الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجصاص، وأبو إسحاق الإسفراييني وإمام الحرمين، وَرَأْيُ ابن أبي حاتم قريب من ذلك، فقد ذكر في ترجمته لداود: أَنَّهُ «نَفَى القِيَاسَ وَأَلَّفَ فِي الفِقْهِ عَلَى ذَلِكَ كُتُبًا شَذَّ فِيهَا عَنْ السَّلَفِ وَابْتَدَعَ طَرِيقَةً هَجَرَهُ أَكْثَرُ [أَهْلِ] العِلْمِ عَلَيْهَا. وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ صَدُوقٌ فِي رِوَايَتِهِ [وَنَقْلِهِ] وَاعْتِقَادِهِ، إِلَّا أَنَّ رَأْيَهُ أَضْعَفُ الآرَاءِ، وَأَبْعَدُهَا مِنْ طَرِيقِ الفِقْهِ وَأَكْثَرُهَا شُذُوذًا» (1).
- القسم الثاني: يعتد بهم، ويعترف بخلافهم، إلا فيما خالف القياس الجلي، وهو رأي ابن الصلاح.
- القسم الثالث: يعتد بخلافهم مطلقًا، وهو الذي استقر عليه الأمر عند الشافعية، واختاره ابن السبكي، حيث قال:«فَالذِي أرَاهُ الاِعْتِبَارُ بِخِلَافِ دَاوُدَ [وَوِفَاقِهِ] (*). نَعَمْ لِلْظَّاهِرِيَّةِ مَسَائِلَ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ فِيهَا لَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ دَاوُدَ غَيْرُ أَهْلٍ لِلْنَّظَرِ بَلْ لِخَرْقِهِ فِيهَا إِجْمَاعًا تَقَدَّمَهُ» (2).
نَقْدُ ابْنِ القَيِّمِ لِلْظَّاهِرِيَّةِ:
ومن أحسن ما قيل في أهل الظاهر، وأكثره موضوعية واعتدالاً نقد ابن القيم، الذي ذكر فيه أن لأهل الظاهر حسنات يقابلها سيئات:
«[وَأَحْسَنُوا] فِي اعْتِنَائِهِمْ بِالنُّصُوصِ وَنَصْرِهَا، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَعَدَمِ تَقْدِيمِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا مِنْ رَأْيٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ تَقْلِيدٍ، وَأَحْسَنُوا فِي رَدِّ الْأَقْيِسَةِ الْبَاطِلَةِ، وَبَيَانِهِمْ تَنَاقُضَ أَهْلِهَا [فِي نَفْسِ الْقِيَاسِ] وَتَرْكِهِمْ لَهُ، وَأَخْذِهِمْ بِقِيَاسٍ وَتَرْكِهِمْ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ.
وَلَكِنْ أَخْطَئُوا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
(1)" لسان الميزان ": 2/ 422، 424.
(2)
انظر " طبقات الشافعية ": 2/ 45.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) في الكتاب المطبوع (وَرِفَاقِهِ) والصواب ما أثبته، انظر " طبقات الشافعية الكبرى " لتاج الدين السبكي (ت 771 هـ)، 2/ 290، تحقيق: الدكتور محمود محمد الطناحي والدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، دار إحياء الكتب العربية - بيروت.
أَحَدُهَا: رَدُّ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ، وَلَا سِيَّمَا الْمَنْصُوصَ عَلَى عِلَّتِهِ الَّتِي يَجْرِي النَّصُّ عَلَيْهَا مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى التَّعْمِيمِ بِاللَّفْظِ
…
وَلَا يَسْتَرِيبُ أَحَدٌ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ " لَا تَأْكُلْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ فَإِنَّهُ مَسْمُومٌ " نَهْيٌ لَهُ عَنْ كُلِّ طَعَامٍ كَذَلِكَ.
[الْخَطَأُ الثَّانِي]: تَقْصِيرُهُمْ فِي فَهْمِ النُّصُوصِ، فَكَمْ مِنْ حُكْمٍ دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ وَلَمْ يَفْهَمُوا دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ، وَسَبَبُ هَذَا الْخَطَأِ حَصْرُهُمْ الدَّلَالَةَ فِي مُجَرَّدِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، دُونَ إيمَائِهِ وَتَنْبِيهِهِ وَإِشَارَتِهِ وَعُرْفِهِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ قَوْلِهِ:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] ضَرْبًا وَلَا سَبًّا وَلَا إهَانَةً غَيْرَ لَفْظَةِ أُفٍّ.
الْخَطَأُ الثَّالِثُ: تَحْمِيلُ الِاسْتِصْحَابِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَجَزْمُهُمْ بِمُوجَبِهِ، لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالنَّاقِلِ، وَلَيْسَ عَدَمُ الْعِلْمِ عِلْمًا بِالْعَدَمِ
…
[فَنُفَاتُ الْقِيَاسِ] لَمَّا سَدُّوا عَلَى نُفُوسِهِمْ بَابَ التَّمْثِيلِ وَالتَّعْلِيلِ وَاعْتِبَارِ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ - وَهُوَ مِنْ الْمِيزَانِ وَالْقِسْطِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ - احْتَاجُوا إلَى تَوْسِعَةِ الظَّاهِرِ وَالِاسْتِصْحَابِ، فَحَمَّلُوهُمَا فَوْقَ الْحَاجَةِ وَوَسَّعُوهُمَا أَكْثَرَ مِمَّا يَسَعَانِهِ، فَحَيْثُ فَهِمُوا مِنْ النَّصِّ حُكْمًا أَثْبَتُوهُ وَلَمْ يُبَالُوا بِمَا وَرَاءَهُ، وَحَيْثُ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْهُ نَفَوْهُ، وَحَمَّلُوا الِاسْتِصْحَابَ
الْخَطَأُ الرَّابِعُ لَهُمْ: اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ عُقُودَ الْمُسْلِمِينَ وَشُرُوطَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ كُلَّهَا عَلَى الْبُطْلَانِ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَقُمْ عِنْدَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ شَرْطٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ اسْتَصْحَبُوا بُطْلَانَهُ، فَأَفْسَدُوا بِذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ مُعَامَلَاتِ النَّاسِ وَعُقُودِهِمْ وَشُرُوطِهِمْ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ» (1).
(1) انظر " إعلام الموقعين " مع " حادي الأرواح ": 2/ 26، 40.