الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرِّكَازُ: حَقِيقَتُهُ، وَحُكْمُهُ:
ترجم البخاري لهذه المسألة، مُبَيِّنًا رأيه فيها، ومنتقدًا أهل الرأي، فقال:(بَابٌ: فِي الرِّكَازِ الخُمُسُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ إِدْرِيسَ (*): " الرِّكَازُ: دِفْنُ الجَاهِلِيَّةِ، فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الخُمُسُ وَلَيْسَ المَعْدِنُ بِرِكَازٍ " وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي المَعْدِنِ: «جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ» وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: «مِنَ المَعَادِنِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً» وَقَالَ الحَسَنُ: «مَا كَانَ مِنْ رِكَازٍ فِي أَرْضِ الحَرْبِ فَفِيهِ الخُمُسُ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ السِّلْمِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ وَجَدْتَ اللُّقَطَةَ فِي أَرْضِ العَدُوِّ فَعَرِّفْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ العَدُوِّ فَفِيهَا الخُمُسُ» . وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " المَعْدِنُ رِكَازٌ، مِثْلُ دِفْنِ الجَاهِلِيَّةِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: أَرْكَزَ المَعْدِنُ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ. قِيلَ لَهُ: قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ، أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ: أَرْكَزْتَ، ثُمَّ نَاقَضَ، وَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ [فَلَا] يُؤَدِّيَ الخُمُسَ ").
ثم روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «العَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ» (1).
وملاحظتنا على هذه الترجمة، تتلخص فيما يأتي: -
1 -
أن الخلاف هنا هو خلاف في الفهم والتأويل؛ إذ كلا الطرفين يسلم بصحة الحديث ويأخذ به. ولكن البخاري يفسر الركاز الذي فيه الخمس بالأموال التي يعثر عليها المسلم مما دفنه غير المسلمين وخبوه. وأبو حنيفة يوسع من مدلول الركاز، فيجعله شاملاً لدفن الجاهلية، وللمعادن التي توجد في الأرض. والقولان تحتملها اللغة، لأن كلاً منهما مركوز في الأرض، أي ثابت، وأركز الرجل إذا وجد الركاز.
(1)" البخاري بحاشية السندي ": 1/ 172.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) قَالَ الإِمَامُ القَسْطَلَّانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: «(وَابْنُ إِدْرِيسَ) هُوَ الشَّافِعِيُّ الإِمَامُ الأَعْظَمُ صَاحِبُ المَذْهَبِ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو زَيْدٍ المِرْوَزِيُّ أَحَدُ الرُّوَّاةِ عَنْ الفَرْبَرِيِّ، وَتَابَعَهُ البَيْهَقِيُّ وَجُمْهُورُ الأَئِمَّةِ، وَعِبَارَةُ البَيْهَقِيِّ كَمَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِهِ " مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالآثَارِ " قَدْ حَكَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيُّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الرِّكَازِ وَالمَعْدَنِ فِي كِتَابِ الزكَّاَةِ مِنَ " الجَامِعِ "، وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ - يَعْنِي الشَّافِعِيَّ -، وَقِيلَ المُرَادُ بِابْنِ إِدْرِيسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنَ إِدْرِيسَ الأَوْدِيَّ الكُوفِيَّ» .
" إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري "، للإمام القسطلاني (ت 923 هـ)، 24 - كِتَابُ الزَّكَاةِ، 66 - باب فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، 3/ 81، الطبعة السابعة: 1323 هـ، نشر المطبعة الكبرى الأميرية - مصر.
2 -
نقل البخاري في ترجمته تفسير الركاز الذي ارتضاه عن مالك والشافعي. ومن النادر أن يصرح البخاري باسمهما، أو يعنى بذكر رأيهما. ولم أجده يصرح برأيهما إلا في مسألتين: هذه إحداهما، والأخرى في تفسر العرايا.
3 -
أيد البخاري رأيه بأمرين:
- أولهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال فِي المَعْدِنِ: «إِنَّهُ جُبَارٌ» ، أي هدر لا شيء فيه، ثم عطف عليه الركاز مبينًا أن فيه الخمس، والعطف يقتضي المغايرة.
- وثانيهما: فهم التابعين للركاز بهذا المعنى، وهو ما فهمه أيضًا علماء أهل الحجاز، وهم أعرف الناس بلغتهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطبهم بمقتضى هذه اللغة.
4 -
حكى البخاري رأي أبي حنيفة. ثم ألزمه بأن المعدن لو كان ركازًا لأنه يقال: «أَرْكَزَ المَعْدِنُ» إذا خرج منه شيء، لأدى ذلك إلى وجوب إخراج الخمس من المال الموهوب أو الربح أو الثمرة - وهو ما لم يقل به أحد - لأنه يقال لمن ملك شيئًا من ذلك:«أَرْكَزَ الرَّجُلُ» ، كما يقال لم وجد المعدن:«أَرْكَزَ» .
ثم ذكر أن أبا حنيفة بعد أن أوجب الخمس في المعدن رجع فناقض نفسه، حين أباح لمن وجده أن يكتمه ولا يؤدي منه شيئًا.
والخلاف في تفسير الركاز خلاف قديم بين أهل المدينة وأهل الكوفة، ذكر محمد بن الحسن في كتابه " في الرد على أهل المدينة "، وَ «ذَكَرَ أَنَّ الرِّكَازَ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَعْدَنِ فِي الأَصْلِ، ثُمَّ شَبَّهَ بِهِ المَالَ المَدْفُونَ» ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فِي الرِّكَازِ الخُمُسَ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الرِّكَازُ؟ فَقَالَ: المَالُ الذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الأَرْضِ، يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ» .