الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كأصحاب الكتب الستة، وابن خزيمة في "صحيحه"، وابن الجارود في "المنتقى" وغيرهم.
بل إني أقول: إنه هو الأوفق للشرع، والمتجاوب مع أمره صلى الله عليه وسلم: "يسروا، ولا تعسروا
…
"، متفق عليه، وهو مخرج في "الصحيحة" (1151).
تقويمي لكتاب "زوائد الموارد
"
وإذا كان من المعروف عند أهل العلم أن للفرع حكم الأصل إيمانًا وكفرًا، وصحة وضعفًا ما لم يعرض للفرع عارض يخرجه عن أصله، ويلحقه بنقيضه، كما يشير إلى ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما من مولود إلَاّ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه، كما تنتجون البهيمة، هل تجدون فيها من جدعاء؟! حتى تكونوا أنتم تجدعونها"، متفق عليه، واللفظ للبخاري "الإرواء"(5/ 49 - 50).
فلقد تكلّم علماؤنا رحمهم الله في "صحيح ابن حبان" في كتب "المصطلح" وغيرها كثير، كلٌّ حسب بحثه واجتهاده، وتوسع في ذلك بعض المتأخرين والمبالغين في تقديره وتبجيله، وبخاصة منهم العلامة الفاضل الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى -، ولذلك فإني سوف لا أُثقل على المقدمة ببسط أقوالهم في ذلك ومناقشتها؛ فإن ذلك يتطلب مني فراغًا ووقتًا وتأليفًا لكتاب خاص في الموضوع، الأمر الذي لا أستطيعه، وأنا في صددها، والكتاب تحت الطبع.
ولذلك؛ فإني سألخّص أقوالهم بقدر ما يمكنني من التلخيص، ثم أتوجه لبيان ما هو المختار والمصطفى عندي دون أن أقلد في ذلك أحدًا، أو أداريه، أو أن أُوخذَ بسيف الرهبة، أو المفاخرة، أو المصلحة التجارية؛ كما بدا لي أن بعض المعاصرين لي فعله!
وابتداءً أقول:
لست بحاجة إلى أن أنمِّق كلمات في الثناء على حافظنا (محمد بن حِبّان البستي)؛ فإنه - والحمد لله - من المتفق عليه بين العلماء والحفاظ على إجلاله، واحترامه، وحفظه، وثقته، ونبوغه، ويكفينا في ذلك قول الحافظ الذهبي المشهود له بالحفظ، والنقد، والمعرفة بمقادير الرجال ومنازلهم، لا تأخذه في ذلك لومة لائم أَنَّه:
"الحافظ، الإمام، العلامة
…
الثقة في نقله
…
" (انظر "تذكرة الحفاظ" (3/ 290)، "المغني" (564/ 5378) - وغيرهما -).
ذلك لأن بحثي ليس في شخصه، وإنما هو في كتابه "التقاسيم والأنواع" الذي منه كتابنا "موارد الظمآن"؛ حتى أتمكّن من تحقيق ما قصدت إليه من (التقويم) المشار إليه، فأقول:
أولًا: لقد صنفه بعض الحفاظ في المرتبة الثالثة من بين الكتب التي التزم مؤلفوها الصحة، فقالوا:
1 -
"الصحيحان".
2 -
"صحيح ابن خزيمة".
3 -
"صحيح ابن حبان"، انظر مقدمة الشيخ أحمد شاكر عليه (1/ 11 - 14).
وقال الحافظ ابن كثير - فيه، وفي "صحيح ابن خزيمة" -:
"هما خير من "المستدرك" بكثير، وأنظف أسانيدَ ومتونًا": "اختصار علوم الحديث"(1/ 109 "الباعث الحثيث").
ثانيًا: وصفه بعضهم بالتساهل في التوثيق والتصحيح، وقرنوه في ذلك أو كادوا بالحاكم، فقال الحافظ ابن الصلاح في "المقدمة"، والعراقي في شرحه
عليه (ص 18 - حلب):
"إنه يقارب الحاكم في التساهل، لكن هذا أشد تساهلًا منه".
وقال الحافظ ابن عبد الهادي تلميذ ابن تيمية في صدد رده على السبكي تقويته لحديث في الزيارة النبوية في إسناده من وثقه ابن حبان:
"ليس فيه ما يقتضي صحة الحديث الذي رواه، ولا قوته، وقد عُلم أن ابن حبان ذكر في هذا الكتاب الذي جمعه في الثقات عددًا كثيرًا، وخلقًا عظيمًا من المجهولين الذين لا يعرف هو - ولا غيره - أحوالهم، وقد صرح ابن حبان بذلك في غير موضع من هذا الكتاب
…
" (1).
ثالثًا: نقل الحافظ الذهبي عن الإمام أبي عمرو بن الصلاح أنه قال في ابن حبان:
"غلط الغلط الفاحش في تصرفه".
فعقب عليه الذهبي بقوله:
"وصدق أبو عمرو، وله أوهام كثيرة، تتبع بعضها الحافظ ضياء الدين".
وأقره الحافظ ابن حجر في "اللسان"(5/ 113).
وذكر الذهبي في ترجمته من "سير أعلام النبلاء"(16/ 97): "أن في "تقاسيمه" من الأقوال، والتأويلات البعيدة، والأحاديث المنكرة: عجائب"(2).
(1)"الصارم المنكي"(ص 92 - 93). ونحوه في مقدمة "لسان الميزان" لابن حجر (1/ 14 - 15).
(2)
قلت: علق عليه الشيخ شعيب بما يدل على أنه لم يفهم مراد ابن عبد الهادي، أو أنه لواه، وصرفه عما قصد إليه؛ لأنه إنما يعني منهج ابن حبان في كتابه، وليس "ما يخطئ فيه البشر، وما لا يخلو منه عالم محقق"! كما زعم! وهو - على كل حال - تحوير منه لقول الشيخ أحمد رحمه الله الآتي بيان ما فيه قريبًا - إن شاء الله -.
إذا عرف ما ذكرت؛ فإني أرى أنه لا منافاة بين الاجتهادات والأقوال المذكورة، وذلك بعد ممارستي - والحمد لله - لهذا العلم الشريف، والتزامي لقواعده التي وضعها أساطين الحفاظ والعلماء، واستعانتي بهم على تطبيق الجزئيّات على الكليات، والفروع على الأصول، واستفادتي من تجارِبهم وممارستهم إياه أكثر من نصف قرن من الزمان، فأقول:
أولًا: هو بحق - كما ذكروا - في المرتبة الثالثة بعد "الصحيحين"، وذلك لغزارة مادته، وكثرة أحاديثه التي بلغ عددها نحو (7500)(1)، والأحاديث التي انتقدتها منه بواسطة "الموارد" لا تبلغ الأربع مئة - فيما يبدو - حتى الآن؛ لأننا لم ننته بعد من تصحيح تجارب "الضعيف" منه؛ أي: بنسبة خمسة في المئة تقريبًا، لكن ينبغي أن لا ننسى أن النسبة يمكن أن ترتفع؛ لأن قسمًا كبيرًا من "الصحيح" لم نورده في "الضعيف" لمتابعات وشواهد قويناه بها؛ وإلَاّ فهي ضعيفة الأسانيد، كما سيأتي التنبيه على ذلك - إن شاء الله تعالى -.
ثانيًا: هو متساهل في التوثيق والتصحيح دون ما شك أو ريب، وهو مما سيأتي تفصيل القول فيه - بإذنه - تعالى -.
ثالثًا: الأحاديث المنكرة فيه، يلتقي تمامًا مع ما قبله، وبخاصة إذا فُسَّرَ الحديث المنكر بما تفرد به الضعيف، سواءً خالف أو لم يخالف - كما هو مذهب أحمد وغيره -.
والذي يهمني في هذه المقدمة؛ إنما هو تحقيق القول في تساهله المذكور، وتقويم مصدريه، إلَاّ وهما كتاباه "الثقات"، و"الصحيح"؛ لأنه عليهما قام كتاب "موارد الظمآن"، فأقول:
(1) وهو - على التحديد؛ كما في طبعة المؤسسة -: (7491)؛ وهو - في طبعة دار الكتب العلمية/ بيروت -: (7448).
والأول أدق، وأصح، وأوثق.