الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
2834 -
[1] عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُزَابَنَةِ: . . . . .
ــ
الفاسد، بمنزلة الصلاة التي فُقد من أركانها أو شرائطها شيء، وقد يكون للكراهة كالبيع عند أذان الجمعة، بمنزلة الصلاة في الأرض المغصوبة. ثم الحنفية جعلوا البيع الحرام قسمين: فاسدًا وباطلًا، فجعلوا البيع بالميتة والدم والحر مثلًا باطلًا لانعدام ركن البيع، وهو مبادلة المال بالمال، فإن هذه الأشياء لا تعدّ مالًا عند أحد، والبيع بالخمر والخنزير فاسدًا لوجود حقيقة البيع، وهو مبادلة المال بالمال فإنه مال عند بعض الناس، لكنه ليس بمال متقومٍ بل أُمرنا بإهانته، والباطل لا يفيد ملك التصرف، ولو هلك المبيع في يد المشتري يكون أمانة عند بعض المشايخ، لأن العقد غير معتبر فبقي القبض بإذن المالك، والفاسد يفيد الملك عند اتصال القبض، ويكون المبيع مضمونًا في يد المشتري بالاتفاق، كذا في (الهداية)(1)، وقد فصِّل وحقق ذلك في كتبهم.
الفصل الأول
2834 -
[1](ابن عمر) قوله: (نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المزابنة) من الزبن وهو الدفع، وإنما سمي مزابنة لأن أحد المتبايعين إذا وقف على غبن وأراد فسخ العقد دفعه الآخر، لكن هذا الوجه يجري في كل بيع، ولا يختص بيع الثمر على الشجر بجنسه موضوعًا على الأرض، ويقال في وجه التخصيص: إن المساواة بين البدلين شرط في البيع، وما على الشجر إنما يكون مقدَّرًا بالخرص لا يؤمن فيه من التفاوت، فاحتمال النزاع فيه غالب، فالباع يحرص على إمضاء العقد والمشتري على فسخه.
(1)"الهداية"(3/ 42 - 43).
أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيْبٍ كيْلًا، أَوْ كَانَ -وَعِنْدَ مُسْلِمٌ: وَإِنْ كَانَ- زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2205، م: 1542].
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ، قَالَ: وَالْمُزَابَنَةُ: أَنْ يُبَاعَ مَا فِي رُؤُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ بكَيْلٍ مُسمًّى إِنْ زادَ فَلِي وَإِن نَقَصَ فَعَلَيَّ.
ــ
وقوله: (أن يبيع) بيان للمزابنة، والحائط: البستان.
وقوله: (وإن كان) أي: الحائط، أي: ما فيه من الأشجار التي يباع ثمرها، أو يراد بالحائط النخل والكرم مجازًا.
وقوله: (أن يبيعه) تكرير وإعادة لقوله: (أن يبيع) ولو لم يذكره لكفى الأول، والضمير في (أو كان) للحائط، و (زرعًا) خبره، وإطلاق الحائط على الزرع مرتب من المشاكلة، (وعند مسلم: وإن كان) بدل (أو كان)، وهذا أنسب بما قبله.
وقوله: (بكيل طعام) بالإضافة في جميع النسخ.
وقوله: (نهى عن ذلك) تكرير وتأكيد، وليس جزاءً لـ (إن كان)؛ لأن جزاءها محذوف لدلالة قوله:(نهى) المذكور قبله، أو هو الجزاء كما يذكرون في مثل هذا التركيب من الوجهين، فعلى هذا تكون المزابنة بيعَ كل ثمر على الشجر غير مختص بالرطب، بل غير مختص بالثمر أيضًا إن لم يسم الزرع ثمرًا.
وأما قوله: (والمزابنة: أن يباع ما في رؤوس النخل بتمر) فظاهر في التخصيص ببيع الرطب بالتمر، ولعله بناء على الغالب من العادة.
وقوله: (إن زاد فلي، وإن نقص فعلي) حال بتقدير القول، وهذا قول البائع إن كان ضمير (زاد) راجعًا إلى (تمر)، وقول المشتري إن كان راجعًا إلى (ما على رؤوس
2835 -
[2] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةُ: أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بِمِئَةِ فَرَقٍ حِنطةً،
ــ
النخل)، وهذا أنسب لأن احتمال النقصان في جانب المشتري أظهر خصوصًا عند يبس الرطب.
اعلم أن البيع جائز في صورة العرايا بالاتفاق، فإن كانت العرايا عبارة عن بيع الثمر على الشجر بما في الأرض خرصًا، وهو الظاهر من عبارة الأحاديث، فالعرية مستثناة من المزابنة، وإن لم يكن بيعًا حقيقةً بل مشابهًا به فلا استثناء، ويكون قوله:(قد رخص في العرايا) بطريق الاستثناء دفعًا لتوهم عدم جوازه، ويظهر ذلك بما ذكروا في تفسير العرايا، فقد جاء في تفسيرها عبارات مختلفة كما ستعرف.
2835 -
[2](جابر) قوله: (نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، والمحاقلة، والمزابنة) اعلم أنه وقع في حديثي جابر ألفاظ هي أسماء لأنواع البيع، قد وقع تفسير أكثرها في الحديث، ولكن الشارحين قد استنبطوا لها معاني من كتب اللغة وكتب غريب الحديث، فنذكر منها ما ظفرنا به، وباللَّه التوفيق.
فمنها: (المحاقلة) من الحقل، وهو في اللغة الزرع إذا انشعب ورقه، وظهر وكثر قبل أن يغلظ سُوقه، أو ما دام أخضر، والمحاقل المزارع جمع محقلة كالمبقلة من البقلة، أو جمع حقل على خلاف القياس، وفسر في الحديث بـ (أن يبيع الرجل الزرع بمئة فرق حنطة)، والفرق بفتح الفاء والراء: مكيال معروف عند أهل المدينة، وهذا التفسير لا يخلو عن إجمال، وتفصيله ما قيل: إنه بيع الزرع في سنبله بالبُر أو ما دام أخضر، وقيل: إنه بيع الزرع قبل بدو صلاحه أو بيعه قبل طيبه، غير أن قوله:(بمئة فرق حنطة) يوهم أنه إذا زاد أو نقص عن هذا المقدار لم يكن ذلك محاقلة، لكنه
وَالْمُزَابَنَةُ: أَنْ يَبِيعَ التَّمْرَ فِي رُؤُوسِ النَّخْلِ بِمِئَةِ فَرَقٍ، وَالْمُخَابَرَةُ: كِرَاءُ الأَرْضِ بِالثُّلُثِ والرُّبُعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1536].
ــ
مذكور على طريق التمثيل، والحقل أيضًا: قَرَاح طيِّب يزرع فيه، وإلى هذا المعنى التفت من قال: هو اكتراء الأرض بالحنطة، ومن قال: إنها المزارعة بالثلث والربع مثلًا.
ومنها: (المزابنة) وقد عرف معناها فهي في الثمر كالمحاقلة في الزرع.
ومنها: (المخابرة) وقد فسر في هذا الحديث بـ (كراء الأرض بالثلث والربع (1)) مثلًا، كالمحاقلة على قول، وكذلك ذكر في (الصحاح) (2) و (القاموس) (3): المخابرة: المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض، وهو الخِبر أيضًا بالكسر، ونقل عن النووي في (الحاشية): لكن البذر في المخابرة من العامل، وفي المزارعة من مالكها،
(1) قال شيخنا في التقرير: اعلم أن الحسن البصري منع كلّ صور إعطاء الأرض، وقال: لا بد من أن يزرع بنفسه أعمّ من أن يعطي على الربع أو على الثلث مثلًا أو على روبية في كذا من الأرض أو على موضع مخصوص. ومالك أباح صورةَ النقد أن يعطي على الكراء كلّ ذراع على روبية مثلًا. والإمام أبو حنيفة والشافعي أباحا صورة النقد، وأن يقول: آخذ على كل ذراع منًّا من البُرّ، لا أن يقول منًّا من بُرّ هذا الأرض خاصةً فهي لا تجوز. وأحمد وصاحبا الإمام أبي حنيفة أباحوا الكراء على البُرّ عامًا كان أو مخصوصًا بما يخرج من هذا الأرض، وكذا أباحوا بالنقد. والحديث دليل الإمام، وقصة خيبر دليل الصاحبين. وأجاب الإمام عن دليلهما بأنها كانت خراج مقاسمة لا المزارعة، وأجابا عن دليله بأن النهي محمول على المواساة، أي: لا ينبغي لمن عنده الأرض فارغًا أن يكري، بل ينبغي الإعطاء بدون الأجرة. انتهى. قلت: الفتوى عند الحنفية على قول الصاحبين.
(2)
"الصحاح"(1/ 161).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 357).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واختلف في صحتها، انتهى.
وقد ورد: (ولو تركنا المخابرة) أي: لكان خيرًا، أو هو للتمني، وفي آخر:(لا نرى بالخبر بأسًا) هو بكسر الخاء أفصح من فتحها، وهو المخابرة، كذا في (مجمع البحار)(1)، وقال في (المشارق) (2):(الخبر) بفتح الخاء وسكون الباء كذا قيدناه من طريق الطبري، وعند ابن عيسى: بضم الخاء، وعن غيرهما بكسر الخاء، وبالفتح ذكره صاحب (العين)، وبالوجهين قيدناه في كتاب أبي عبيد، ومنه المخابرة.
وقال التُّوربِشْتِي (3): الخبرة بالضم: النصيب، يقال: تخبَّروا وأَخْبَرُوا: إذا اشتروا شاةً فذبحوها واقتسموا لحمها، وقيل: من الخبر بالكسر بمعنى المؤاكرة، والخبير الأكّار، وقيل: إن أصل المخابرة من خيبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّها في أيدي أهلها على النصيب من محصولها، فيقال: خابرهم، أي: عاملهم في خيبر، ثم تنازعوا فنهاهم عن ذلك، ثم جازت بعد ذلك، كذا في (المشارق)(4)، وقال: هذا قول ابن الأعرابي، وغيره يأباه، ويقول: إنها لفظة مستعملة، قال التُّوربِشْتِي (5): وعلى هذا ينبغي أن لا يكون المخابرة قبل الإسلام، والوجهان الأولان أوضح.
وقيل: هو من الْخَبَار وهي الأرض السهلة اللينة.
(1)"مجمع البحار"(2/ 10).
(2)
"مشارق الأنوار"(1/ 357).
(3)
"كتاب الميسر"(2/ 672).
(4)
"مشارق الأنوار"(1/ 357).
(5)
"كتاب الميسر"(2/ 672).
2836 -
[3] وَعَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَالْمُعَاوَمَةِ، وَعَنِ الثُّنْيَا، وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1536].
ــ
2836 -
[3](وعنه)، ومنها:(المعاومة) وهو بيع ثمر النخل والشجر سنتين فصاعدًا، في (القاموس) (1): عاومَتِ النَّخْلَةُ: حَمَلَتْ سَنَةً، ولم تَحْمِلْ أخرى، وعاوم فلانًا: عامَلَهُ بالعامِ.
وقال في (المشارق)(2): وهو بيع ثمر الشجر سنتين، وهو من بيعه قبل طِيبه، وقال بعضهم: هو اكتراء الأرض سنتين، وقال في (القاموس) (3): والمُعاوَمَةُ المَنْهِيُّ عنها: أن تَبِيعَ زَرْعَ عامِكَ، أو هو أن تَزِيدَ على الدَّيْنِ شيئًا وتُؤَخِّرَهُ.
ومنها: (الثنيا) بالضم على وزن الدنيا اسم من الاستثناء، وكذلك الثَّنْوَي، وهي في البيع أن يستثني شيئًا مجهولًا، وقال القتيبي: هو أن يبيع شيئًا جزافًا ثم يستثني منه شيئًا، وقال: وتكون الثنيا في المزارعة أن يستثني بعد النصف أو الثلث كيلًا معلومًا، وقال في (المشارق) (4): وبيع الثنيا بضم الثاء، وهو كل ما استثني في البيع مما لا يصح استثناؤه من مجهولٍ وشبهِهِ من مكيل من صُبرة باعها.
وقوله: (ورخّص في العرايا) جمع عرية بتشديد الياء، واختلف اللغويون والفقهاء في اشتقاقها ومعناها، أما اشتقاقها فقيل: إنها من قولهم: عريتُ الرجلَ النخلةَ، أي: أطعمْتُه ثمرها عامها، فيعروها، أي: يأتيها، وقد يقال: أعريته، أي: جعلت له أن يأتيها
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1052).
(2)
"مشارق الأنوار"(2/ 184).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 1052).
(4)
"مشارق الأنوار"(1/ 204).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
متى شاء، وعلى هذا يفسرها أكثر أهل اللغة، فهي فعيلة بمعنى مفعولة، والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية.
وقيل: إنها من قولهم: عَرَوْت الرجل أعروه [عروًا]: أتيته [طالبًا] معروفه، ويكون أعريته على هذا في معنى أعطيته، وذلك مثل قولهم: أسألته وأطلبته: إذا أعطيته سؤله وآتيته طلبته.
وقيل: من عَرِيَ يعرى: إذا خلا عن الشيء، من العري خلاف اللبس، ويقال: عرَّاه تعريةً فهو عريان، ومنه المعرَّى، أي: المجرد. قال التُّوربِشْتِي (1): والوجه الذي ينفرد أقاويل أهل اللغة فيه هو أن يكون في معنى العطية والعارفة.
وأما معناها فهو نوع من المزابنة لمن له حاجة، فلما نهى عن المزابنة، وهو بيع الثمر في رؤوس النخل بالتمر خص منها العرية، وهو أن من لا نخل له من ذوي الحاجة يدرك الرطب، ولا نقد بيده يشتري به الرطب لعياله، ولا نخل له يطعمهم منه، ويكون قد فضل له من قوته تمر، فيشتري منه صاحب النخل ثمرة نخله بخرصها من التمر، روي أنه جاء أهل الحاجة من أهل المدينة، وشكوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقالوا: نهيت عن هذا البيع ونشتهي الرطب، وليس عندنا من الذهب والفضة ما نشتري به، فرخَّص لهم، ومناسبة هذا المعنى بالمعنيين الأولين المذكورين في اللغة ظاهر، وأما بالثالث فلأنها عريت من التحريم، أو لأنها جردت النخلة عن ثمرها أو عن ملكه.
وقيل: أن يكون للرجل نخيلات في حائط غيره لهبة له، أو تملكه من الأصل، فيأتي صاحب الحائط باهله فيسكن بين النخيل، فيدخل عليهم ذلك الرجل فيجدون
(1)"كتاب الميسر"(2/ 673).
2837 -
[4] وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيع الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا. . . . .
ــ
في أنفسهم، ويتأذون ويتضررون بدخوله عليهم، فرخِّص لصاحب الحائط أن يؤتيه مقدار خرص نخيلاته تمرًا عوضًا عما له في ذلك.
ونقل عن مالك رحمه الله: هو أن يعري -أي: يهب- الرجلُ نخلةً من نخلاته لآخر ويعطيها له، ثم يتأذى الواهب بدخول الموهوب له عليه، فرخّص للواهب أن يشتريها، وهو تخصيص بإحدى الصورتين، وهو أعم من الهبة وغيرها كما أشرنا إليه، لكن اعتبار معنى الهبة أقوم وأنسب بأقاويل أهل اللغة وما وقع في أشعارهم كما ذكر. وكذا ما نقل عن أبي حنيفة رحمه الله من أنه يهب ثمرة نخله، ويشقّ عليه تردد الموهوب إلى بستانه، وكره أن يرجع في هبته، فيدفع إليه بدلها تمرًا وهو صورة البيع، ولفظ الحديث صريح في أنها بيعٌ حقيقة، وذكر عن سفيان: العرايا نخل كانت توهب للمساكين، فلا يستطيعون أن ينظروا أجدادها، فرخص لهم أن يبيعوها بما شاء من التمر.
وقال الشافعي وأحمد رحمهم الله: هو بيع الرطب على روؤس النخل بالتمر على الأرض بالخرص، وهو منهي عنه، والقياس بطلانه، لكن رخص هذا البيع في صورة العرية، كما ذكر.
2837 -
[4](سهل بن أبي حثمة) قوله: (وعن سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة.
وقوله: (عن بيع الثمر بالتمر) بالمثلثة في الأول والفوقية في الثاني.
وقوله: (بخرصها تمرًا) تمييز أو حال مقدرة، والضمير في (خرصها) للنخلة
يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2191، م: 1540].
2838 -
[5] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، شَكَّ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2190، 2382، م: 1541].
ــ
المفهومة من المقام أو للعرية إن كانت مطلقة على النخلة، فإنه قد جاء إطلاق العرية على البيع وعلى النخلة التي يباع ثمرها وعلى ثمرها، كما يفهم من إطلاقاتهم، فالمضاف محذوف، أي: بخرص ثمرها، ويجوز أن يكون الضمير للثمر لكونها جنسًا في معنى الجمع، والباء في (بخرصها) للسببية أو للملابسة، والمعنى أنه يقدر الرطب الذي على النخلة محققًا كم يكون، ويعرف مقداره، ويعطي من التمر ذلك المقدار، وكذا حال الضميرين في (يأكلها أهلها) والمراد بأهلها المشتري.
2838 -
[5](أبو هريرة) قوله: (من التمر) متعلق بـ (بيع).
وقوله: (فيما دون خمسة أوسق) جمع وَسْق كفَلْسٍ وأفلس، وفتح واوه أشهر من كسرها: ستون صاعًا (1)، وهو حمل بعير، كذا قال النووي.
وقوله: (شك داود) ففي أقل من خمسة أوسق جائز بلا شبهة، وفيما زاد عليها غير جائز، وفي خمسة قولان، أصحهما لا يجوز، لأن القياس فيه أن لا يجوز، وإنما جوز ضرورة رفع الاحتياج فيقتصر على هذا القدر، وهو عدد قد اعتبر في باب الصدقة كما مر في (باب ما يجب فيه الزكاة):(ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)، ثم الأصح جوازه للأغنياء والفقراء، وفي قول: لا يجوز للأغنياء، وكذلك الخلاف في غير الرطب والعنب، كل ذلك مذهب الشافعي، ولا يعرف ما الحكم في ذلك
(1) وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِالْبَغْدَادِيِّ. انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (7/ 49).
2839 -
[6] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا (1)، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2194، م: 1534].
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: نَهَى عَنْ بَيع النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ، وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ العَاهَةَ. [م: 1535].
2840 -
[7] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ،
ــ
عندنا، فتدبر.
2839 -
[6](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (نهى البائع) لئلا يكون آخذًا مال المشتري لا بمقابلة شيء، و (المشتري) لئلا يكون مضيعًا له لوجود المخاطرة قبل ذلك.
وقوله: (حتى تزهو) أي: تحمرّ أو تصفرّ، والزهو حسن المنظر وإشراق الزهر، وزُها الدنيا [كهُدًى]: زينتها، وزها وأزهى بمعنى، والمراد تمامها وكمالها وسلامتها عن الآفات، وهذه الألوان علامة ذلك كما أشار إلى ذلك بقوله:(ويأمن العاهة).
2840 -
[7](أنس) قوله: . . . . .
(1) قال شيخنا في "التقرير": الصور المنحصرة ههنا ست؛ لأن البيع إما قبل البدو أو بعد بدو الأثمار، وعلى كل تقدير إما على شرط الإبقاء على الأشجار أو بشرط عدم الإبقاء أو بدون الشرط. فالشافعي أدار الحكمَ على بدو الصلاح، فثلاثة صور عنده جائزة، والإمام أباح صورةَ شرط عدم الإبقاء أو صورة بدون الشرط إذا يفرغ المشتري عند استفراغ البائع. والحديث يوافق الشافعية، والجواب عن الحنفية بأن الحديث محمول على بيع السلم، أو بأن المراد البيع بشرط الإبقاء فيكون فاسدًا، أو النهي ليس للتشريع، بل المقصود المشورة. انتهى.
قِيلَ: وَمَا تُزْهِيَ؟ قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ، وَقَالَ:"أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2198، م: 1555].
2841 -
[8] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ، وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوائِحِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1536، 1554].
ــ
(بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ ) يشمل حال المشتري والبائع، و (بم) اختصار بما، وجاز دخول الجار على ما الاستفهامية مع أن لها صدر الكلام؛ لكمال الاتصال بين الجار والمجرور، فهما في حكم كلمة واحدة.
وقوله: (وما تزهي) أي: ما معنى قولك: (تزهي)، وهو الظاهر، ويجوز أن يكون بتقدير أن، فيكون بتأويل المصدر.
2841 -
[8](جابر) قوله: (عن بيع السنين) هو بيع المعاومة المذكور فيما سبق.
وقوله: (وأمر بوضع الجوائح) جمع جائحة من الجوح، وهو الإهلاك والاستئصال كالإجاحة والاجتياح، ومنه الجائحة للشدة المجتاحة للمال، وفي (مجمع البحار) (1): الجائحة: آفة تهلك الثمار والأموال، وكل مصيبة عظيمة، وفتنة مبيرة جائحة، وهذا إن كان قبل التسليم فظاهر، وإن كان بعده فالأمر للاستحباب بناء على المروءة والتورع، وقيل: إن ذلك في الأراضي الخراجية التي أمرُها إلى الإمام، أمره بوضع الخراج عنها إذا اجتاحتها الجوائح.
وفي قوله: (وضع الجوائح) إشارة إلى إسقاط ما يوازي النقصان بقدره.
(1)"مجمع بحار الأنوار"(1/ 401).
2842 -
[9] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1554].
2843 -
[10] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعلَى السُّوقِ فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِهِ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلم أَجِدهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. [د: 3494].
2844 -
[11] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ. . . . .
ــ
2842 -
[9](وعنه) قوله: (لو بعت) لو بمعنى إن، فلذلك أدخل في جوابه الفاء.
2843 -
[10](ابن عمر) قوله: (فيبيعونه) أي: قبل القبض والاستيفاء، وهو المراد بالنقل، كذا قالوا، وأيدوه بالفاء التعقيبية التي تدل على وقوع البيع بعد الابتياع بلا مهملة، والدليل عليه الحديث الآتي.
وقوله: (ولم أجده في الصحيحين) قال الشيخ الجزري: متفق عليه، ورواه أبو داود والنسائي والبيهقي (1) نحوه، كذا في بعض الحواشي، وأيضًا فيه: أخرجه (البخاري)(2) في (باب نهي التلقي) من (كتاب البيع) بلا تفاوت حرف، فكان تتبع المصنف قاصرًا غير تام.
2844، 2845 - [11، 12](وعنه) قوله: (فلا يبيعه) بصيغة النفي، خبر في
(1)"سنن أبي داود"(3494)، و"سنن النسائي"(4607)، والبيهقي في الكبرى (1073).
(2)
"صحيح البخاري"(2059).
حَتَّى يَسْتوْفِيَهُ".
2845 -
[12] وَفَي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "حَتَّى يَكْتَالَهُ". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2126، م: 1525، 1526].
2846 -
[13] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا مِثْلَهُ. مُتَّفقٌ عَلَيهِ. [خ: 2135، م: 1525].
2847 -
[14] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ لِبَيْعٍ،
ــ
معنى النهي في أكثر النسخ، بل في جميعها، وكتب في نسخة في الهامش:(فلا يبعه) بصيغة النهي.
وقوله: (حتى يستوفيه) أي: يقبضه، فدل الحديثان على عدم جواز بيع ما لم يقبض، وهو بإطلاقه مذهب الشافعي ومحمد رحمهما اللَّه، وقال مالك: لا يجوز في الطعام ويجوز فيما سواه، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما اللَّه: يجوز في العقار، وهو ظاهر مذهب أحمد، والدليل لهم أن ركن البيع صدر من أهله في محله، ولا غرر فيه؛ لأن الهلاك في العقار نادر بخلاف المنقول.
2846 -
[13](ابن عباس) قوله: (فهو الطعام أن يباع حتى يقبض) هذا يصلح دليلًا لمالك، ولكن ابن عباس قاس عليه ما سواه، وهذا معنى (ولا أحسب كل شيء إلا مثله).
2847 -
[14](أبو هريرة) قوله: (لا تلقوا الركبان) من التلقي، وذلك بأن يستقبلوا القافلة التي يجلبون الطعام قبل أن يقدموا الأسواق.
وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ،
ــ
وقوله: (ولا يبع بعضكم على بيع بعض) عدي بـ (على) لتضمين معنى الغلبة، والبيع بمعنى الاشتراء، وهذا إن لم يُرد شراءه بل أراد رد عقدهما فقط يكون أقبح.
وقوله: (ولا تناجشوا) النجش في اللغة: إثارة الصيد، والبحث عن الشيء، وفي الشرع: أن تواطئ رجلًا إذا أراد بيعًا أن تمدحه، أو أن تريد الإنسان أن يبيع بياعة فتساومه بها بثمن كثير؛ لينظر إليك ناظر فيقع فيها، أو أن تنفّر الناس من الشيء إلى غيره، كذا في (القاموس)(1).
وقوله: (ولا يبع حاضر لباد) نهى الحضريَّ أن يتولى البيع من قبل البدوي؛ لما كان في ذلك من تنقيص ما أباح اللَّه من الأرباح على أرباب التجارات، وسدّ باب المرافق على أرباب البياعات، وزاد في حديث جابر الآتي:(دعوا الناس يرزق اللَّه بعضهم من بعض).
وقوله: (ولا تصروا الإبل والغنم) بفتح التاء وضم الصاد من صرَّ، وبالعكس من صرَّى، قال النووي في (شرح مسلم) (2): الثانية رواية مسلم، والأولى رواية غيره، كذا في (مجمع البحار)(3)، وقال في (المشارق) (4): كذا صحيح الرواية، والضبط في هذا الحرف بضم التاء وفتح الصاد وفتح لام الإبل من صرَّى: إذا جمع مخففًا ومثقلًا،
(1)"القاموس المحيط"(ص: 561).
(2)
"شرح صحيح مسلم"(5/ 421).
(3)
"مجمع بحار الأنوار"(3/ 321).
(4)
"مشارق الأنوار"(2/ 76).
فَمِنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا: إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2150، م: 1515].
ــ
وهو تفسير مالك والكافة من أهل اللغة والفقه، وبعض الرواة يحذف واو الجمع ويضم لام الإبل على ما لم يسم فاعله، وهو خطأ على هذا التفسير، لكنه يخرَّج على تفسير من فسره بالربط والشد من صرّ يصر، وقال فيه: المصرورة، وهو تفسير الشافعي لهذه اللفظة، كأنما بحبسه لها ربط أخلافها وشدها لذلك، وبعضهم صحح قوله:(تصروا) بفتح التاء وضم الصاد ونصب الراء وإثبات واو الجمع، ولا يصح أيضًا إلا على التفسير الآخر من الصر، وكان شيخنا أبو محمد بن عتاب يقول للقارئ عليه والسامعين منه: اجعلوا أصلكم في هذا الحرف متى أشكل عليكم ضبط قوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32]، واضبطوه على هذا المثال فيرتفع الإشكال، ويحكي لنا ذلك عن أبيه، لأنه من صرّى مثل زكّى، انتهى. والتصرية هو حبس اللبن في ضروع الإبل والغنم لتباع كذلك، يغرُّ بها المشتري، والمُصرَّاة هي التي يُفعل بها ذلك، وهي المحفلة، يقال: صرَّيت الماء في الحوض: إذا جمعته، وإن كان من الصرّ كما في بعض الروايات، ففيه أيضًا معنى الجمع، ومنه الصُّرَّةُ.
ثم ذكر بعد النهي عن التصرية حكمه فقال: (من ابتاعها) أي: اشترى الإبل والغنم التي بها صريت، ولم يعلم ذلك (فهو بخير النظرين)، أي: ملتبس بخير النظرين لنفسه، أي: مخير (بعد أن يحلبها) من باب نصر وضرب، وإنما قيد به لأن الغالب أنه لا يحصل العلم إلا بعد حلبها، ولو اطلع عليها قبله كان له الخيار.
وقوله: (وصاعًا من تمر) عطف على الضمير المنصوب في (ردها)، وهو بدل
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ. [م: 1524]
ــ
اللبن الموجود في الضرع حال البيع، والمعنى في ذلك: أن اللبن الحادث بعد العقد ملك المشتري، فيختلط باللبن الموجود حال العقد، فلو رد عليه أو مثله لأفضى ذلك إلى حرج ومشقة، وقد يتعذر الوقوف عليه، فجعل الشارع له بدلًا مقدرًا لا يزيد ولا ينقص، وعند البعض لا يختص بالتمر بل يرد صاعًا من طعام أيِّ طعام كان، والأظهر تعيين التمر للتنصيص عليه، ويحتمل أن يكون ذلك بطريق التمثيل والاكتفاء لا على وجه التعيين والتخصيص، واللَّه أعلم.
وقوله: (وفي رواية لمسلم: رد معها صاعًا من طعام لا سمراء) ظاهره يدل على أن الواجب رد صاع من طعام سوى الحنطة، فقيل: معناه أن التمر متعيِّن ولا يجوز غيره كالحنطة ونحوها، وإنما خص النفي بالحنطة لكونه أعرف في إطلاق اسم الطعام، وإنما تعين التمر لأنه غالب طعام العرب، فينصرف إليه المطلق العام، وقيل: أراد به أن الواجب ردّ صاع من الطعام أيِّ طعام كان، وإن الحنطة غير واجبة على التعيين، وجاز أن يرد صاعًا من تمر أو شعير أو غيرهما، فتدبر.
واعلم أن ثبوت الخيار في المصراة وردَّ صاع من تمر أو طعام هو مذهب الشافعي ومالك وأحمد وأبي يوسف رحمهم الله، مع خلاف في مذهب أحمد رحمه الله في أنه يجب على الفور أو بعد ثلاثة أيام، وأما مذهب أبي حنيفة رحمه الله وطائفة من العراقيين ومالك رحمه الله في رواية أخرى أنه إنما يثبت بالشرط لا بدونه، ولا يجب رد صاع لأنه يخالف القياس الصحيح من كل وجه، لأن الأصل أن الشيء إنما يضمن بالمثل، أو بالقيمة في باب العدديات، أو بالثمن في باب البياعات الصحيحة، وهذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
والقياس الصحيح يقتضي وجوب القيمة أو المثل أو الثمن في هذه الصورة، [و] هذا الحديث يقتضي وجوب رد الصاع من تمر، والتمر ليس بقيمة اللبن قطعًا ولا ثمنه، ولا مماثلة بينهما لا صورة ولا معنى، أما من حيث الصورة فظاهر، وأما من حيث المعنى فلأن المِثْل من حيث المعنى لجميع الأشياء إنما هو الدراهم والدنانير، فيكون العمل به موجبًا لانسداد باب القياس الصحيح، والأصل عندنا أن الراوي إن كان معروفًا بالعدالة والحفظ والضبط دون الفقه والاجتهاد مثل أبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهما، فان وافق حديثه القياس عمل به، وإلا لم يترك إلا للضرورة وانسداد باب الرأي، وتمام تحقيقه في كتب أصول الفقه (1).
(1) قال العلامة الكشميري في "فيض الباري"(4/ 219): وهذا الجواب باطلٌ لا يُلْتَفَتُ إليه، ولم يزل مَطْعَنًا للخصوم منذ زمن قديم، ولمثل هذا اشتهر أن الحنفية يُقدّمون الرأيَ على الحديث، وحاشاهم أن يقولوا بمثله، فإن هذه المسألة لم يصحّ نقلها عن أبي حنيفة ولا عن أحد من أصحابه، نعم نسُبَتْ إلى عيسى بن أبان -المعاصر للشافعي- وهي أيضًا محل تردُّدٍ عندي، كيف! وقد قال المزني: إن أبا حنيفة أَتْبَعُ للأثر من محمد وأبي يوسف. فلعلّه تكون بين يديه جزئياتٌ ومسائل تدلّ على هذا المعنى.
وبالجملة هذا الجواب أولى أن لا يُذْكَرَ فِي الكُتُبِ وإن ذكره بعضهم، ومن يجترئ على أبي هريرة فيقول: إنه كان غير فقيه؟ ! ولو سلّمنا فقد يرويه أفقههم أعني ابن مسعود أيضًا، فيعود المحذور. وأجاب عنه الطحاوي بالمعارضة بحديث:"الخراج بالضمان".
والجواب عندي: أن الحديث محمول على الدّيانة دون القضاء، لما في "فتح القدير" في باب الإقالة: أن الغرر إما قوليٌّ أو فعليٌّ، فإن كان الغرر قوليًّا فالإقالة واجبة بحكم القاضي، وإن كان الثاني تجب عليه الإقالة ديانةً ولا يدخل في القضاء. كيف! وأن الخِدَعَاتِ أشياءٌ =
2848 -
[15] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1519].
2849 -
[16] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بهَا إِلى السُّوق". مُتَّفُقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2165، م: 1517].
ــ
2848 -
[15](وعنه) قوله: (لا تلقوا الجلب) الجلب بالجيم محركة: اسم لما يجلب من الطعام من بلد إلى بلد، فتلقَّى واحد من أهل البلد إلى جماعة جاؤوا بالطعام إلى هذا البلد فاشترى منهم، وهذا إذا كان يضر بأهل البلد، فإن كان لا يضر لا بأس به، إلا إذا لَبَس السعر على الواردين فحينئذٍ يُكره لما فيه من الغرر والضرر.
وقوله: (فإذا أتى سيده) أي: صاحبه ومالكه، والضمير للجلب وهو البائع، وقيل: أطلق السيد وهو اسم لمالك العبد لأن المجلوب قد يكون عبدًا فغلَّبه على غيره من السلع فذكر السيد، والوجه الأول هو الظاهر المتبادر إلى الفهم، والمراد أنه إذا باع الجالب بأرخص من سعر البلد، ثم أتى السوق فعلم بالسعر فله الخيار، وأما إذا لم يبع بالأرخص فلا خيار، وقيل: له الخيار مطلقًا لإطلاق الحديث.
2849 -
[16](ابن عمر) قوله: (لا تلقوا) بالتشديد من تلقي السلع، أي: الجلب.
= مستورةٌ ليس إلى علمها سبيلٌ، فلا يُمْكِنُ أن تدخل تحت القضاء. فالتصريةُ أيضًا خديعةٌ، ويجب فيها على البائع أن يُقِيلَ المشتري دِيانةً وإن لم يَجِبْ قضاءً. وحينئذٍ فالحديث مُتأتٍ على مسائلنا أيضًا، انتهى. وبسط شيخ مشايخنا الكلام في "بذل المجهود"(11/ 152 - 158).
2850 -
[17] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَبِعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِلَّا أنْ يَأْذَنَ لَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1515].
2851 -
[18] وَعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَسُمِ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخيهِ الْمُسْلِم". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1515].
2852 -
[19] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ،
ــ
2850 -
[17](وعنه) قوله: (لا يبع) بلفظ النهي الغائب، وكذا:(لا يخطب)، أو بلفظ الخبر فيهما بمعنى النهي، والمراد بالبيع المبايعة أعم من الشراء والبيع، وهذا إذا تراضى المتعاقدان على مبلغ ثمن في المساومة، فأما إذا لم يركن أحدهما إلى الآخر، [فهو يبيع من يزيد] ولا بأس به، وهو محمل النهي في النكاح أيضًا، كذا في (الهداية)(1).
2851 -
[18](أبو هريرة) قوله: (لا يسم) من باب نصر من السوم، وهذا يؤيد رواية (لا يبع) بلفظ النهي، وهذا أيضًا محمول على الاتفاق والتراضي على ثمن كما في الحديث الأول.
2852 -
[19](جابر) قوله: (لا يبيع حاضر لباد) بلفظ الخبر في جميع النسخ، وهذا يؤيد الرواية الأخرى الواقعة بلفظ الخبر، فكلاهما صحيحان، و (يرزق) صحح بالرفع والجزم، والجزم أظهر.
(1)"الهداية"(3/ 53).
دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1522].
2853 -
[20] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ: نَهَى عَنِ الْمُلَامَسَةِ والمُنَابَذَةِ فِي البَيْعِ، وَالْمُلَامَسَةُ: لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بِيَدِهِ. . . . .
ــ
وقوله: (دعوا) خطابًا للحاضرين أن يفعلوا أو للأمة، وقال الطيبي (1): إنه خطاب للحاضر المذكور بطريق الالتفات، وضمير الجمع باعتبار أن المراد به الجنس، فافهم.
2853 -
[20](أبو سعيد الخدري) قوله: (عن لبستين وعن بيعتين) لما كان اللباس أقرب إلى الآدمي من البيع قدّمه عليه في الذكر، ثم لما رأى أمر البيع أهم لكونه سببًا للقوت الذي هو أحوط من اللباس قدمه في البيان، واللباس واللَّبوس واللِّبس بالكسر والملبَس بفتح الميم وكسرها: اسم لما يلبس من لَبِسَ كسمع لُبسًا بالضم، واللِّبسة بالكسر حالة من حالات اللُّبس، ويحتمل أن تكون تاؤه للمرة كما في البيعة بالفتح، والأول أظهر؛ إذ الاحتباء واشتمال الصماء هيئتان وحالتان من اللبس، ولكن الأغلب أن الفعلة التي للنوع لا تكون بدون التاء اسمًا مستقلًا كالجلسة، وهنا اللبس اسم للملبوس.
ثم بين المراد بالبيعتين بقوله: (نهى عن الملامسة) وفي رواية (عن اللماس)، (والمنابذة)، وفسر الملامسة: بـ (لمس الرجل ثوب الآخر بيده) وهي أن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع، أي: بيع الثوبين، وقيل: هو أن يلمس المتاع من وراء ثوب ولا ينظر إليه، ثم يوقع البيع، أو يجعل اللمس قاطعًا للخيار،
(1)"شرح الطيبي"(6/ 71).
بِاللَّيْلِ أَو بالنَّهارِ، وَلَا يَقْلِبُهُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الآخَرُ ثَوْبَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا. . . . .
ــ
أقوال، كذا في (النهاية)(1)، واقتصر السيوطي في (مختصره) (2) على قوله: وهي أن يقول: إذا لمست ثوبك فقد وجب البيع، وقال الكرماني (3) في شرح قوله:(نهى عن اللماس): هو أن يلمس ثوبًا مطويًّا أو في ظلمة، ثم يشتريه بلا خيار رؤية.
وقوله: (بالليل أو بالنهار) المقصد من ذكر الليل عدم رؤية المتاع، كما ذكر في التفسير الثاني من لمسه من وراء ثوب، وكما ذكر في (مشارق الأنوار) (4): هو أن يبتاع الثوب لا يقلبه إلا أن يلمسه بيده تحت ثوب أو ليلًا.
وقوله: (ولا يقلبه) صحح في نسخ (المشكاة) بسكون القاف من المجرد، وفي نسخ (صحيح مسلم) بفتح القاف وتشديد اللام من التقليب، ومعناه: ليس قلبه للثوب إلا بمجرد اللمس، أي: كان عليه أن يقلب الثوب وينشره ويراه، وقد اكتفى باللمس، فعلم مما ذكر أن لبيع الملامسة ثلاثةَ أوجهٍ، أحدها: أن يكون نفس اللمس بيعًا، أو يكون قاطعًا لخيار رؤية، أو يكون لمسه قاطعًا لكل خيار بعد البيع، فعبارة المؤلف تشمل المعاني الثلاثة، فافهم.
ثم فسر المنابذة بقوله: (أن ينبذ) بكسر الباء وضمها. . . إلخ.
قوله: (بيعهما) بالرفع في أكثر النسخ وبالنصب في بعضها، والضمير فيه للثوبين
(1)"النهاية"(4/ 270).
(2)
"الدر النثير"(2/ 925).
(3)
"شرح الكرماني"(4/ 27).
(4)
"مشارق الأنوار"(1/ 583).
عَنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ، وَاللِّبْسَتَيْنِ: اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، وَالصَّمَّاءُ: أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُوَ أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، وَاللِّبْسَةُ الأُخْرَى: احْتِبَاؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهُوَ جَالِسٌ من لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5820، م: 1512].
ــ
أو للرجلين، فالفرق بين الملامسة والمنابذة باللمس في الأولى والنبذ في الأخرى، وقيل: المنابذة أن يقول: إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع.
وقوله (من غير نظر) أي: تأمل وتراض بعد التأمل.
وقوله: (واللبستين) بالنصب على الحكاية، وفي بعض الرواية:(واللبستان)، و (اشتمال الصماء) هو الالتفاف في ثوب واحد من رأسه إلى قدميه يجلل به جسده كله، وهو التلفع بالفاء، ويقال لها: الشملة الصماء أيضًا، سميت بذلك -واللَّه أعلم- لاشتمالها على أعضائه حتى لا يجد منفذًا كالصخرة الصماء، أو لشدها وضمها جميع الجسد، ومنه: صمام القارورة الذي يسد فيه فوها، كذا في (مشارق الأنوار)(1) وغيرها.
وقال الطيبي (2): وعثد الفقهاء هو أن يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من جانبه فيضعه على منكبيه فتكشف عورته، وكلا المعنيين مذكور في (النهاية)(3).
والاحتباء: هو أن يضم رجليه إلى بطنه ويجمع ساقه وظهره بثوب ويشدّه عليهما، وقد يكون باليدين مكان الثوب، وهو سنة في الجلوس، والنهي عن الاحتباء إنما هو إذا لم يكن إلا ثوب واحد، فيخاف انكشاف العورة.
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 81).
(2)
"شرح الطيبي"(6/ 73).
(3)
"النهاية"(3/ 54).
2854 -
[21] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الغَرَرِ. رَوَاهُ مُسلم. [م: 1153].
ــ
2854 -
[21](أبو هريرة) قوله: (عن بيع الحصاة) وفي رواية: (عن بيع الحصا) مقصورًا، الحصا: صغار الحجارة، والواحد حصاة، من البياعات التي كانت يفعلها أهل الجاهلية، قيل: كانوا يتساومون، فإذا طرح الحصاة وجب البيع، وقيل: بل كانوا يتبايعون شيئًا من الأشياء على أن البيع يجب في الشيء الذي تقع عليه الحصاة، وقيل: بل إلى منتهى الحصاة، وكله من بيوع الغرر والمجهول، كذا في (مشارق الأنوار)(1).
وقوله: (وعن بيع الغرر) غرّه غرًّا وغرورًا وغرة بالكسر فهو مغرور وغَرير: خدعه وأطمعه بالباطل فاغترّ هو، والاسم الغرر، وبيع الغرر أصل جامع يشمل فروعًا كثيرة وصورًا شتى، وكل ما ذكر من بيع الملامسة والمنابذة والحصا ونحوها من أنواعه أفردت بالذكر لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة، والغرر يكون للجهل بالمبيع أو ثمنه أو سلامته أو أجَله، وقد يُتحمل غرر قليل وجهل يسير؛ لأنهم أجمعوا على جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف عادة الناس في صبّ الماء وفي قَدْر مكثهم، وعلى جواز الشرب من السقاء بالعوض مع جهالة قدر المشروب واختلاف عادة الشاربين، ولها أمثال ذكرها الطيبي (2)، وذلك للحاجة وتعذر الاحتراز عنه إلا بمشقة.
(1)"مشارق الأنوار"(1/ 324).
(2)
"شرح الطيبي"(6/ 74).
2855 -
[22] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنتَجَ النَّاقةُ، ثُمَّ تُنتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2143، م: 1514].
2856 -
[23] وَعَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ. . . . .
ــ
2855 -
[22](ابن عمر) قوله: (عن بيع حبل الحبلة) قال في (المشارق)(1): بفتح الحاء والباء فيهما، ويروى في الأول بسكون الباء أيضًا، والفتح أبين وأصح فيهما، كان من بيوع الجاهلية، فسره ابن عمر في الحديث أنه البيع إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج نتاجها، وقيل: هو شراء ما يلد ما تلد، وهو نتاج النتاج، كلاهما من بيوع الغرر والمخاطرة الممنوعة، والتفسيران مرويان عن مالك وغيره، وقيل: بل هو بيع العنب قبل طيبه، والحبلة (2): بفتح الحاء وسكون الباء وفتحها: الكرمة، قاله ثعلب، وفي الحديث:(لا تسموا العنب الكرم، ولكن قولوا: الحبلة)، وقيل: معناه بيع الأجنة، وهو الحبل في بطون الأمهات، وهن الحبلة جمع حابل، والحبل المصدر، قاله الأخفش، والحبل مختص ببني آدم ولغيرهم حمل إلا ما جاء في هذا الحديث، انتهى.
وتكلموا في التاء التي في الحبلة، فقيل: للتأنيث؛ لأن معناه أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة، ولا بد أن يكون أنثى، وقيل: للمبالغة، ولا يظهر له كثير معنى، وقد ظهر أنه على وجهٍ جمعُ حابل؛ كطلبة جمع طالب، وفجرة جمع فاجر، فتدبر.
2856 -
[23](وعنه) قوله: (عن عسب الفحل) بفتح العين وسكون السين، هو
(1)"مشارق الأنوار"(1/ 273 - 274).
(2)
وقع في "القاموس" مضبوطًا بالضم (ص: 883).
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 2284].
2857 -
[24] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ، وَعَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَالأَرْضِ لِتُحْرَثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1565].
ــ
كراء ضرابه، والعسب ليس نفسه الضراب، هذا قول أبي عبيد، وقال غيره: لا يكون العسب إلا الضراب، والمراد الكراء عليه، لكنه حذفه وأقام المضاف إليه مقامه كما قال {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، وقيل: العسب: ماء الفحل، كذا في (المشارق)(1)، ومثله قال في (القاموس) (2): العَسْبُ: ضِرابُ الفَحْلِ، أو ماؤُه، أو نَسْلُه، والوَلَدُ، وإعْطاءُ الكِراء على الضِّرابِ، والفِعلُ كَضَرَب.
والمراد بالفحل أعم من أن يكون فرسًا أو بعيرًا أو غيرهما، وأخذ الكراء عليه منهي عنه، وأما الإعارة فمندوب إليها، وإنما نهي عنه للجهالة، وهو في حكم بيع الغرر لما فيه من الجهالة؛ لأن الفحل قد يضرب وقد لا يضرب، والأنثى قد تلقح وقد لا تلقح، وذهب إلى تحريمه أكثر الصحابة والفقهاء، ورخص فيه جماعة لخوف انقطاع النسل، ويندفع ذلك بالإعارة، ثم لو أكرمه المستعير بشيء يجوز له قبول كرامته، كما سيأتي.
2857 -
[24](جابر) قوله: (عن بيع ضراب الجمل) بأن يأخذ عليه شيئًا، كما عرفت في عسب الفحل، وأراد بالبيع الإجارة.
وقوله: (وعن بيع الماء والأرض) محمول على المخابرة، وقد اختلف في صحتها، كما مر في أول الفصل.
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 176).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 119).
2858 -
[25] وَعنهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1565].
2859 -
[26] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلأُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2353، م: 1566].
2860 -
[27] وَعَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ:"مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ " قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 102].
ــ
2858 -
[25](وعنه) قوله: (عن بيع فضل الماء) أي: إذا كان له ماء، فإن فضل عن حاجته والناس يحتاجون إليه، لم يجز له أن يمنعهم، وكذلك حكم الكلأ إلا أن يحميه الوالي.
2859 -
[26](أبو هريرة) قوله: (ليباع به الكلأ) يعني يلزم من بيع فضل الماء بيع الكلأ، وبيع الكلأ منهي عنه، وقيل: يكون بيع فضل الماء في حكم بيع الكلأ ومستلزمًا له؛ لأن من أراد الرعي في حول مائه إذا منعه من الورد على مائه إلا بعوض اضطر إلى شرائه، فيكون بيعه للماء بيعًا للكلأ، واختلف في أنه نهي تنزيه أو تحريم، والأول أولى.
2860 -
[27](وعنه) قوله: (أصابته السماء) أي: ماء السماء أو الماء مطلقًا، واختلفوا في إرادة المسبب بلفظ السبب هل يختص بما هو سبب له أو لا؟ بل يكتفى بكونه سببًا له في الجملة، كما عرف في بحث علاقات المجاز.
وقوله: (من غش) أي: خان، وهو ضد النصح.