الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
208 - باب مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ القِبْلَةِ ثُمَّ علِمَ
1045 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحابَهُ كانُوا يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ فَلَمّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَناداهُمْ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاةِ الفَجْرِ نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ: أَلا إِنَّ القِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إِلَى الكَعْبَةِ. مَرَّتَيْنِ، فَمالُوا كَما هُمْ رُكُوعٌ إِلَى الكَعْبَةِ (1).
* * *
باب مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ القِبْلَةِ ثُمَّ عَلِمَ
[1045]
(حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي سمي بذلك؛ لأنه اشترى بتبوذك دارًا فنسب إليها. قال عياض: قلت ليحيى بن معين: ما [كتبت عنه؟ ](2) قال: خمسة وثلاثين ألف حديث (3). قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) بن سلمة (عَنْ ثَابِتٍ) بن أسلم البناني بضم الموحدة وتخفيف النون الأولى، تابعي من أعلام أهل البصرة وثقاتهم، اشتهر بالرواية عن أنس بن مالك، وصحبه أربعين سنة (وَحُمَيْدٍ) بن أبي حميد الطويل، قيل له (4): الطويل؛ لقصره، قال الأصمعي (5): رأيته لم يكن طويلًا، لكن كان طويل اليدين. قيل: إنما سمع ثابتًا.
(1) رواه مسلم (527).
(2)
في (ص): كتبته عني.
(3)
"ميزان الاعتدال" 4/ 200.
(4)
من (م).
(5)
انظر: "سير أعلام النبلاء" 6/ 164.
(عَنْ أَنَسٍ) بن مالك، والصحيح أنه سمع منه عن أنس بن مالك (أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيتِ المَقْدِسِ) فيه لغتان مشهورتان، إحداهما فتح الميم وإسكان القاف، والثانية ضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المكسورة، ويقال فيه أيضًا: إيلياء وإلياء، وأصل القدس والتقديس من التطهير، فظاهر الأحاديث تدل على أن المراد بهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس وكان أصحابه يصلون نحو بيت المقدس لا أنهم كانوا مقتدين به، ويوضح هذا رواية الدارقطني عن البراء قال: صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة ستة عشر نحو بيت المقدس، ثم علم الله هوى نبيه فنزلت {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} (1) الآية (2). فبين في هذِه الرواية أن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت بالمدينة وأنها ستة عشر شهرًا بغير شك (فَلَمَا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي: ناحية الكعبة، وعن ابن مسعود: تلقاء المسجد الحرام (3).
وقد يترجح بهذا الحديث ما رواه القرطبي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"البيت قبلة أهل المسجد، والمسجد قبلة أهل الحرم، والحرم قبلة أهل الأرض مشارقها ومغاربها من أمتي"(4)(فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ) بكسر اللام بطن من الأنصار من الخزرج قيل هو عباد بن نهيك الأنصاري (فَنَادَاهُمْ وَهُمْ
(1) البقرة: 144.
(2)
"سنن الدارقطني" 1/ 273.
(3)
و (4)"تفسير القرطبي" 2/ 159.
رُكُوعٌ) قال الكرماني: يحتمل أن يراد به (1) حقيقة الركوع وأن يراد به الصلاة، وهو من إطلاق الجزء وإرادة (2) الكل (3)(فِي صلَاةِ الفَجْرِ) كذا لمسلم (4) كما سماها الله تعالى، وفي الصحيح تسميتها صلاة الغداة (5). وفي (6) "صحيح البخاري" عن ابن عمر: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ (7). ولا يعارض هذا ما رواه البخاري من حديث البراء: فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجل ثم خرج بعدما صلى، فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر نَحْوَ بيت المقدس، فقال هو: يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه توجه نحو الكعبة (8)؛ لأن هذا الخبر وصل إلى قوم كانوا يصلون في نفس المدينة في غير مسجد قباء (9) في صلاة العصر، ثم وصل إلى قباء في صبح يوم الثاني؛ لأنهم كانوا خارجين من المدينة؛ لأن قباء من جملة سوادها (أَلَا إِنَّ القِبْلَةَ قَدْ تحولت إِلَى الكَعْبَةِ) زاد مسلم قبل هذا بلفظ: وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة (10).
(1) من (ل، م).
(2)
طمس في الأصل.
(3)
"شرح البخاري" للكرماني 1/ 165.
(4)
"صحيح مسلم"(527)(15).
(5)
في (ص): الظلمة.
(6)
طمس في الأصل.
(7)
"صحيح البخاري"(403).
(8)
"صحيح البخاري"(399).
(9)
في (ص، س، ل): مسجدها.
(10)
"صحيح مسلم"(527)(15).
(مَرَّتَيْنِ) أي: ناداهم مرتين كل مرة: ألا إن القبلة قد حولت (فَمَالوا كمَا هُمْ رُكُوعٌ إِلَى الكَعْبَةِ) استدل به على أن القرآن ناسخ للسنة، وعلى قبول خبر الواحد، ولم يسلم؛ لأن خبر الواحد احتفت به قرائن؛ لأنهم كانوا متوقعين تحويل القبلة، ولأنه حلف لهم فصدقوه وغير ذلك واستدل به على فضيلة الانتقال من عبادة إلى أفضل منها، وعلى جواز النسخ [ولأنه لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه؛ لأنهم صلوا إلى بيت المقدس بعد النسخ](1) ركعة، وعلى أن الصلاة الواحدة تجوز إلى جهتين بدليلين؛ فيؤخذ منه أن من صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم تغير اجتهاده فظن القبلة في جهة أخرى يتحول إليها ويبنى على ما مضى، حتى لو صلى الظهر إلى الجهات الأربع كل ركعة إلى جهة بالاجتهاد أجزأه، والله تعالى أعلم.
ويتلوه إن شاء الله تعالى باب تفريع أبواب الجمعة.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
فرغ من كتابته في السادس والعشرين من شهر ذي الحجة سنة ثمانمائة وستة وأربعين، آخر الجزء الثاني من أجزاء المصنف رحمه الله وهو أحد عشر مجلدًا.
* * *
(1) من (ل، م).