الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَاّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا» وَذَلِكَ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ ") (1). ومما يؤيد ما ذهب إليه البخاري أَنَّ عُمَرَ كَانَ لَا يُنْكِرُ البُكَاءَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا كَانَ يُنْكِرُ مِنْهُ عَادَاتِ الجَاهِلِيَّةِ فقد نقل البخاي أَنَّ عُمَرُ رضي الله عنه قَالَ: «دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ» (2) وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ، وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ ". فلعل عمر أنكر على صهيب رفع صوته بقوله: «وَا أَخَاهُ وَا صَاحِبَاهُ» .
وأصل القصة في حديث عمر وابنه ينفي الوهم والخطأ في روايته ويدل على أن حديث عائشة وابن عمر حديثان متغايران، قِيلَا في ظرفين مختلفين، فقد روى البخاري بسنده عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ، فَقَالَ:«قَدْ قَضَى؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَبَكَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَأَى القَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَكَوْا، فَقَالَ:«أَلَا تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ، وَإِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه: «يَضْرِبُ فِيهِ بِالعَصَا، وَيَرْمِي بِالحِجَارَةِ، وَيَحْثِي بِالتُّرَابِ» (3).
[هـ] مُتْعَةُ النِّسَاءِ:
ذهب كل من السيدة عائشة وابن عباس رضي الله عنهما في متعة
(1)" البخاري بحاشية السندي ": 1/ 146.
(2)
" البخاري بحاشية السندي ": 1/ 147.
(3)
" البخاري بحاشية السندي ": 1/ 149، وَغَاشِيَةِ أَهْلِهِ: أي الذين يغشونه للخدمة والزيارة.
النساء مذهبًا مناقضًا للآخر: فالسيدة عائشة - كجمهور المسلمين - تحرم المتعة (وهي النكاح إلى أجل ملفوظ به عند العقد) -، وابن عباس يذهب إلى تحليلها في بعض الحالات الخاصة.
وعلى الرغم من تناقضهما بشأن المتعة، فإن الذي يجمع بينهما فيها هو وحدة المنهج في إثبات ما يدعيانه، إذ كلاهما يعرض ما روي من الحديث في المتعة على القرآن الكريم:
فعندما سئلت السيدة عائشة عن متعة النساء قالت: «بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ وَقَرَأَتْ هَذِهِ الآيَةَ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5، 6] فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ مَا زَوَّجَهُ اللهُ أَوْ مَلَّكَهُ، فَقَدْ عَدَا» (1).
وأما ابن عباس فقد اشتهر عنه تحليل المتعة، وتبعه في ذلك أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن، حتى قال الزهري يذم أهل مكة بسبب ما روى عنهم في الصرف ومتعة النساء. «مَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَنْقَضَ لِعُرَى الإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ» (2). ويستدل ابن عباس على مذهبه أيضًا بالقرآن، وقرأ قوله تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24]، وروى في قراءة عنه زيادة، إلى أجل مسمى» (3). وكأن الأحاديث التي رويت في نسخ المتعة لم تصح عنده. وقد رجح بعض العلماء أنه رجع عن رأيه في المتعة إلى رأي الجمهور، ومن هؤلاء الترمذي، حيث قال:«وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْءٌ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي المُتْعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ» ، ثم روي أَنَّ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّمَا [كَانَتِ] المُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ، كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ البَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ، فَيَتَزَوَّجُ المَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ، وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ، حَتَّى إِذَا نَزَلَتِ الآيَةُ: {إِلَاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ
(1)" الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص 173، نقلاً عن " المستدرك " للحاكم، الآيتان هما 5 و 6 من سورة المؤمنون.
(2)
" جامع بيان العلم ": 3/ 135، 154.
(3)
" بداية المجتهد ": 2/ 48.