الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
198 - باب إِذا صلَّى خَمْسًا
1019 -
حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ - الْمَعْنَى - قال حَفْصٌ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ خَمْسًا. فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ في الصَّلاةِ؟ قال: "وَما ذاكَ". قال: صَلَّيْتَ خَمْسًا. فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ ما سَلَّمَ (1).
1020 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قال: قال عَبْدُ اللهِ صَلَّى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال إِبْراهِيمُ: فَلا أَدْرِي زادَ أَمْ نَقَصَ - فَلَمّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يا رَسُولَ اللهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ. قال: "وَما ذاكَ". قالوا: صَلَّيْتَ كَذا وَكَذا. فَثَنَى رِجْلَهُ واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سَلَّمَ فَلَمّا انْفَتَلَ أَقْبَلَ عَلَيْنا بِوَجْهِهِ صلى الله عليه وسلم فَقال: "إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، ولكن إِنَّما أَنا بَشَرٌ أَنْسَى كَما تَنْسَوْنَ، فَإِذا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي". وقال: "إِذا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيهِ ثُمَّ لْيُسَلِّمْ ثُمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ"(2).
1021 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بهذا، قال:"فَإِذا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ". ثُمَّ تَحَوَّلَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ.
قال أَبُو داوُدَ: رَواهُ حُصَيْنٌ نَحْوَ حَدِيثِ الأَعْمَشِ (3).
1022 -
حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَلِيّ، أَخْبَرَنا جَرِيرٌ، وحَدَّثَنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا جَرِيرٌ - وهذا حَدِيثُ يُوسُفَ -، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ
(1) رواه البخاري (7249)، ومسلم (572).
(2)
رواه البخاري (401)، ومسلم (572).
(3)
رواه مسلم (572).
سُوَيْدٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ قال: قال عَبْدُ اللهِ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسًا فَلَمّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ القَوْمُ بَينَهُمْ فَقال: "مَا شَأْنُكُمْ". قالوا: يا رَسُولَ اللهِ هَلْ زِيدَ في الصَّلاةِ؟ قال: "لا". قالوا: فَإِنَّكَ صَلَّيْتَ خَمْسًا. فانْفَتَلَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قال: "إِنَّما أَنا بَشَرٌ أَنْسَى كَما تَنْسَوْنَ"(1).
1023 -
حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْث -يَعْنِي ابن سَعْدٍ- عَنْ يَزيدَ بْنِ أَبِي حَبِيب أَنَّ سُويدَ بْنَ قَيْسٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ خدَيْجٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمًا فَسَلَّمَ وَقَدْ بَقِيَتْ مِنَ الصَّلاةِ رَكعَةٌ فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فَقال: نَسِيتَ مِنَ الصَّلاةِ رَكعَةً، فَرَجَعَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ وَأَمَرَ بِلالًا فَأَقامَ الصَّلاةَ فَصَلَّى لِلنَّاسِ رَكْعَةً فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ النّاسَ. فَقالوا لِي: أَتَعْرِفُ الرَّجُلَ قُلْتُ: لا إِلَّا أَنْ أَراهُ. فَمَرَّ بِي فَقُلْتُ: هذا هُوَ. فَقالوا: هذا طَلْحَةُ بْن عُبَيْدِ اللهِ (2).
* * *
باب إِذَا صَلَّى خَمْسًا
[1019]
(حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الأزدي الفراهيدي (الْمَعْنَى قَال حَفْصٌ) في روايته (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (3) عَنِ الحَكَمِ) ابن عتيبة بضم المهملة وفتح الفوقانية.
(عَنْ إِبْرَاهِيمَ) بن يزيد النخعي (4)، أخرج له مسلم.
(1) رواه مسلم (572/ 89).
(2)
رواه النسائي 2/ 18، وأحمد 6/ 401، وابن خزيمة (1053)، وابن حبان (2674).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(938).
(3)
في (ص، س): سعيد.
(4)
في (ص، س، ل): البجلي. وفي (م): اليماني. والمثبت هو الصواب.
(عَنْ عَلْقَمَةَ) بن قيس النخعي كان يشبه بعبد الله بن مسعود.
(عَنْ عَبْدِ الله) بن مسعود (قَال: صَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ خَمْسًا. فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَال: وَمَا ذَاكَ؟ . قَال: صَلَيتَ خَمْسًا. فَسَجَدَ سَجْدَتَينِ بَعْدَمَا سَلَّمَ) اختلف العلماء فيمن قام إلى خامسة، فقالت طائفة بظاهر هذا الحديث: إن ذكر وهو في الخامسة قبل كمالها رجع وجلس وتشهد وسلم، وإن لم يذكر إلا بعد فراغه من الخامسة فإنه يسلم ويسجد للسهو، وصلاته مجزئة عنه، هذا قول عطاء (1) والحسن (2) والزهري (3) وإليه ذهب مالك (4) والشا فعي (5) وأحمد (6).
قال ابن الملقن (7): وعبارة شيخنا قطب الدين في تحرير مذهب أبي حنيفة: ذهب أصحابه إلى أنه إن سها عن القعدة حتى قام إلى الخامسة رجع إلى القعدة ما لم يسجد للخامسة؛ وذلك لأنه لم يستحكم خروجه من الفرض وألغى الخامسة؛ لأن ما دون الرابعة ليس له حكم الصلاة بدليل النص، وشمجد للسهو لتأخير الواجب، وإذا [كان بعد](8) الخامسة بسجدة استحكم دخوله في ركعة كاملة في النفل (9)
(1) رواه عبد الرزاق 2/ 302 (3457).
(2)
رواه عبد الرزاق 2/ 303 (3460).
(3)
رواه عبد الرزاق 2/ 302 - 303 (3458).
(4)
"المدونة" 1/ 225.
(5)
"الأم" 1/ 247، وانظر:"المجموع" 4/ 116.
(6)
"مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج"(238).
(7)
"التوضيح لشرح الجامع الصحيح" 9/ 347 - 348.
(8)
في (ل، م): قعد.
(9)
في (ص، س): الفعل.
فخرج به عن الفرض قبل تمامه فبطلت صلاته، وإن كان قعد في الرابعة مقدار التشهد [ثم سها وقام] (1) إلى الخامسة وقيدها بسجدة ضم إليها ركعة أخرى وتمت صلاته وكانت له نافلة ويسجد للسهو. قالوا: وحديث ابن مسعود محمول عندهم على ما إذا قعد في الرابعة مقدار التشهد، وذلك لأن الراوي قال: صلى خمسًا. ولا ظهر بدون ركعة، وهو القعدة الأخيرة. قال السرخسي منهم (2): وإنما قام إلى الخامسة على ظن أن هذِه هي القعدة الأولى، والصحيح [أنهما لا ينوبان عن سنة الظهر؛ لأن شروعه فيها لم يكن عن قصد، وفي صلاة العصر](3) لا يضم إلى الخامسة ركعة أخرى بل يقطع التنفل بعد الفرض.
وروى هشام عن محمد أنه يضيف إليها ركعة أخرى (4)، وكذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله (5)، وهو الصحيح؛ لأن (6) الكراهة إنما تقع بعده عن قصد. ثم إن (7) هذا الحديث دال (8) لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور أن من زاد في صلاته ركعة [ناسيًا لا تبطل صلاته](9)
(1) من (ل، م).
(2)
"المبسوط" للسرخسي 1/ 393.
(3)
من (ل، م).
(4)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 178، "المحيط البرهاني" 2/ 320.
(5)
انظر: "المحيط البرهاني" 2/ 320.
(6)
في (ص): أن.
(7)
سقط من (س، ل، م).
(8)
في (ص): قال.
(9)
من (ل، م).
بل إن علم بعد صلاته فقد مضت صلاته صحيحة ويسجد للسهو إن ذكر بعد السلام بقرب، وإن طال فالأصح عندنا أنه لا يسجد، وإن ذكر قبل السلام عاد إلى القعود سواء كان في قيام أو ركوع أو سجود أو غيرها، ويتشهد ويسجد للسهو ويسلم والزيادة على وجه السهو لا تبطل الصلاة سواء قلَّت أو كثرت إذا كانت من جنس الصلاة، قال ابن قدامة: الظاهر أنه عليه السلام لم يجلس عقب الرابعة؛ لأنه لم ينقل؛ ولأنه قام إلى خامسة يعتقد أنه قام عن ثالثة ولم تبطل صلاته بهذا (1). والعلة في سهو الشارع التعليم.
[1020]
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير) بفتح الجيم كما تقدم (عن منصور، عن إبراهيم) بن يزيد النخعي.
(عن علقمة قال: قال (2) عبد الله) بن مسعود.
(صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم النخعي: فلا أدري زاد أم نقص) بتخفيف القاف.
(فلما سلم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء) الحادث الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة وهو سؤال من جوز النسخ على ما هو معروف في (3) الشريعة.
(قال: وما ذاك؟ )[سؤال من لم يستقر](4).
(1)"المغني" 2/ 429.
(2)
من (ل، م).
(3)
في (س، ل، م): من.
(4)
من (ل، م).
(قالوا: صليت كذا وكذا) ركعة (فثنى) بفتح النون المخففة (رجله) كذا نسخ أبي داود والنسائي (1) وابن ماجة (2) وابن حبان (3)، ولمسلم (4): رجليه بالتثنية، والرواية الأولى هي اللائقة بالمعنى، ومعنى ثنى رجله صرفها عن حالتها التي كانت عليها.
(واستقبل القبلة فسجد بهم) أي: بالمأمومين الذين كانوا مقتدين به (سجدتين) يعني: سجدتي السهو (ثم سلم) للخروج من الصلاة فيه حجة [على أبي حنيفة (5) حيث قال: تبطل الصلاة بزيادة الخامسة وهو حجة](6) للشافعي (7) ومالك (8) على صحة ذلك.
(فلما انفتل من الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به) يفهم منه أن الأصل في الأحكام بقاؤها على ما قررت وإن جوز غير ذلك، وأن تأخير البيان لا يجوز لغير حاجة.
(ولكن إنما أنا بشر مثلكم) وهذا حصر له في البشرية باعتبار من أنكر نبوته ونازعه فيها وسأله الآيات عنادًا وجحودًا وأما باعتبار غير ذلك مما هو فيه فلا ينحصر في وصف (9) البشرية إذ له صفات أخر لكونه جسمًا
(1)"سنن النسائي" 3/ 32.
(2)
"سنن ابن ماجة"(1211).
(3)
"صحيح ابن حبان"(2656).
(4)
"صحيح مسلم"(572)(89).
(5)
"المبسوط" للسرخسي 1/ 393.
(6)
من (ل، م).
(7)
"الأم" 7/ 293 - 494، و"المجموع" 4/ 90.
(8)
"المدونة" 1/ 220.
(9)
من (م).
حيًّا متحركًا نبيًّا رسولًا بشيرًا نذيرًا سراجًا منيرًا وغير ذلك، والحصر يأتي على ضربين: مطلقًا باعتبار جميع الجهات، ومقيدًا باعتبار بعضها كما في هذِه الآية وهذِه من مسائل المفهوم الحصري (أنسى كما تنسون) زاد النسائي (1):"وأذكر كما تذكرون".
وفيه دليل على جواز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم فيما طريقه البلاغ من الأفعال والأقوال وأحكام الشرع.
قال عياض: وهو مذهب عامة العلماء والأئمة النظار، وظاهر القرآن والأحاديث لكن شرط الأئمة أن الله تعالى ينبهه على ذلك ولا يقرُّه عليه، ثم اختلفوا هل من شرط التنبيه اتصاله بالحادثة على الفور، وهذا مذهب القاضي أبي بكر والأكثر من العلماء، أو يجوز في ذلك التراخي ما لم ينخرم عمره وينقطع تبليغه، وإليه نحا (2) أبو المعالي، ومنعت طائفة من العلماء السهو عليه في الأفعال البلاغية والعبادات الشرعية كما منعوه اتفاقًا في الأقوال البلاغية (3) واعتذروا عن الظواهر الواردة في ذلك، وإليه مال الأستاذ أبو إسحاق (4).
(فإذا نسيت فذكروني) فيه أمر التابع بتذكير المتبوع لما ينساه، وظاهر الحديث يدل على وجوب ذلك على التلميذ على الفور (5) إلا أن يدل (6)
(1)"سنن النسائي" 3/ 33.
(2)
في (م): لمح. وفي (س): نفا.
(3)
من (ل، م).
(4)
"إكمال المعلم" 2/ 513 - 514.
(5)
في (م): القول.
(6)
في (ص، س، ل): يدخل.
دليل على خلاف ذلك، فيحمل على الاستحباب (وقال: إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب) التحري الطلب والاجتهاد في التحصيل والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول، وفي رواية لمسلم:"فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب". وفي رواية: "فليتحر الذي يرى أنه الصواب"(1).
وفيه دليل لأبي حنيفة (2) وموافقيه من أهل الكوفة وغيرهم من أهل الرأي على أن من شك في صلاته في عدد ركعات فإنه يبني في ذلك على غالب ظنه ولا يلزمه الاقتصار على الأقل، والإتيان بالزيادة كما هو مذهب الشافعي (3) وغيره، وظاهر هذا الحديث حجة لهم، ثم اختلف هؤلاء فقال أبو حنيفة (4) ومالك (5) في طائفة: هذا لمن اعتراه الشك مرّة بعد أخرى، وأما غيره فيبني على اليقين.
قال القرطبي: والجمهور ردوا هذا إلى حديث أبي هريرة، وهذا لم [تضم إليه](6) ضرورة تعارض إذ يمكن أن يحمل كل واحد من الحديثين على حالة غير الأخرى، فيحمل حديث أبي هريرة فيمن شك ويحمل هذا الحديث (7) فيمن ظن، ولا تعارض بينهما، فإن قيل: الموجب لتأويل
(1) الروايتان في "صحيح مسلم"(572/ 90).
(2)
"المبسوط" للسرخسي 1/ 382 - 383.
(3)
"الأم" 1/ 246.
(4)
"المبسوط" للسرخسي 1/ 383.
(5)
"المدونة" 1/ 220.
(6)
في (ص): تعم إلى.
(7)
من (س، م).
هذا الحديث ورده إلى حديث أبي هريرة أن الصلاة [في ذمته](1) بيقين ولا تبرأ ذمته إلا بيقين (2).
أجاب القرطبي: بأنا لا نسلم بل تبرأ ذمته بغلبة الظن، بدليل أن صحة الصلاة تتوقف على شروط مظنونة بالاتفاق كطهارة النجاسة وطهارة الحدث، والموقوف على المظنون مظنون، فلا يلزم اليقين وإن كان الأولى هو اليقين (3).
وحجة الشافعية (4) حديث أبي سعيد: فليطرح الشك وليبن على ما استيقن (5). وهذا صريح في وجوب البناء (6) على اليقين، وحملوا التحري في هذا الحديث على الأخذ باليقين لأن التحري هو القصد لقوله تعالى:{تَحَرَّوْا رَشَدًا} (7) فمعنى الحديث: فليقصد الصواب فيعمل به وقصد الصواب هو ما بينه في هذا الحديث ونحوه.
وقالت الحنفية (8): حديث أبي سعيد ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه بخلاف من غلب على ظنه، وجوابه أن تفسير الشك بمستوي الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ من الأصوليين، وأما في اللغة فالتردد
(1) في (ص، س، ل): ذمية.
(2)
في (ص): تتعين.
(3)
"المفهم" 2/ 185 - 186.
(4)
"الأم" 1/ 246.
(5)
أخرجه مسلم (571)(88)، وسيأتي برقم (1024).
(6)
في (ص): البقاء.
(7)
الجن: 14.
(8)
"شرح النووي على مسلم" 5/ 63 - 64.
بين وجوب (1) الشيء وعدمه كله سواء استوى طرفاه أو رجح والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية، ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح (فليتم) [بضم التحتانية وكسر الفوقانية] (2) (عليه ثم ليسلم) فيه حجة للشافعي (3) في أنه يطرح الشك ويبني على الأقل ويتمم ما بقي عليه من الركعات وغيرها (ثم يسجد سجدتين) أي: سجدتي السهو ثم يسلم.
[1021]
(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي شيخ الشيخين (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني.
(حدثنا الأعمش، عن إبراهيم) بن سويد (عن علقمة، عن عبد الله) بن مسعود (بهذا) الحديث (قال: فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) ثم يسلم (ثم تحول) عبد الله من مكانه (فسجد سجدتين).
(قال) المصنف (رواه حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (نحو حديث الأعمش) المذكور.
[1022]
و (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (أنبأنا جرير) بفتح الجيم.
(وحدثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي، أخرج له البخاري (حدثنا جرير، وهذا حديث يوسف) بن موسى (عن الحسن بن عبيد الله) بالتصغير أبي عروة النخعي، أخرج له مسلم.
(عن إبراهيم بن سويد، عن علقمة قال: قال عبد الله) بن مسعود (صلى
(1) في (ص، س، ل): وجود.
(2)
في الأصول الخطية: بضم الفوقانية وكسر التحتانية. وهو وهم. والمثبت الصواب.
(3)
"الأم" 1/ 246.
بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا (1) فَلَمَّا انْفَتَلَ) من صلاته (تَوَشْوَشَ) بالشين المعجمة هكذا هو في النسخ المعتمدة.
قال النووي: ضبطناه بالمعجمة (2). وقال القاضي: روي بالمعجمة والمهملة وكلاهما صحيح ومعناه: تحركوا وهمس بعضهم إلى بعض بكلام خفي (3).
قال المنذري (4): وروي (5) بالسين المهملة وهو الكلام الخفي، ومن المهملة وسواس الحلي وهو تحركه ووسوسة الشيطان.
قال [أهل اللغة](6): الوشوشة بالمعجمة صوت في اختلاط. وذكره في "النهاية" في مادة المعجمة وقال (7): الوشوشة كلام مختلط (8) خفي لا يكاد يفهم.
وقال (9)[الأصمعي: رجل وشواش: خفيف](10)(11)(الْقَوْمُ) فيما
(1) من (ل، م).
(2)
"شرح النووي على مسلم" 5/ 65.
(3)
"إكمال المعلم" 2/ 518، "مشارق الأنوار" 2/ 296 - 297.
(4)
زاد في (م): الأصمعي رجل وشواش خفيف. وسيأتي قريبًا.
(5)
من (س، ل، م).
(6)
من (س، ل، م).
(7)
"النهاية في غريب الحديث"(وشوش).
(8)
في (ص): مختلف. والمثبت من "النهاية".
(9)
ليست بالأصول الخطية والسياق يقتضيها.
(10)
تقدمت في (م) فجاءت بعد كلمة: المنذري.
(11)
انظر: "الصحاح" مادة وشوش.
(بَينَهُمْ فَقَال: مَا شَأْنُكُمْ؟ ) بالرفع فيه سؤال الإمام القوم (1) إذا رآهم يتناجون فيما بينهم ليعرفهم ما يتعلق بما هم فيه من الأحكام.
(قَالوا: يَا رَسُولَ الله، هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ (2) قَال: لَا. قَالوا: فَإِنَّكَ قد (3) صَلَّيتَ خَمْسًا) هذا إخبار ممن حقق ما وقع قبول (4) النبي صلى الله عليه وسلم قول المخبر عما وقع له دليل على قبول الإمام قول من خلفه في إصلاح الصلاة (5) إذا كان الإمام على شك بلا خلاف، كذا قاله القرطبي (6).
قال النووي (7): فإن (8) قيل كيف رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول الجماعة، وعندكم لا يجوز للمصلي الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيره [إمامًا كان أو مأمومًا ولا يعمل إلا على يقين نفسه؟ فجوابه أنه صلى الله عليه وسلم سألهم ليتذكر فلما ذكروه تذكر فعل السهو فبنى عليه لا أنه رجع إلى مجرد قولهم ولو جاز ترك يقين نفسه والرجوع إلى قول غيره] (9) لرجع ذو اليدين حين قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لم تقصر ولم أنس".
(1) من (ل، م).
(2)
زاد هنا في (س): شيء.
(3)
من (س).
(4)
في (ص): قول.
(5)
في (ص): صلاته.
(6)
"المفهم" 2/ 184.
(7)
"شرح النووي على مسلم" 5/ 73.
(8)
في (م): قال.
(9)
من (ل، م)، و"شرح النووي".
واستنبط بعض المتأخرين من هذا الحديث فبنى عليه (1) مسألة نسيان الأصل الرواية إذا جزم بها عنه فرعه الراوي عنه، فإنهم في هذا الحديث شاهدوا فعله وأخبروه عنه مع نسيانه ما وقع منه، والخلاف فيها بيننا وبين الحنفية وقد يحتجون للمنع في المسألة بكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعمل بقول ذي اليدين لما كان ناسيًا حتى (2) تذكر بقول الجماعة، وعلى ما اعتمده المالكية والحنابلة من أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما اعتمد على قول الجماعة لا على تذكره هو صلى الله عليه وسلم، فهو يصلح للاحتجاج به للجمهور في قبول رواية الفرع إذا نسي الأصل أنه (3) حدثه ولم يجزم بالتكذيب، وكان الفرع عدلًا جازمًا للرواية عنه.
قال العلائي: والذي يتجه أنه لا يحتج للقبول هنا ولا الرد، نعم الحجة منه لمن قال بالمنع من المسألة الأصولية أظهر، فإن ذا اليدين عدل مقبول القول ولم يعمل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ما لم يكن ذاكرًا لذلك حتى راجع الجماعة فتذكر.
(فَانْفَتَلَ فَسَجَدَ سَجْدَتَينِ ثُمَّ سَلَّمَ) وهذا يندفع به ما (4) يستشكل ظاهره، وأن ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم هذا الكلام بعد أن ذكر أنه زاد ونقص قبل أن يسجد اللسهو ثم بعد أن قاله سجد للسهو، ومتى ذكر ذلك فالحكم أنه يسجد (5)] (6) ولا يتكلم ولا يأتي بمنافٍ للصلاة،
(1) في (ص، س، ل): على.
(2)
في (م): حين.
(3)
في (ص، س، ل): أن.
(4)
في (ص، س، ل): مما.
(5)
في (م): لا يسجد.
(6)
من (س، ل، م).
ويجاب عن هذا الاستشكال بأجوبة أحدها: أن ثم هنا ليست لحقيقة الترتيب، وإنما هي لعطف جملة على جملة، وليس معناه أن التحول والسجود كان بعد الكلام بل (1) إنما كان قبله، ومما يؤيد هذا التأويل ما في رواية ابن مسعود:[ثنى رجله](2) فاستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه.
(فقَال): إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ) فيه جواز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم فيما طريقه البلاغ.
[1023]
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيثُ بْنَ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ (3) سُوَيْدَ بْنَ قَيسٍ) رجال هذا الحديث كلهم رجال الصحيح غير سويد بن قيس هذا [فلم يخرجا](4) له، وهو ثقة بالاتفاق، وثقه النسائي وغيره (5)، ولم يتكلم فيه أحد.
(أَخْبَرَهُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ) بضم الحاء المهملة على وزن التصغير وآخره جيم، ابن جفنة (6) بفتح الجيم، بن قتيرة بفتح القاف وكسر التاء المثناة الفوقانية [وإسكان المثناة تحت ثم راء مفتوحة ابن حارثة الكندي التجيبي بضم (7) المثناة فوق](8) وكسر الجيم منسوب إلى سعد
(1) من (س، ل، م).
(2)
في (ص، س، ل): هذه وحبيبه.
(3)
في (م): ابن.
(4)
في (ص، س): كلهم مخرجًا.
(5)
"تهذيب الكمال" 12/ 270.
(6)
في (م): جفية.
(7)
في (ص، ل): بفتح.
(8)
سقط من (م).
ابن (1) أشرس بن شبيب ومعاوية بن حديج هذا صحبته ثابتة قال ذلك البخاري (2) وغيره، وعداده في المصريين.
قال أبو بكر الحميدي: كان إسلامه قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم[بشهرين قال ابن يونس: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم]، (3) وشهد فتح مصر وقدم على عمر مبشرًا بفتح الإسكندرية، ولي غزو (4) المغرب غير (5) مرّة وكانت وفاته سنة اثنتين وخمسين (6). وحديثه هذا رواه النسائي (7) أيضًا، وابن ماجة (8) والبخاري في كتاب "الأدب"(9)، وابن حبان (10) في كتاب الصلاة.
(أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمًا فَسَلَّمَ في ركعتين وَقَدْ بَقِيَتْ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةٌ فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ) هذِه الصلاة هي (11) صلاة المغرب لرواية ابن حبان (12) ولفظه عن معاوية بن حديج قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب فسهى فسلم في الركعتين ثم انصرف، فقال له رجل: يا
(1) زاد في (م): أبي.
(2)
"التاريخ الكبير"(1407).
(3)
من (س، ل، م).
(4)
في (ص): ولى عمر.
(5)
زاد في (ص): ما.
(6)
"تاريخ ابن يونس"(1307).
(7)
"المجتبى" 2/ 18.
(8)
روى له ابن ماجة في "السنن"(540).
(9)
"الأدب المفرد"(1079).
(10)
"صحيح ابن حبان"(2674).
(11)
سقط من (م).
(12)
"صحيح ابن حبان"(2674).
رسول الله، إنك سهوت فسلمت في الركعتين. الحديث.
(فَقَال: نَسِيتَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكعَةً. فَرَجَعَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ) لأن الرجل أدركه في الطريق وهي لا تصلح للصلاة لكراهة الصلاة فيها. [فدخل المسجد](1).
(وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ) يحتمل أن يكون معنى (2) أقام الصلاة دخل فيها فإن قواعد المذهب أنه يعود إلى الصلاة بلا إقامة.
(فَصَلَّى لِلنَّاسِ رَكعَةً) رواية ابن حبان ثم أتم تلك الركعة (3).
(فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ النَّاسَ. فَقَالوا لِي: أَتَعْرِفُ الرَّجُلَ؟ قُلْتُ: لَا إِلَّا أَنْ أَرَاهُ فَمَرَّ بِي رجل فَقُلْتُ هذا هُوَ) الذي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فقال له نسيت.
(فَقَالوا هذا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ الله) بن عثمان القرشي التيمي، وقى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فشلت إصبعه وجرح يومئذٍ أربعًا وعشرين جراحة.
قال الإمام أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" بعد سياقه حديث معاوية بن حديج: هذِه القصة غير قصة ذي اليدين؛ لأن المعلم للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سها في هذِه القصة طلحة بن عبيد الله، ومخبر النبي صلى الله عليه وسلم في تلك القصة ذو اليدين، والسهو من النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان في الظهر أو العصر، وفي هذِه القصة إنما كان السهو في المغرب لا في الظهر ولا في العصر، وقصة عمران بن حصين و (4) قصة الخرباق فالقولان التسليم
(1) من (س، ل، م).
(2)
من (س، ل، م).
(3)
"صحيح ابن حبان"(2674).
(4)
من (م).
في خبر عمران من الركعة الثالثة وفي قصة ذي اليدين صلى ركعتين، وفي خبر عمران دخل النبي صلى الله عليه وسلم حجرته ثم خرج من الحجرة، وفي خبر أبي هريرة قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى خشبة معروضة في المسجد، وكل هذِه أدلة على أن هذِه القصص ثلاث قصص سها النبي صلى الله عليه وسلم وتكلم في المرات الثلاث ثم أتم صلاته (1).
وتابعه على أن القصص ثلاث تلميذه الحافظ أبو حاتم ابن حبان (2) في "وصف الصلاة"، وكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديثي أبي هريرة وعمران أنهما واقعتان لكنه زاد شيئًا آخر فجعل حديث أبي هريرة أيضًا واقعتين، وكان السهو في إحداهما صلاة الظهر وفي (3) الأخرى صلاة العصر، وقد تقدم.
* * *
(1)"صحيح ابن خزيمة"(2/ 129).
(2)
"صحيح ابن حبان" 6/ 397.
(3)
من (م).