الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
2223 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي إِلَى يَومِ القِيَامَةِ، فَهِيَ نائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِلْبُخَارِيِّ أَقْصَرُ مِنْهُ. [م: 338، خ: 6304].
2224 -
[2] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إِنِّي اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ،
ــ
وإن العبد ليدعو وهو يبغضه فيقول: يا جبرئيل اقض لعبدي حاجته فإني أكره أن أسمع صوته، انتهى كلام القشيري (1).
الفصل الأول
2223 -
[1](أبو هريرة) قوله: (لكل نبي دعوة مستجابة) المفهوم من سياق الحديث: أنه جرت العادة الإلهية بأن يأذن كلَّ نبي بدعوة واحدة لأمته يستجيبها، فكل نبي دعا في الدنيا فاستجيب له، وإني سترت وأخرت دعوتي لأشفع أمتي يوم القيامة، فدعوتي تصيب في ذلك اليوم من مات على الإيمان.
وأما سائر دعوات الأنبياء فقيل: مستجابة كلها، وهذا محل توقُّفٍ بقوله صلى الله عليه وسلم:(سألت اللَّه ثلاثا فأعطاني اثنين، ومنعني واحدة)(2) وهي أن لا يذيق بعض أمته بأس بعض، واللَّه أعلم.
2224 -
[2](وعنه) قوله: (اللهم إني اتخذت عندك عهدًا لن تخلفنيه) المقصود
(1) انظر: "الرسالة القشيرية"(1/ 120).
(2)
أخرجه أحمد في "مسنده"(22082)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1218).
فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ: شَتَمْتُهُ لَعَنْتُهُ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْم الْقِيَامَة". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6361، م: 2609].
2225 -
[3] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يقُلْ: اللهُمَّ اغفِرْ لِيْ إِنْ شِئتَ، ارْحمْني إِنْ شِئْتَ، ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، وَلِيَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ، إِنَّه يفعلُ مَا يَشَاء وَلَا مُكْرِهَ لَهُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 7477].
ــ
المبالغة في الطلب والقبول وتحقيق الرجاء، كأنه عهد لا ينقض، ووعد لن يخلف، ولا يخيب الرجاء فيه.
وقوله: (فإنما أنا بشر) يعني: فأغضب نادرًا في بعض الأحيان بحكم البشرية التي أُبقيت في حصة منها لحكمة إلهية تقتضي ذلك.
وقوله: (آذيته: شتمته. . . إلخ)، يحتمل أن يكون كل من الأربعة مستقلة، وأن يكون الثلاثة الأخيرة تفصيلا للأولى، وذكرها بطريق التعداد، وذكر ما يقابلها بالعطف بقصد معارضة كل واحدة من تلك الأمور هذه الخصائلَ من غير قصد اللف والنشر، و (الصلاة) الرحمة، و (الزكاة) الطهارة والبركة، و (القربة) ما يتقرب به إلى اللَّه سبحانه، وهذه رأفته صلى الله عليه وسلم بالمسيء، فما حال المحسن، فالمراد من يستحق الأذية ومن لا يستحقها، وهذا أبلغ، ويحتمل أن يكون المراد من لا يستحق، واللَّه أعلم.
2225 -
[3](وعنه) قوله: (وليعزم مسألته) أي: ليطلبها جازمًا من غير شك وتردد.
وقوله: (إنه يفعل ما يشاء ولا مكره له) تعليل لترك ذكر المشيئة، يعني: أنه عبث، وهو في الحقيقة ثابت؛ فإنه سبحانه فاعل مختار يفعل ما يشاء، ويستجيب دعاءه إن شاء ويمنع إن شاء، ولكنه بفضله وكرمه وعد الاستجابة، فينبغي للعبد أن يتيقن بذلك، وبنور اليقين ينشرح الصدر ويتنور القلب، والشك والريب ظلمة.
2226 -
[4] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُل: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شيءٌ أَعْطَاهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2679].
2227 -
[5] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: "يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يُسْتَجَابُ لِي،
ــ
2226 -
[4](وعنه) قوله: (وليعظم الرغبة) ظاهره أنه تأكيد للعزم، وأما تعليله بقوله:(فإن اللَّه لا يتعاظمه شيء)[فإنه] يدل على أن المراد أن يكون مطلوبه عظيمًا، ولا يقصر همته في طلب المطالب العظيمة الجزيلة، فإن اللَّه تعالى عظيم يعطي من يشاء ما يشاء.
2227 -
[5](وعنه) قوله: (ما لم يستعجل) لمَّا فُهم من التقييد بالقيد الأول أنه يستجاب له في كل ما دعا إن لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، قيده ثانيًا:(ما لم يستعجل) فلا حاجة إلى تقدير عامل آخر -كما قال الطيبي- استقلالًا، أي: يستجاب ما لم يدع بإثم يستجاب له ما لم يستعجل (1)، ولا يكون الظاهر أن يجاء بالعاطف كما قاله أيضًا، نعم لو قال بالعطف لكان أظهر، فافهم.
وقوله: (فلم أر يستجاب لي) أي: فلم أر الاستجابة، فإنْ حُمل الرؤية على معنى العلم يكون المفعول الثاني محذوفًا، وإلا فلا حاجة إلى الحذف، ولعل هذا أولى؛ فإن الاقتصار على أحد مفعولي باب علمت كلامًا، والأكثر على عدم جوازه، وفي الحمل على معنى الإبصار مبالغة.
(1)"شرح الطيبي"(4/ 304).
فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعاءَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2735].
2228 -
[6] وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "دعوةُ الْمُسْلِم لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ،
ــ
وقوله: (فيستحسر) أي: ينقطع ويملّ عن الدعاء ورجاءِ القبول، يقال: استحسر، بمعنى: أعيا وتعب، ولا ينبغي للعبد ذلك، لأن الدعاء عبادة تأخير، والإجابة لها وقت عند اللَّه وعوض في الآخرة، وبدل في الدنيا، واللَّه تعالى قد يحبّ الإلحاح من العبد.
قال الشيخ ابن عطاء اللَّه في (الحكم): لا يَكُنْ تأخُّر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبًا ليأسك، فهو قد ضمن لك الإجابة فيما يختار لك، لا فيما تختار لنفسك، وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد.
وقال بعض العارفين: فائدة الدعاء إظهار الفاقة بين يدي الرب تعالى، وإلا فهو تعالى يفعل ما يشاء.
وقال سيدي أحمد زروق في (شرح كتاب الحكم): الدعاء عبودية اقترنت بسببٍ كاقتران الصلاة بوقتها، ورتِّب عليها وجود الإجابة كترتُّب الثواب عليها من غير تقييد وتعيُّن، ولا توقيت، وقع في الحديث:(ما من عبد إلا وهو بين إحدى ثلاث: إما أن يعجل له طلبه، وإما أن يدخر له ثوابها، وإما أن يصرف عنه من السوء بمثلها)، فالإجابة حاصلة غير منحصرةٍ في عين المطلوب ولا غيره، ولا مقيدة بوقت، وإنما جعل اللَّه الإجابة في مختاره لا في مختار العبد، لأن العبد جاهل بمصالحه، قد يظن الشر خيرًا، ولإبقاء سطوة الربوبية واستيفاء أحكام العبودية لئلا يأمن العبد من فوات الأرب فلا يَصْدقَ في وجود الطلب، وليتحقق اضطرار العبد بنفي اختياره فيكون في بساط القربة ملازمًا قرع الباب الذي هو فائدة الدعاء في الحقيقة.
2228 -
[6](أبو الدرداء) قوله: (بظهر الغيب) أي: غائبًا وفي السر، والظهر