الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
2646 -
[1] عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1726، م: 1301].
2647 -
[2] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ: إِنِّي قَصَّرْتُ مِنْ رَأْسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1730، م: 1326].
ــ
حرام عليهن، وقال النووي (1): يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج؛ ليقع الحلق في أكمل العبادتين، انتهى.
ووجه أفضلية الحلق: أن المقصر مبقٍ على نفسه الزينةَ من الشعر، والحاج مأمور بترك الزينة، ولأنه أدل على التذلل والانكسار للَّه تعالى، وأدنى التقصير أن يأخذ من رؤوس شعره مقدار الأنملة، ويكفي في الحلق عندنا حلق ربع الرأس اعتبارًا بالمسح، وحلق الكل أولى للسنة، ولم يثبت الحلق منه صلى الله عليه وسلم في غير الحج والعمرة، وفي حلق سائر شعور البدن كلام مذكور في موضعه، ولا كلام في أصل الجواز.
الفصل الأول
2646 -
[1](ابن عمر) قوله: (وأناس من أصحابه) لإدراك شرف متابعته وفضيلةِ الحلق التي بيَّنها بالدعاء للمحلقين مرات، (وقصر بعضهم) أخذًا بالرخصة بعد دعائه للمقصرين في المرة الآخرة بالتماسهم.
2647 -
[2](ابن عباس) قوله: (إني قصرت من رأس النبي صلى الله عليه وسلم) وجاء في رواية: (أنه صلى الله عليه وسلم قصَّر عن رأسه)، (بمشقص) وهو كمنبر: نصل عريض، أو سهم فيه ذلك، أو نصل طويل، أو سهم فيه ذلك، وقيل: المراد به الجلم بالجيم بفتحتين، وهو
(1)"شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 491).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذي يجز به الشعر والصوف وهو أشبه.
ثم اعلم: أن في هذا الحديث إشكالًا، وهو أنه لا يدرى أن تقصير رأسه صلى الله عليه وسلم الذي أخبر به معاوية كان في الحج أو في العمرة؟ ولا يصح الحمل على الأول، لأن الحلق والتقصير من الحاج يكون بمنى لا عند المروة، وقد ثبت حلق رأسه في الحج، فتعين أن يكون في العمرة.
ثم في أيّ عمرة من عُمَره كان؟ لا يجوز أن يكون في العمرة الحكمية التي كانت بالحديبية؛ لأنه حلق يومئذ بالحديبية ولم يدخل مكة، ولم يسلم معاوية يومئذ، ولا يصح أن يحمل على عمرة القضاء؛ لأنه قد ثبت عن أهل العلم بالسير أن معاوية إنما أسلم عام الفتح، نعم قد يُنقل عنه نفسه أنه كان يقول: أسلمت عام القضية، لكن الصحيح أنه أسلم عام الفتح، وفي هذا النقل وهن، أو يحمل على عمرة الجعرانة، وكان في ذي القعدة عام الفتح، وذلك أيضًا لا يصح؛ لأنه قد جاء في بعض ألفاظ الصحيح:(وذلك في حجته)، وفي رواية النسائي بإسناد صحيح:(وذلك في أيام العشر)، وهذا إنما يكون في حجة الوداع، كذا في (المواهب اللدنية)(1)، فتعين حمله على عمرة حجة الوداع، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يحل يومئذ ولا من كان معه هدي، وإنما أمر بحلِّ من لم يسق الهدي، نعم قد توهم بعض الناس أنه صلى الله عليه وسلم حجَّ متمتعًا، حلّ فيه من إحرامه، ثم أحرم يوم التروية بالحج مع سوق الهدي، وتمسكوا بهذا الحديث من معاوية، لكن الصواب أنه صلى الله عليه وسلم لم يحلّ يومئذ.
وقد قالوا: إن الصحابة رضي الله عنهم أنكروا هذا القول على معاوية وغلطوه فيه، كما أنكروا على ابن عمر رضي الله عنهما في قوله:(إن إحدى عمره صلى الله عليه وسلم كان في رجب)، وقالت
(1)"المواهب اللدنية"(4/ 451 - 453).
2648 -
[3] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "اللَّهُمَّ ارْحَم الْمُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:"اللَّهُمَّ ارْحَم الْمُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:"وَالْمُقَصِّرِينَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1727، م: 1301].
ــ
عائشة رضي الله عنها: (رحم اللَّه أبا عبد الرحمن، لم يعتمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عمرة إلا كان هو معه، ولم تكن عمرة في رجب)، فكأنه سها وأخطأ.
وقال الشيخ التُّوربِشْتِي (1): الوجه فيه أن نقول: نسي معاوية أنه كان في حجة الوداع، ولا يستبعد ذلك في من شغلته الشواغل ونازعته الدهور والأعصار في سمعه وبصره وذهنه، وكان قد جاوز الثمانين، وعاش بعد حجة الوداع خمسين سنة، انتهى. فحينئذ يحمل ذلك على عمرة الجعرانة، ويكون ذكر الحجة وأيام العشر سهوًا، واللَّه أعلم.
2648 -
[3](ابن عمر) قوله: (قال في حجة الوداع (2)) قد سبق الكلام فيه في قصة حجة الوداع أنه كان فيها أو في الحديبية، وفي الحجة إما في يوم الاعتمار أو يوم النحر.
وقوله: (والمقصرين) عطف على (المحلقين)، ويقال لهذا النوع من العطف: عطفًا تلقينيًّا، كأن المخاطَب يلقِّن المتكلم أن يعطف عليه، كأنهم قالوا: وضم واعطف يا رسول اللَّه المقصرين على المحلقين، وقل: اللهم ارحم المحلقين والمقصرين، ثلاث مرات أو مرتين، وفي هذه الرواية عن ابن عمر وقع مرتين.
(1)"كتاب الميسر"(2/ 621).
(2)
قال شيخنا في "التقرير": ومما يجب أن ينبه عليه أن لفظ "حجة الوداع" في رواية ابن عمر من سهو المصنف أو الكاتب، ليس في "المصابيح" ولا في المتفق عليه.
2649 -
[4] وَعَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ جَدَّتِهِ: أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، وَللْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً وَاحِدَةً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1303].
2650 -
[5] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ، فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى، وَنَحَرَ نُسُكَهُ، ثُمَّ دَعَا بِالْحَلَّاقِ،
ــ
2649 -
[4](يحيى بن الحصين) قوله: (وعن يحيى بن الحصين) بضم الحاء (عن جدته) أم الحصين.
وقوله: (دعا للمحلقين ثلاثًا) يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال: اللهم ارحم المحلقين ثلاثًا، وقال في الرابعة: والمقصرين، كما جاء في بعض الروايات، فيكون هذا الحديث موافقًا لتلك الرواية، ويحتمل أن يكون قد قال ذلك مرتين، ويكون ثالث دعائه للمحلقين في قوله:(والمقصرين) بدلالة العطف الدال على الاشتراك، فصح أنه دعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين واحدًا، فيكون موافقًا لحديث ابن عمر (1)، وما أحسن موقع لفظ (المقصرين) ههنا؛ لأنهم لتقصيرهم حرموا عن تكرار الدعاء، ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللَّه.
2650 -
[5](أنس) قوله: (نحر نسكه) أي: ذبائحه.
وقوله: (ثم دعا بالحلاق) اسمه في المشهور معمر بن عبد اللَّه بن نضلة العدوي، ويقال له: معمر بن أبي معمر، أسلم قديمًا، وهاجر إلى الحبشة، وتأخرت هجرته إلى المدينة، ثم هاجر إليها وسكنها، وهو معدود في أهل المدينة، وحديثه فيهم،
(1) ويمكن أن يوجه بما حققه النووي أن الدعاء صار مرتين: في الحديبية وفي حجة الوداع، قاله في "التقرير".
وَنَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ، فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَ الشِّقَّ الأَيْسَرَ، فَقَالَ:"احْلِقْ"، فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ:"اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 171، م: 1305].
ــ
وعند الإمام أحمد: أنه استدعى الحلاق فقال له وهو قائم على رأسه بالموسى ونظر في وجهه وقال له: (يا معمر! أَمْكَنك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من شحمة أذنه وفي يدك الموسى) قال: فقلت له: أي واللَّه يا رسول اللَّه، إن ذلك لمن نعم اللَّه عليّ ومَنِّه، قال:(أجل)، ذكره في (المواهب)(1).
قوله: (وناول الحالق شقه الأيمن) دليل على أن المعتبر يمين المحلوق، واعتبر بعضهم يمين الحالق، وفي إسناد القول ببداية الحلق من جانب الأيسر إلى الإمام أبي حنيفة نظر، فقد صرح في بعض شروح (الهداية) بخلاف ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله: (فحلقه) فإن قلت: ما النكتة في حذف الأمر بالحلق في الأول وذكره في الثاني مع ظاهر أن قياس العبارة يقتضي عكس ذلك، فإنَّ ذكر شيء في أول الكلام والاكتفاء به عن ذكره ثانيًا كثير متعارف في العبارات؟
قلت: لعله بادر إلى الحلق في جانب اليمين، واكتفى بمناولته صلى الله عليه وسلم رأسه إياه، ولم يحوجه إلى صريح الأمر، ووقع منه تأخير ثانيا بسبب من الأسباب في الشروع في الحلق، فأمره استعجالًا لاشتغال الهم بالذهاب إلى طواف الإفاضة، واللَّه أعلم.
وقوله: (ثم دعا أبا طلحة الأنصاري، فأعطاه إياه) وهو زوج أم سليم أم أنس ابن مالك، ولهذا وقع في بعض الروايات:(أعطى أم سليم).
(1)"المواهب اللدنية"(4/ 450).