الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوثيق عند الجمهور، وربما يذكر فيه من أدخله في "الضعفاء" إما سهوًا أو غير ذلك، ونحوه تخريج الحاكم في "مستدركه" لجماعة، وحكمه على الأسانيد الذين هم فيها بالصحة؛ مع ذكره إياهم في "الضعفاء"، وقطع بترك الرواية عنهم، والمنع من الاحتجاج بهم؛ لأنه ثبت عنده جرحهم".
وفي الختام أوجه إلى الأخ الداراني السؤال التالي:
لقد اتفق علماء الحديث على اشتراط الحفظ في الراوي، علاوةً على عدالته؛ خلافًا لابن حبان - كما تقدم تحقيقه -، فما موقفك من هذا الشرط؟
فإن قلت به - كما يقتضيه حسن الظن بك -؛ انهار كل ما سودته في تعليقاتك وتصحيحاتك؛ على أنها منهارة!
وإن كانت الأخرى - لا قدّر الله -؛ سقط الكلام معك، وتجلى عنادك وتكبرك على الحق، وخالفت سبيل المؤمنين؛ بل وحديث سيد المرسلين القائل:"الكبر بَطْرُ الحقِّ، وغمط الناس"، وهو تمام قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"!
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} .
سؤال وجوابه:
وهنا سؤال يطرح نفسه - كما يقولون اليوم -:
إذا كان الأمر كما تبين من تساهل ابن حبان في التوثيق؛ فما موقف المرء إذا وقف على راوٍ وثقه ابن حبان؟
وجوابي عليه كالتالي:
الناس في هذا العلم وغيره على ثلاثة أنواع:
1 -
عالم مجتهد.
2 -
طالب متبع.
3 -
جاهل مقلد.
فالأول: يجتهد فيما اختلف فيه الناس؛ لأنه باستطاعته أن يعرف صوابه من خطئه.
والثاني: يتبع من يثق بعلمه وتقواه وصلاحه، ويحاول أن يتعرف به على الصواب؛ لِيكون على بصيرة من دينه، ولا يتنطع ويدعي العلم؛ كما فعل الداراني وغيره!!
والثالث: يقلد العالِم، ويحاول أن يكون من النوع الثاني، وهذا كمبدإ عام؛ وإلا فمثله لا يحتاج أن يسأل مثل هذا السؤال الذي يترتب عليه تصحيح الحديث أو تضعيفه؛ كما هو ظاهر.
وإن من أولئك العلماء الذين لهم قدم راسخة في هذا المجال: العلامة المحقق عبد الرحمن المعلّمي اليماني رحمه الله، وقد قسم توثيق ابن حبان إلى خمس درجات، فقال في كتابه القيِّم "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل"؛ بعد أن حقق في غير موضع منه القول في التساهل (1/ 437 - 438 - مكتبة المعارف):
"والتحقيق أن توثيقه على درجات:
الأولى: أن يصرح به، كأن يقول: كان متقنًا، أو مستقيم الحديث، أو نحو ذلك.
الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم.
الثالثة: أن يكون معروفًا بكثرة الحديث؛ بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.
الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف ذاك الرجل معرفة جيدة.
الخامسة: ما دون ذلك.
فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة؛ بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم.
والثانية: قريب منها.
والثالثة: مقبولة.
والرابعة: صالحة.
والخامسة: لا يُؤمن فيها الخلل، واللَّه أعلم".
وقد كنت أثنيت عليه ببعض ما يستحقه من الثناء على علمه وفضله في التعليق عليه، فقلت في التعليق عليه:
"قلت: هذا تفصيل دقيق يدل على معرفة المؤلف - رحمه اللَّه تعالى -، وتمكنه من علم الجرح والتعديل، وهو مما لم أره لغيره، فجزاه اللَّه خيرًا
…
".
غير أن مؤلف كتاب "رواة الحديث
…
" من الطلاب المعاصرين لم يَرُقْ له التفصيل المذكور، ولا الثناء المزبور، فغمز منهما بقوله (ص 69، 71):
"فيه نظر"!
ثم عقب عليه بثلاث صفحات بتقسيم المترجمين في "الثقات" إلى قسمين، والقسم الثاني إلى صنفين، ثم عدد كل صنف، ونوعية ألفاظه، وقال في تضاعيف ذلك:
"ولذلك؛ فإنني أرى أن هذه الإطلاقات من فضيلة الشيخ اليماني رحمه الله عامة، وعائمة!
وما ذكره فضيلة الشيخ الألباني من أن كلام الشيخ المعلمي (تفصيل دقيق) غير دقيق! ولا يفيد في التحقيق العلمي شيئًا"!
ثم ختم كلامه بأن جعل الرواة الذين ترجمهم ابن حبان ساكتًا عليهم على ثلاث درجات:
1 -
فمنهم الثقات وأهل الصدق.
2 -
ومنهم رواة مرتبة الاعتبار.
3 -
ومنهم الرواة الذين لا تنطبق عليهم شروط ابن حبان النقدية في القبول، وهؤلاء ذكرهم للمعرفة، واللَّه أعلم"!
قلت: هذا كلامه، وهو وإن كان لا يخلو من تحقيق ودراسة مفيدة - والحق يقال -؛ لكن ليس فيه ما يثبت نظرته المزعومة في الدرجات الخمس، ونفي فائدتها، ووصفه إياها بأنها (عامة وعائمة)! وليت شعري ما الفرق بينها وبين درجاته الثلاث التي ختم بها بحثه من حيث وصفه المذكور؟! إنَّ أخشى ما أخشاه أن يكون غلب عليه شؤم المعاصرة، وحب التفوق، والظهور بعدم الاعتراف بالفضل لذوي الفضل بحثًا وعملًا، لا لفظًا ومسايرةً! واللَّه عز وجل يقول:{وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} .
وخلاصة جوابي عن السؤال: أنه يمكن للعالم أو طالب العلم أن يعتمد ابتداءً على من كان في "الثقات" من الدرجة الأولى والثانية عند الشيخ اليماني؛ دون البحث فيهم؛ إلَّا إذا كان هناك مخالف له من الحفاظ والنقاد المعروفين، وبخاصة إذا كانوا أقعد منه في علم الجرح والتعديل، والتوقف عن الاحتجاج بما بعدهما من الدرجات الثلاث إلَّا بعد البحث والنظر في القرائن التي تساعد على تبني أحد طرفي القبول أو الرد، مثل كثرة الرواة عنه، أو كونه من طبقة