الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ذكر الطحاوي أن الأحاديث التي نفت الصلاة على شهداء أحد، قد نفت أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد صلى عليهم ولكنها لم تنف أن يكون قد صلى عليهم غيره، فقد كان عليه السلام جَرِيحًا مُتْعَبًا في هذه الغزوة (1).
وبذلك يتبين أن أبا حنيفة لم يخالف الآثار، وإنما رجح بين الأحاديث المختلفة، ووافقه البخاري، والثوري، وإسحاق، وابن ماجه.
المَسَائِلُ المُنْتَقَدَةُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّوْمِ:
1 - صَوْمُ الوَلَدِ عَنْ وَالِدَيْهِ:
أو هل تجزئ العبادة إذا قام بها الولي نيابة عن الميت؟
رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، فَقَالَ:«اقْضِهِ عَنْهَا» .
وَبِسَنَدِهِ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ عَلَى أُمِّي صَوْمُ شَهْرَيْنِ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: «صُومِي عَنْهَا» ، قَالَ:«لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ قَضَيْتِهِ أَكَانَ يُجْزِئُ عَنْهَا؟» قَالَتْ: بَلَى ، قَالَ:«فَصُومِي عَنْهَا» .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الجُهَنِيِّ، أَنَّهُ حَدَّثَتْهُ عَمَّتُهُ (*)، أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ:[يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَعَلَيْهَا مَشْيٌ إِلَى الكَعْبَةِ نَذْرًا] فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَتَسْتَطِيعِينَ تَمْشِيَ عَنْهَا؟ " قَالَتْ: " نَعَمْ "، قَالَ:" فَامْشِي عَنْ أُمِّكَ "، قَالَتْ:" أَوَ يُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهَا؟ " قَالَ: " نَعَمْ "، قَالَ:" أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ قَضَيْتِهِ هَلْ كَانَ يُقْبَلُ مِنْكَ؟ " قَالَتْ: " نَعَمْ "، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ "».
- «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ "» .
(1) انظر " معاني الآثار ": 1/ 281، 193؛ و" الهداية " و" فتح القدير ": 1/ 474، 475؛ و" بداية المجتهد ": 1/ 191.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) ذكر ابن حجر العسقلاني أن اسمها (غَايِثَة). انظر" فتح الباري بشرح صحيح البخاري "، لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي: 4/ 65، حديث رقم 1852، طبعة سنة 1379 هـ، نشر دار المعرفة. بيروت - لبنان.
وقال أبو نعيم في " معرفة الصحابة ": (غَاثِيَةُ، وَيُقَالُ: غَائِثَةُ)، انظر " معرفة الصحابة "، لأبي نعيم الأصبهاني (ت 430 هـ)، تحقيق عادل بن يوسف العزازي، 6/ 3407، الطبعة الأولى: 1419 هـ - 1998 م، دار الوطن للنشر، الرياض - المملكة العربية السعودية.
وهذه الأحاديث تشير إلى مسألتين: الصوم عن الميت، والحج عنه. ويدخلان في دائرة العبادات.
وقد قسم العلماء العبادات ثلاثة أقسام:
أ - بدنية محضة، كالصلاة والصيام والطهارة من الحدث.
ب - مالية محضة، كالزكاة.
ج - مركبة منهما كالحج والكفارات.
وقد أجازوا النيابة في العبادات المالية المحضة، وأجازها بعضهم في الحج، منهم أبو حنيفة، ومنعوها في البدنية المحضة، فانتقاد ابن أبي شيبة هنا مركز على منع أبي حنيفة الصيام عن الميت.
والصيام عن الميت مجال خلاف كبير، حكى فيه ابن العربي عدة أقوال بعد أن حكى الاتفاق على أنه لا يصلي أحد عن أحد حَيًّا: فذهب أبو حنيفة ومالك والثوري والشافعي، إلى «أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ، إِنْ كَانَ المَيِّتُ قَادِرًا عَلَى القَضَاءِ فِي حَيَاتِهِ، نَذْرًا كَانَ الصِّيَامُ أَوْ فَرْضًا» .
وقال الأوزاعي: «يَتَصَدَّقُ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْهُ» .
وقال أحمد وإسحاق: «يُصَامُ عَنْ المَيِّتِ فِي النَّذْرِ، وَيُطْعِمُ عَنْهُ فِي الفَرْضِ» ، ويؤيدهم ما رواه أبو داود في ذلك عن ابن عباس.
وقال الحسن: «يَقْضِي وَلِيُّ المَيِّتِ مَا فَاتَهُ مِنْ صِيَامِهِ» ، وإليه ذهب البخاري وأهل الظاهر.
وهذه المسألة فيها بحوث طويلة يخرجنا التعرض لها عما قصدناه من هذا الفصل، وهو بيان وجهات النظر في حدود خاصة.
أما سبب خلاف أبي حنيفة هنا فهو معارضة أحاديث الصيام عن الميت للأصول العامة ولقوله تعالى: {أَلَاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38]، وقوله:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، ومعه في ذلك الشافعي والثوري ومالك