الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخلاف بين أبي حنيفة وأبي بكر هنا هو خلاف في فهم الحديث ومقاصد التشريع. وأعتقد أن الحق مع أبي حنيفة في هذه المسألة.
3 - غَسْلُ اليَدِ قَبْلَ إِدْخَالِهَا فِي الإِنَاءِ:
روى أبو بكر حديث: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» . ثم قال:
- «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا بَأْسَ بِهِ "» .
سبق ذكر هذه المسألة في فصل (الاِتِّجَاهُ إِلَى الظَّاهِرِ) باعتبارها من أمثلة هذا الاتجاه عند المحدثين، حيث بينا أن سبب الاختلاف فيها هو الاختلاف في مقتضى الأمر في الحديث: هل هو الوجوب أو الندب؟ وهل هذا الأمر معلل أو غير معلل؟ ويترتب على ذلك أن يكون غسل اليد حينئذٍ فرضًا، أو سنة.
وقد ذهب أبو حنيفة إلى أن غسل اليد حينئذٍ سنة. لأن حمل الأمر في الحديث على الوجوب، يوجد شيئًا من التعارض بين الحديث وآية الوضوء، التي أفاد ظاهرها حصر فرائض الوضوء بدون زيادة غسل اليد.
والخلاف هنا هو خلاف في فهم الحديث أيضًا، وقد وافق مالك والشافعي أبا حنيفة على فهمه، حيث اعتبرا غسل اليد من السنن، وأن الوضوء يجزي بدون غسلها ما لم يكن على ظاهرها نجاسة.
4 - الرَّشُّ عَلَى بَوْلِ الصَّبِيِّ:
عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، قَالَتْ:«دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، [لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ]، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ» .
وَرُوِيَ أَنَّ الحُسَيْنَ بَالَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّمَا يُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الأُنْثَى» .
وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ، فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ وَلَمْ يَغْسِلْهُ.
- وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «يَغْسِلُهُ» .
والواقع أن مذهب ابن أبي شيبة في التفريق بين بول الغلام والجارية اللذين لم يطعما - هو مذهب عامة المحدثين من أصحاب الصحاح والسنن (1) وغيرهم، كل روى الأحاديث في ذلك، يزيد بعضهم على بعض فيها، وإن كان البخاري ومسلم لم يرويا الحديث الذي فيه القصر والتصريح بالفرق بين بول الغلام والجارية.
وقد جمع ابن القيم روايات هذا الحديث وأنكر على من لم يأخذ به، كما ذكر أن الفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال: أحدهما: أنهما يغسلان جميعًا، والثاني: ينضحان، والثالث: التفرقة بين بول الصبي فحكمه النضح، وبول الصبية فحكمه الغسل، ثم أيد الرأي الثالث، وَبَيَّنَ أن الحكمة فيه كثرة حمل الرجال والنساء للذكر، فتعم البلوى ببوله فيشق غسله، وأن بوله لا ينزل في مكان واحد، بل ينزل متفرقًا فيشق غسله، بخلاف بول الأنثى (2).
وذهب أبو حنيفة إلى وجوب الغسل من بول الغلام والجارية، وحمل النضح أو الرش في هذه الأحاديث على الغسل، بدليل ما جاء في السنة مما رواه البخاري أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الدَّمِ يُصِيبُ الثَّوْبَ، فَقَالَ:«إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ، فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ» (3)، والنضح هنا هو الغسل.
(1) انظر " البخاري ": 1/ 34؛ و" مسلم بشرح النووي ": 3/ 193، 194؛ " الترمذي ": 1/ 92، 94؛ " النسائي ": 1/ 157، [158]؛ " أبو داود ": 1/ 153، 155؛ و" ابن ماجه ": 1/ 184، 185.
(2)
انظر " إعلام الموقعين ": 2 / [174]، 426، 427.
(3)
" البخاري بحاشية السندي ": 1/ 43، وقد روى البخاري عقب هذا الحديث عن =