُ، كَأَنَّمَا هُوَ فَرِيضَةٌ» . وَكَانَ الحَسَنُ: «لَا يَرَى الوِتْرَ فَرِيضَةً» .
وَقَالَ عَطَاءٌ، وَمُحَمَّدُ بْنِ عَلِيٍّ:«الأَضْحَى وَالوِتْرُ سُنَّةٌ» .
- وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «الوِتْرُ فَرِيضَةٌ» .
انتقد ابن أبي شيبة أبا حنيفة في أربع مسائل تتعلق بالوتر: في حكمه، وعدده، والقراءة فيه، وصلاته على الراحلة. وهذه المسألة السابقة تتعلق بحكم الوتر.
وقد روى عن أبي حنيفة في الوتر ثلاث روايات:
1 -
أنها واجبة، وهو الظاهر من مذهبه.
2 -
أنها سنة وبه أخذ أبو يوسف ومحمد.
3 -
أنها فريضة، وبه أخذ زُفر (1).
وتفيد الروايات الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ما يشعر
(1) انظر " العناية شرح الهداية ": 1/ 300، وقد سبق أن بَيَّنَّا أن الفرض عند الأحناف هو ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه، وأن الواجب هو ما ثبت بدليل ظني فيه شبهة.
بأهمية الوتر والحث عليه، إلى حد جعل الصحابة يختلفون في وجوبه، ويستفتون في حكمه، كما هو واضح فيما رواه ابن أبي شيبة، وإلى حد أن حذر الأئمة غير أبي حنيفة من تركه، مع قولهم بعدم وجوبه، فقال مالك:«الوِتْرُ لَيْسَ فَرْضًا، لَكِنْ مَنْ تَرَكَهُ أُدِّبَ، وَكَانَ جَرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ» ، وقال الشافعي في الوتر وسنة الفجر:«وَلَا أُرَخِّصُ لِمُسْلِمٍ فِي تَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَإِنْ أَوْجَبَهُمَا، وَمَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ تَرَكَ جَمِيعَ النَّوَافِلِ» .
وقال أحمد: «مَنْ تَرَكَ الوِتْرَ عَمْدًا فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ» (1).
يضاف إلى ذلك أن بعض الأحاديث فيها ما يمكن أن يستنتج منه وجوب الوتر، كحديث:«إِنَّ اللهَ قَدْ زَادَكُمْ صَلَاةً، أَلَا وَهِيَ الوِتْرُ، فَصَلُّوهَا ، مَا بَيْنَ العِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الفَجْرِ» ، وحديث «الوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» (2).
كل ذلك دفع أبا حنيفة إلى أن يرفع الوتر درجة فوق النفل ودون الفرائض الخمس، على الأظهر مما روي عنه.
والآثار التي ذكرها ابن أبي شيبة ليس فيها ما يقيم الحجة على أبي حنيفة ويحسم الخلاف: أما حديث عُبَادَةَ، فلأنه مبني على الإنكار على من يسوي بين الفريضة والوتر، ولم يقل بذلك أبو حنيفة في ظاهر الرواية عنه، وأما الآثار الأخرى، فكلها يؤيده، وليس معنى السنة هي السنة المقابلة للفرض، بل معناها ما ثبت بالسنة، أعم من أن يكون فرضًا أو واجبًا أو مندوبًا.
وقد عزا ابن رشد سبب الخلاف هنا إلى تعارض الآثار، بين ما يثبت منها وجوب الوتر، وما يقصر الوجوب على خمس (3).
(1)" النكت الطريفة ": ص 173، 174.
(2)
انظر هذه الأحاديث في " شرح معاني الآثار ": 9/ 250؛ و" أبي داود ": 2/ 84، وانظر الاختلاف في تصحيحها في " فتح القدير ": 300، 302.
(3)
" بداية المجتهد ": 1/ 70.