الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
207 - باب صلاةِ الرَّجُل التَّطَوُّعَ في بَيْتِهِ
1043 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يحيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاتِكُمْ وَلا تَتَّخِذُوها قُبُورًا"(1).
1044 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمان بْن بِلالٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ أَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:"صَلاةُ المَرْءِ فِي بَيتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهِ فِي مَسْجِدِي هذا إِلَّا المَكْتُوبَةَ"(2).
* * *
باب صلَاةِ الرَّجُلِ التَّطَوُّعَ فيِ البيت
[1043]
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن سعيد القطان الحافظ.
(عَنْ عُبَيدِ الله) بالتصغير هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني.
(أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ) عبد الله (ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ) وللعلماء في معنى هذا الحديث قولان:
أحدهما: أنه ورد في صلاة النافلة؛ لأنها إذا كانت في البيت كانت أبعد من الرياء دون الفريضة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قد سن الصلاة في جماعة كما هو مقرر، وتكون "من" هنا زائدة على رأي الأخفش في
(1) رواه البخاري (432)، ومسلم (777).
(2)
رواه البخاري (731)، ومسلم (781).
زيادتها في الإثبات (1) كأنه قال: اجعلوا صلاتكم النافلة في بيوتكم، وهذا الوجه ذهب إليه البخاري؛ ولهذا بوب عليه: باب التطوع في البيت (2). ويدل على هذا ما رواه الطبري من حديث عبد الرحمن بن سابط، عن أبيه يرفعه:"نوروا بيوتكم بذكر الله وأكثروا فيها تلاوة القرآن ولا تتخذوها قبورًا كما اتخذها اليهود والنصارى، فإن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتسع على أهله ويكثر خيره وتحضره الملائكة وتدحض عنه الشياطين، وإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يضيق على أهله ويقل خيره وتنفر منه الملائكة وتحضر فيه الشياطين"(3).
والمراد بقراءة القرآن في هذا الحديث القراءة في الصلاة.
وقد روي عن جماعة من السلف أنهم كانوا لا يتطوعون في المسجد منهم: حذيفة (4)، والسائب بن يزيد (5)، والنخعي (6)، والربيع بن خثيم (7)(8)، وسويد بن غفلة (9)(10).
والثاني: أنه ورد في صلاة الفريضة ليقتدي به من لا يستطيع الخروج
(1) في (س): الإتيان.
(2)
"صحيح البخاري" قبل حديث (1187).
(3)
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس"(6725) من حديث أبي هريرة بنحوه.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 4/ 381 (6424).
(5)
السابق (6423).
(6)
السابق (6425).
(7)
في (ص): خيثمة.
(8)
رواه عبد الرزاق 3/ 71 (4840)، وابن أبي شيبة 4/ 381 (6426).
(9)
في (ص): علقمة.
(10)
رواه ابن أبي شيبة 4/ 382 (6429).
إلى المسجد ممن يلزمه تعليمهم وتكون "من" على هذا للتبعيض، ومن صلى في بيته جماعة فقد أصاب سنة الجماعة، وروى حماد، عن إبراهيم قال: إذا صلى الرجل مع الرجل فهما (1) جماعة فلهما التضعيف خمسًا وعشرين درجة (2). وروي أن أحمد بن حنبل وإسحاق وعلي بن المديني اجتمعوا في دار أحمد فسمعوا النداء، فقال أحدهم: اخرجوا (3) بنا إلى المسجد. فقال أحمد: خروجنا (4) إنما هو للجماعة ونحن في جماعة. فأقاموا الصلاة وصلوا في البيت (5).
(وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا) أي: كالقبور.
قال ابن بطال (6) وغيره: هذا من التمثيل البديع، فقد شبه صلى الله عليه وسلم البيت الذي لا يصلى فيه بالقبر الذي لا يمكن الميت فيه صلاة ولا عبادة، وشبه من لم يصل في بيته ونام ليله كله بالميت الذي انقطع منه فعل الخير، وبوب عليه البخاري: باب كراهة الصلاة فى المقابر (7). وهو استنباط حسن لكن اعترض الإسماعيلي عليه فقال: الحديث دال على النهي عن الصلاة في القبر لا في المقابر (8)، وكذلك اعترض ابن التين (9)
(1) في (ص): فهذا. وفي (ل، م): فيها.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(8904).
(3)
في (س، ل، م): اخرج.
(4)
في (م): خروجًا.
(5)
انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 177 - 178.
(6)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 176.
(7)
"صحيح البخاري" قبل حديث (432).
(8)
انظر: "فتح الباري" 1/ 529.
(9)
السابق.
أيضا فقال: تأول البخاري هذا في المنع من الصلاة في المقابر وليس في هذا الحديث ما يؤخذ منه ذلك ورد عليه هذا التأويل وقد تأوله جماعة على خلاف هذا، فتأولوا (1) الحديث على أنه عليه الصلاة والسلام ندب إلى الصلاة في البيوت كما في أول الحديث؛ إذ الموتى لا يصلون في قبورهم [يقال: لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في قبورهم] (2).
وأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك.
وبنحوه ذكره ابن المنير، قالوا: وقوله: "لا تتخذوها قبورًا" أي: لا تكونوا فيها كالأموات في القبور انقطعت منهم الأعمال وارتفعت عنهم التكاليف، وهو غير متعرض (3) لصلاة الأحياء على ظواهر القبور، ولهذا قال:"ولا تتخذوها قبورًا" ولم يقل: ولا تتخذوها مقابر لأن القبر هو الحفرة التي يستر فيها الميت والمقبرة اسم للمكان المشتمل على الحفرة.
قال ابن المنذر (4): احتج من كره الصلاة في المقابر بهذا الحديث، فإنه دال على أن المقبرة ليست تصلح للصلاة (5).
[1044]
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) المصري الطبري الحافظ شيخ البخاري (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ) أبو محمد الفهري، مولاهم، أحد
(1) في (ص): فقالوا.
(2)
من (س، ل، م).
(3)
في (ص): معرض.
(4)
في (ص): المنير.
(5)
انظر: "الأوسط" 2/ 309.
الأعلام (أَخْبَرَنا سُلَيمَانُ بْنُ بِلَالِ) القرشي التيمي مولى عبد الله بن أبي عتيق (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي النَّضْرِ) سالم بن بردان (1) التيمي ذكره ابن حبان في "الثقات"(2)(عَنْ أَبِيهِ) أبي النضر سالم بن أبي أمية المدني.
(عَنْ بُسْرِ) بضم الموحدة وسكون المهملة.
(بْنِ سَعِيدٍ) مولى ابن الحضرمي، من أهل المدينة، من التابعين الثقات المتعبدين كان ينزل في دار الحضارمة (3) من جديلة فنسب إليهم، مات سنة مائة.
(عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) بن الضحاك من بني سلمة، ثم من بني غنم (4) بن مالك بن النجار، كاتب النبي صلى الله عليه وسلم، كان له حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة (5) إحدى عشر سنة وكان له يوم بعاث ست سنين، وفيها قتل أبوه، واستصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فيمن استصغر فلم يشهد بدرًا، ثم شهد أحدًا وما بعدها من المشاهد، أحد فقهاء الصحابة القائم بالفرائض، وهو أحد من جمع القرآن وكتبه في خلافة أبي بكر ونقله من الصحف (6) في زمن عثمان (7).
(1) في (ص): دار.
(2)
8/ 56.
(3)
في (ص، س): الحضر أمه.
(4)
في (ص، س): تميم.
(5)
من (ل، م).
(6)
في (م): المصحف.
(7)
انظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 3/ 1151 (1008)، "أسد الغابة" 2/ 278 - 279.
(قَال: صَلاةُ المَرْءِ فِي بَيتِهِ) وللنسائي قبل هذا زيادة في أول الحديث، ولفظه: عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليالي حتى اجتمع إليه الناس، ثم فقدوا صوته ليلة فظنوا أنه نائم فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم، فقال:"مازال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته"(1) لكن ليس (في مسجدي) كما هنا، ولم يذكر الترمذي (2) مسجدي ولا اتخاذ الحجرة وما بعده.
وكذا جاء ذكره وصلاة الليل في الصحيحين وبوب عليه البخاري باب صلاة الليل (3)، وبوب عليه في "الأدب": باب (4) ما يجوز من (5) الغضب لأمر الله (6) وكذا ذكره في الاعتصام (7)، والمراد بالمرء جنس الرجال، فلا يرد استثناء النساء لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تمنعوهن المساجد، وبيوتهن خير لهن"(8)(9).
ولا تختص فضيلة النافلة بالبيت الذي يملكه بل تحصل الفضيلة في
(1)"سنن النسائي" 3/ 197.
(2)
"سنن الترمذي"(450).
(3)
"صحيح البخاري"(731).
(4)
زاد في (س، ل، م): أخرجه مسلم.
(5)
زاد في (س، ل، م): أخرجه مسلم.
(6)
"صحيح البخاري"(6113).
(7)
"صحيح البخاري"(7290).
(8)
سبق برقم (567).
(9)
زاد في (س، ل، م): أخرجه مسلم.
بيته وكل بيت هو حاضر فيه وقت الصلاة وكان حضوره فيه مباحًا احترازًا من البيت المغصوب ونحوه.
قال القاضي أبو الطيب في "البدر": لو أخفى صلاته النفل في المسجد كان أفضل من صلاته في البيت؛ لأن القصد من فضيلة (1) الصلاة في البيت كونها أخفى وأبعد من الرياء وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة وتنتفى منه الشياطين، فإذا حصلت هذِه المقاصد في بيته وبيت غيره وفي المسجد حصل المقصود، لكن تبقى زيادة فضيلة المسجد خصوصًا مسجد مكة والمدينة المشرفة.
قال في "الكفاية": وكلام القاضي أبو الطيب يدل على أن فعل الرواتب في المسجد أفضل، ويدخل في صلاة المرء في بيته جميع النوافل لشمول اللفظ، لكنه محمول على ما لا تشرع فيه الجماعة كالعيدين والكسوفين والاستسقاء والتراويح وغير ذلك، وكذا ما لا يختص بالمسجد كركعتي التحية، كذا قال بعض الشافعية. ويحتمل (2) أن يراد بالصلاة ما يشرع في البيت وفي المسجد معًا، فلا تدخل تحية المسجد فإنها (3) لا تشرع في البيت، ويستثنى أيضًا من النوافل ركعتا الطواف فإن الأفضل فعلهما في المسجد كما هو معروف في بابه ومنها ركعتا الإحرام. قال النووي في (4) زوائده [في "الروضة" في](5)
(1) من (س، ل، م).
(2)
سقط من (م).
(3)
في (م): لأنها.
(4)
في (م): من.
(5)
من (ل، م).
الكلام على ركعتي الطواف (1): قال أصحابنا: إذا كان في الميقات مسجد يستحب أن يصليهما (2) فيه (3).
قال الإسنوي بعد نقله: وإن كان القياس يقتضي استحبابهما في البيوت والأخبية. ومنها النافلة يوم الجمعة كما نقله الجرجاني في "الشافي" عن الأصحاب، ذكره بعد صلاة الخوف، ونصه قال أصحابنا: إلا النافلة ففعلها في الجامع أفضل لفضيلة البكور.
(أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتهِ فِي مَسْجِدِي هذا) وبمقتضى هذِه الرواية صرح النووي في "شرح المهذب" في باب استقبال (4) القبلة فقال: صلاة النفل في بيته أفضل منها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (5).
وروى ابن القاسم عن مالك رحمه الله أن التنفل في البيوت أحب إليَّ من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا للغرباء (6).
وإذا كانت النافلة في البيت أفضل من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فبالأولى أن تكون أفضل من الصلاة في مسجد بيت المقدس، وقد يستثنى فيه الغرباء كالإمام (7) مالك كما استثنى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ورواية الصحيحين: "فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا
(1) في (ل، م): الإحرام.
(2)
في (س، ل، م): يصليها.
(3)
"روضة الطالبين" 3/ 72.
(4)
من (ل، م).
(5)
"المجموع" 3/ 197.
(6)
انظر: "الاستذكار" 5/ 164.
(7)
في (م): للإمام.
المكتوبة" (1). شاملة لمسجد مكة شرفها الله تعالى أيضًا؛ لأن العلة موجودة فيه وهو (2) إخفاء الصلاة والبعد من الرياء، وكذا القاعدة الكلية التي ذكرها أصحابنا أن المحافظة على فضيلة متعلقة بنفس العبادة أفضل من المحافظة على فضيلة متعلقة بالمكان؛ فإن الإخفاء في النوافل والبعد من الرياء فضيلة متعلقة بنفس الصلاة والصلاة في الكعبة فضيلة متعلقة بمكان الصلاة.
(إِلَّا المَكْتُوبَةَ) يعني: المكتوبات الخمس، قال العلامة ابن حجر: يحتمل أن يكون المراد بالمكتوبة ما تشرع فيه الجماعة، يعني: كالعيد والخسوف والكسوف والاستسقاء والتراويح كما تقدم، وفيه نظر، فإن الإسنوي وغيره [من الأصحاب أسقطوا من النوافل الصلاة المجهورة (3) كالعيد وغيره، يعني: وغيره](4) مما تشرع فيه الجماعة وهل يدخل في المكتوبة ما وجب بعارض (5) كالمنذورة (6).
قال في "التتمة": فيه تردد. وقال بعض مشايخنا: الظاهر بناؤها على أن المنذور يسلك به مسلك واجب الشرع أو جائزه.
* * *
(1)"صحيح البخاري"(731)، و"صحيح مسلم"(781)(213).
(2)
من (م).
(3)
في (ل): المشهودة.
(4)
من (ل، م).
(5)
في (م): لعارض.
(6)
"فتح الباري" 2/ 252.