الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
2323 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِيْنَ مرَّةً". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 6307].
2324 -
[2] وَعَنِ الأَعَرِّ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: . . . . .
ــ
الفصل الأول
2323 -
[1](أبو هريرة) قوله: (وأتوب إليه) زيادة هذا قد يسدُّ باب تأويل الحديث بأن الاستغفار منه صلى الله عليه وسلم كان لأمته كما سنذكره في الحديث الآتي، اللهم إلا أن يراد طلب التوبة لهم، إذ المراد المعنى اللغوي بالرجوع إلى اللَّه تعالى بتوفيق التوبة لهم وقبولها عنهم، واللَّه أعلم (1).
2324 -
[2] قوله: (وعن الأغر المزني) بفتح الهمزة وفتح الغين المعجمة وتشديد الراء.
(1) قال ابن الملك: توبته صلى الله عليه وسلم كل يوم سبعين مرة واستغفاره ليس لذنب؛ لأنه معصوم، بل لاعتقاد قصوره في العبودية عما يليق بحضرة ذي الجلال والإكرام، وحثٌّ للأمة على التوبة والاستغفار، فإنه صلى الله عليه وسلم مع كونه معصومًا، وكونه خير المخلوقات، إذا استغفر وتاب إلى ربه في كل يوم أكثر من سبعين مرةً فكيف بالمذنبين، والاستغفار طلب المغفرة بالمقال والفعال جميعًا، والمغفرة من اللَّه أن يصون العبد من أن يمسه عذاب. قال علي رضي الله عنه: كان في الأرض أمانان من عذاب اللَّه، فرفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به. أما المرفوع فرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأما الباقي منهما فالاستغفار قال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] أقول: إذا كان الاستغفار ينفع الكفار، فكيف لا يفيد المؤمنين الأبرار؟ وقيل: استغفاره صلى الله عليه وسلم من ذنوب الأمة فهو كالشفاعة لهم.
"إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2702].
ــ
وقوله: (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر اللَّه في اليوم مئة مرة) الغين: الغيم، وقيل: الغيم الرقيق، يقال: غِينتِ السماء تُغانُ: إذا أطبق عليها الغيم، ويقال: غين [على] كذا، أي: غُطِّي، وأغان الغينُ السماء، أي: ألبسها.
ولقد تحير العلماء في بيان معنى هذا الحديث وتأويله، وحق لهم أن يتحيروا ويتوقفوا في ذلك، فإنه لا مجال لأحد أن يعرف حقيقة القلب المصطفوي صلى الله عليه وسلم وما يطرأ عليه من الأحوال، وكل ما قيل فيه فقول بالظن والتخمين، اللهم إلا ما وقع في بواطن بعض المحققين من العارفين من نوره المبين، واللَّه أعلم.
وننقل من كلامهم ما ذكروا في ذلك، فقيل: إن ذلك كان بسبب أمته وما اطَّلع عليه من أحوالهم بعده، فكان يستغفر لهم، هكذا قالوا.
وقيل: إنه بسبب [ما] يشتغل من النظر في أمور أمته ومصالحهم ومحاربة الأعداء، حتى يرى أنه قد شغل بذلك -وإن كان [في] أعظم طاعة وأشرف عبادة- عن ملازمة عالي مقاماته ورفيع درجاته لتفرده بربه وخلوص قلبه وهمته عن كل شيء سواه، وكان يَعُدُّ ذلك ذنبًا فيستغفر منه كما قالوا: حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وقيل: قد يكون هذا الغين السكينةَ التي تغشى قلبه، واستغفاره إظهار للعبودية والافتقار، ويحتمل أن يكون حالة خشية وإعظام يغشى القلب، واستغفاره شكرًا للَّه وملازمة للعبودية، كما قال:(أفلا أكون عبدًا شكورًا) هذا حاصل ما ذكره القاضي عياض في (المشارق)(1).
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 237).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال بعض الصوفية: هذا غين الأنوار لا غين الأغيار، وهو إشارة إلى ما ذكره بعض العارفين من أنه كان يكشف على قلبه الشريف في كل ساعة من أنوار صفات الحق، وكان يترقى في كل آن في هذه التجليات ويَعُدُّ بعد الترقي إلى درجة الفوق ما تحتها بمثابة ذنب يستغفر منه، وهكذا حال قلبه صلى الله عليه وسلم دائما بل إلى أبد الآباد، وتلك الأنوار حجاب على الذات الأقدس الإلهي، وإليه الإشارة بقوله:(إن للَّه سبعين ألف حجاب من نور وظلمة).
وأرفع الكلام في هذا المقام ما قال الأصمعي حين سئل عن هذا الحديث فقال: عن قلب من تروي؟ فقال: عن قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لو كان عن قلب غيره لكنت أفسره لك.
قال الشيخ التُّورِبِشْتِي (1): وللَّه دره في انتهاجه منهج الأدب، وإجلاله القلبَ الذي جعله اللَّه موقع وحيه ومنزل تنزيله، ثم قال: ونحن نذهب في ذلك مذهبين:
أحدهما: أن نقول: لما كان قلب النبي صلى الله عليه وسلم أتمَّ القلوب صفاءً وأكثرها ضياءً وأعرفها عرفانًا، وكان معنيًّا مع ذلك بتشريع الملة وتأسيس السنة ميسِّرًا غير معسِّرٍ، لم يكن له بد من النزول إلى الرخص والالتفات إلى حظوظ النفس مع ما كان ممتحنًا به من أحكام البشرية، فكان إذا تعاطى شيئًا من ذلك أسرع كدورةٌ مّا إلى القلب لكمال رقته وفرط نورانيته؛ فإن الشيء كلّما كان أرقّ وأصفى كان ورود التأثيرات عليه أبين وأهدى، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أحسّ بشيء من ذلك عدّه على النفس ذنبًا فاستغفر منه، ولهذا المعنى كان استغفاره عند خروجه من الخلاء فيقول:(غفرانك).
(1)"كتاب الميسر"(2/ 539).
2325 -
[3] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِئَةَ مرَّةٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2702].
ــ
والآخر: أن نقول: إن اللَّه تعالى كما فناه عن العالمين أراد أن يبقيه لهم لينتفعوا به، وأنه صلى الله عليه وسلم لو تُرك وما هو عليه وفيه من الحضور والتجليات الإلهية لم يكن ليتفرغ لتعريف الجاحد وتعليم الجاهل، فاقتضت الحكمة الإلهية أن يرد إليهم الفينة بعد الفينة بنوع من الحَجْبة والاستتار ليكمل حظهم عنه، فيرى ذلك من سيئات حاله فيستغفر منه، هذا كلام التُّورِبِشْتِي. والوجه الأول راجع إلى ما ذكر سابقًا مع ما فيه من حسن التقرير، والوجه الثاني أيضًا موجَّهٌ، ومع ذلك القولُ قولُ الأصمعي، واللَّه أعلم.
2325 -
[3](عنه) قوله: (يا أيها الناس! توبوا) تلميح إلى قوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، فالتوبة واجبة على الناس كلّهم عامتهم وخاصتهم، ولكن توبة كل أحد على حسب حالهم.
وقال بعض العارفين: التائب أيضًا داخل في الجميع، فهو أيضًا مأمور بالتوبة، وليس لهم ذنوب يتوبون عنها لأنهم قد تابوا، فبقي أن يتوبوا عن التوبة، يعني: مِن ذكر الجفاء الذي يصحب التوبة؛ لأن التوبة لا تصح إلا بمعرفة الذنب، فهي تحتاج إلى ذكر الذنب، وذكر الجفاء في وقت الصفاء جفاء، فيتوب من ذكر التوبة التي هي سبب ذكر الذنب، وذلك لغاية حرصهم على الجمعية وصفاء الوقت مع اللَّه تعالى، كذا في (منازل السائرين)(1) وشرحه.
(1)(ص: 13).
2326 -
[4] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنِ اللَّهِ تبارك وتعالى أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطئون (1) بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي،
ــ
2326 -
[4](أبو ذر) قوله: (إني حرمت الظلم على نفسي) أي: سلبته عن نفسي، كناية عن تقدّسه وتنزّهه عنه.
وقوله: (كلّكم ضالّ إلا من هديته) يعني: أن الهداية لمن حصل إنما حصل من اللَّه لا من عند نفسه، وكذا المعنى في قوله:(إلا من أطعمته) و (إلا من كسوته)، فالكل من اللَّه تعالى، لكن الأول مخصوص ببعض العباد والآخَرَين يعمّ الكل، فلا يتوجه السؤال أنه ما معنى الاستثناء في قوله:(إلا من أطعمته) و (إلا من كسوته)؛ إذ ليس أحد من الناس محرومًا عنهما؟
وقال الطيبي (2): المراد بالإطعام والكسوة البسط في الرزق والإغناء، فافهم.
وقوله: (لن تبلغوا ضري) أي: بالمعصية، (ولن تبلغوا نفعي) أي: بالطاعة،
(1) بضم التاء وكسر الطاء، وفتحهما، وقيل: يجوز ضمهما تخفيفًا بحذف الهمزة، قاله القاري (4/ 1612).
(2)
"شرح الطيبي"(5/ 95).
يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانوُا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ. . . . .
ــ
والضر-بالفتح ويضم-: ضد النفع، أو بالفتح مصدر وبالضم اسم، كذا في (القاموس)(1)، وقال في (المشارق) (2): ومتى قرن بالنفع لم يُقل فيه إلا الضر بالضم.
وقوله: (كانوا على أتقى) أي: كانوا واقعين على تقوى أتقى قلبِ رجلٍ واحدٍ وعلى صفته في التقوى، أي: لو فرض قلب رجل منكم أتقى من الكل، وكان الكل على هذه الصفة.
وقوله: (ما زاد ذلك في ملكي شيئًا)(زاد) متعد و (شيئًا) مفعول به، وكذا (ما نقص ذلك من ملكي شيئًا).
وقوله: (في صعيد واحد) الصعيد: التراب، أو وجه الأرض، والطريق، كذا في (القاموس)(3)، والظاهر هنا المعنى الثاني، وفي اجتماع السائلين في مكان واحد وازدحامهم وإعطاء كل منهم مبالغة لا تخفى.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 399).
(2)
"مشارق الأنوار"(2/ 100).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 279).
الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيْهَا عَلَيْكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّه، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2577].
2327 -
[5] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أَلَهُ تَوْبَةٌ؟ قَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، وَجَعَلَ يَسْأَلُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا، فأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ،
ــ
و(المخيط) بكسر الميم وسكون المعجمة، وهذا قريب من قبيل المدح بما يشبه الذم؛ لأن نقص المخيط في حكم العدم.
وقوله: (إنما هي أعمالكم) تفسير للضمير المبهم، أي: جزاء أعمالكم، أو المراد نفس الأعمال، ويحذف المضاف من قوله:(أوفيكم إياها) أي: جزاءها، وهذا أحسن، أو هي راجع إلى الأعمال الصالحة والطالحة المفهوم من قوله:(أتقى) و (أفجر).
2327 -
[5](أبو سعيد الخدري) قوله: (ثم خرج يسأل) أي: يسأل الناس عن قبول توبة اللَّه أو مغفرته.
وقوله: (أله توبة؟ ) الضمير للقائل أو لفعله.
وقوله: (فأدركه الموت) أي: أماراته وسكراته.
وقوله: (فناء) على وزن قال بمعنى: نهض بجهد ومشقة، أو على وزن رمى بمعنى بَعُد، وقد روي في (المصابيح) بهما، والأول أوجه، وقيل: هما بمعنًى، كقولهم:
فَأَوْحَى اللَّه إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَإِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3470، م: 2766].
2328 -
[6] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّه بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2749].
2329 -
[7] وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ، لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ. . . . .
ــ
رأى وراء، كذا قال التُّورِبِشْتِي (1).
وقوله: (فأوحى اللَّه تعالى إلى هذه) أي: إلى القرية الصالحة التي توجه إليها (أن تقرّبي) أي: إلى الميت.
وقوله: (وإلى هذه) أي: القرية الظالمة التي هاجر منها.
وقوله: (فوجد إلى هذه) القرية التي توجه إليها.
وفي الحديث كمال مبالغة في سعة رحمة اللَّه وعدم اليأس منها.
2328 -
[6](أبو هريرة) قوله: (لو لم تذنبوا لذهب اللَّه بكم) الحديث. المقصد بيان عفو اللَّه ومغفرته للذنوب إظهارًا لمقتضى اسم العفو والغفار، وليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار، لا الحث على الذنوب وعدم الاحتفال بالذنوب؛ فإن اللَّه تعالى قد نهى عن الذنوب، وبعث الأنبياء ليردعوا عنها، فافهم وباللَّه التوفيق.
2329 -
[7](أبو موسى) قوله: (إن اللَّه يبسط يده) بسط اليد كناية عن التوسعة في الغفران وإظهار الكرم.
(1) انظر: "كتاب الميسر"(2/ 541).
وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2759].
2330 -
[8] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4141، م: 2770].
2331 -
[9] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2703].
2332 -
[10] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ (1) رَاحِلَتُهُ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ. . . . .
ــ
2330 -
[8](عائشة) قوله: (تاب اللَّه عليه) أي: رجع بالرحمة وقَبِلَ توبته.
2331 -
[9](أبو هريرة) قوله: (قبل أن تطلع الشمس من مغربها) وهو المراد من قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام: 158]، لكن الآية مختصة بعدم قبول الإيمان، والحديث يدل على عدم قبول التوبة مطلقًا سواء كان من الكفر أو من المعصية، وفيه خلاف بين العلماء، فتدبر.
2332 -
[10](أنس) قوله: (للَّه) مرفوع واللام للابتداء.
وقوله: (أشد فرحًا) أي: رضًا عن العبد بقبول توبته، والفرح من صفات اللَّه المتشابهة.
(1) في نسخة: "كانت".
إِذْ هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2747].
2333 -
[11] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ عَبْدًا أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْهُ، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا قَالَ (1): رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ (2)، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا قالَ (3): رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا آخَرَ فَاغْفِرْ لِي،
ــ
وقوله: (إذ هو بها) الرجل ملتبس بالراحلة حال كونها (قائمة عنده) من غير طلب وتعب، والمقصود بيان شدة رضا الحق من العبد التائب الراجع إليه، وتشبيهه بفرح الرجل المذكور، والعبدُ العاصي بمنزلة الراحلة المنقلبة، وتوبته بمنزلة وجدانه، فتأمل.
2333 -
[11](أبو هريرة) قوله: (أَعَلِم) استفهام للتقرير والتعجب، وفي ذكر (عبدي) دون أن يقول:(أعلم) تلطف وترحم.
قوله: (ثم مكث) من باب نصر وكرم.
وقوله في المرة الثالثة: (رب! أذنبت ذنبًا آخر فاغفر لي) بزيادة لفظ (آخر) و (لي)، وقد يوجد (لي) في الأول في بعض النسخ، و (آخر) و (لي) في الثانية، والذي تقرَّر في النسخ المصححة ما ذكرنا، فافهم.
(1) في نسخة: "فقال".
(2)
في نسخة: "فاغفر لي".
(3)
في نسخة: "فقال".
فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7507، م: 2758].
2334 -
[12] وَعَنْ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ: "أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنِّي لَا أَغْفِرُ لِفُلَانٍ، فَإنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ". أَوْ كَمَا قَالَ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2621].
2335 -
[13] وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ، وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ،
ــ
وقوله: (فليفعل ما شاء) أي: ما دام يذنب ثم يتوب ويستغفر، وليس المقصود الحث على الفعل أو الترخُّصُ فيه، بل المقصود إظهار الحفاوة والتلطف على وزان ما ورد في شأن أهل بدر:(اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).
2334 -
[12](جندب) قوله: (وأن اللَّه تعالى) بفتح الهمزة وكسرها معًا.
وقوله: (من ذا الذي يتألى عليّ) أي: يحلف ويتحكم عليّ، وفي هذه العبارة تخويف وتهديد شديد، وفي صورة الغيبة دون أن يقول: أنت الذي تتألى، دلالة على التهديد لكل من يتألى من غير خصوصية بالمخاطب، ثم خاطبه بأنك إذا حلفت عليّ فاعلم أني قد غفرت له على رغم أنفك، (وأحبطت عملك) جزاء على ما قلت، فإن الحكم على اللَّه بأنه يفعل ذلك البتة كفر، وإن لم يكن كفرًا فهذا تغليظ.
وقيل: المراد: أبطلت قَسَمك وجعلته كذبًا.
2335 -
[13](شداد بن أوس) قوله: (وأنا على عهدك ووعدك) أي: على