الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَدِلَّةُ المَانِعِينَ مِنَ الحِيَلِ:
وقد رد الذين لم يجيزوا الحيل على هذه الأدلة بما نخشى معه الإطالة لو ذكرناه هنا، ولكنا نشير إلى أنهم قد ردوا على الاستدلال بقول الله تعالى لأيوب:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} [ص: 44]، وحادثة الصواع في قصة يوسف، بأن ذلك كان جائزًا في شرائعهم دون شريعتنا، فلا يصح الاستدلال به، وعلى قصة بيع الجمع بالدراهم بأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ» ، ينصرف البيع فيه إلى البيع المعهود عُرْفًا وَشَرْعًا، ولم يقصد إلى أن يبيع الجمع بالدراهم لرجل ثم يأخذ من المشتري نفسه نوعًا آخر. وعلى المعاريض بأنها لا تجوز إلا إذا تضمنت نصر حق أو إبطال باطل، أما إذا تضمنت استباحة الحرام وإسقاط الواجبات فإنها لا تجوز (1).
وقد عَرَّفَ ابن القيم الحيلة التي وقع فيها النزاع بما كانت الوسيلة فيها لم توضع للإفضاء إلى المحرم، ولكنها وضعت للإفضاء إلى المشروع كالإقرار والبيع والنكاح والهبة، فيتخذها المتحيل سلمًا وطريقًا إلى الحرام.
أما الحيل التي ارتضاها ورأى أنها مباحة، فهي ما قصد بها التوصل إلى حق أو إلى دفع ظلم بطريق مباحة، لم توضع موصلة إلى ذلك، بل وضعت لغيره، فيتخذها هو طريقًا إلى هذا المقصود الصحيح، أو يكون قد وضعت له لكن تكون خفية ولا يفطن إليها (2).
أما موقف العلماء من الحيل، فيذكر ابن حجر أن القول بها قد اشتهر عن الأحناف، لكون أبي يوسف صنف فيها كتابًا، لكن المعروف عنه، وعن كثير من أئمتهم إعمالها بقصد الحق (3).
(1) انظر " إعلام الموقعين ": 3/ 167 وما بعدها.
(2)
انظر المصدر السابق: 3/ 153.
(3)
انظر " فتح الباري ": 12/ 290.
وقد ادعي على أبي حنيفة أنه ألف كتابًا في الحيل، ولكن هذا الادعاء لم تثبت صحته، وإن أثر عنه روايات فيها. أما تلميذه محمد بن الحسن فقد نسب إليه كتاب في الحيل، ولكن نسبة هذا الكتاب إليه قد أثير حولها الشك منذ العصر الأول، وإن رجح السرخسي نسبته إليه، كما ألف في الحيل أيضًا الخصاف (1)، من أئمة الأحناف في القرن الثالث.
وقد أثبت الشيخ محمد أبو زهرة أن الحيل التي احتوى عليها كِتَابَا محمد والخصاف، كانت من النوع المباح الذي ارتضاه ابن القيم ويؤيده ما ذكرناه عن ابن حجر آنفًا من أن المعروف عن أبي يوسف وعن كثير من أئمة الأحناف أنهم يقيدون إعمال الحيل بقصد الحق، كما نقل في موضع آخر عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ المُؤْمِنِينَ الفِرَارُ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ بِالحِيَلِ المُوصِلَةِ إِلَى إبْطَالِ الحَقِّ» (2)، وَذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ الكَبِيرُ رَاوِي " كِتَابِ الحِيَلِ " عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ، أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ:«مَا احْتَالَ بِهِ المُسْلِمُ حَتَّى يَتَخَلَّصَ بِهِ مِنَ الحَرَامِ، أَوْ يَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى الحَلَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا احْتَالَ بِهِ حَتَّى يُبْطِلَ حَقًّا أَوْ يُحِقَّ بَاطِلًا أَوْ لِيُدْخِلَ بِهِ شُبْهَةً فِي حَقٍّ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَالمَكْرُوهُ عِنْدَهُ إِلَى الحَرَامِ أَقْرَبُ» (3).
(1) هو أحمد بن عمر الشيباني، أبو بكر. كان عالمًا بالفروض والحساب والفقه، وله عدد من التصانيف. توفي سنة 261 هـ (" الجواهر المضيئة ": 1/ 87؛ و" الأعلام "[للزركلي]: 1/ 178).
(2)
و (3)" فتح الباري ": 12/ 292، 293.
(4)
" المبسوط ": 30/ 210.