الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفُلَانٌ، وَفُلَانَةُ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَمَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ". رَوَاهُ فِي "شَرْحِ السُّنَّةِ". [1931].
*
الْفَصْلُ الثَّالِثُ:
2602 -
[11] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ،
ــ
يُظن به السوء، ومن يغشاه الناس، فالرهق محركة: ركوب الشر والظلم وغشيان المحارم، فيه رهق، أي: غشيان المحارم من شرب الخمر وغيره، رهقه كفرح: غشيه ولحقه، أرهقه طغيانًا: أغشاه إياه، وألحق ذلك به، قوله تعالى:{فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف: 80].
وقوله: (وفلان وفلانة) أي: كذا وكذا، أي: عاص وفاسق ونحو ذلك.
وقوله: (فما من يوم أكثر) خبر (ما) منصوب أو مرفوع على لغة بني تميم، و (عتيقًا) تمييز والعائد محذوف، أي: فيه، أو جعل اليوم عتيقًا على الإسناد المجازي.
الفصل الثالث
2602 -
[11](عائشة) قوله: (ومن دان دينها) أي: اتخذ دينهم له دينًا.
وقوله: (يقفون بالمزدلفة) ترفعًا على الناس، وكانوا يقولون: نحن أهل اللَّه وقُطَّان حرمه فلا نخرج منه.
وقوله: (وكانوا) أي: قريش (يسمون) بلفظ المجهول (الحمس) بضم الحاء المهملة وسكون الميم جمع أحمس، من الحماسة بمعنى الشجاعة والشدة، ويقال
فَكَانَ (1) سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم (2) أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ، فَيَقِفُ بِهَا، ثُمَّ يُفِيضُ مِنْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1665، م: 1219].
2603 -
[12] وَعَنْ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمَغْفِرَةِ، فَأُجِيبَ: أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ مَا خَلَا الْمَظَالِمَ،
ــ
للعام الشديد: سنة حمساء، وسنون أَحامِسُ، حمس كفرح: اشتد وصلب في الدين والقتال، فهو حَمِسٌ وأَحمسٌ، وهي حمساء، والحُمْس: الأمكنة الشديدة، وبه لقب قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهلية؛ لتحمسهم في دينهم، أو لالتجائهم إلى الحمساء، وهي الكعبة، لأن حجرها أبيض إلى السواد وهو يكون شديدًا.
وقوله: (ثم يفيض منها) من الإفاضة بمعنى الدفع في السير بكثرة، وأصله من أفضت الماء: إذا صببته بكئرة، والخطاب في {ثُمَّ أَفِيضُوا} لقريش، ويلزم منه الأمر للمسلمين أيضًا.
2603 -
[12](عباس بن مرداس) قوله: (وعن عباس بن مرداس) بكسر الميم وسكون الراء.
وقوله: (ما خلا المظالم) أي: حقوق الناس، جمع مظلمة بكسر لام وفتحها، وقد ينكَر الفتح، وقيل: بضم اللام أيضًا، وهي ما تطلبه من عند الظالم مما أخذه منك بغير حق، وهي في الأصل مصدر بمعنى الظلم، وقيل: جمع مَظْلِم بكسر اللام،
(1) في نسخة: "وكان".
(2)
سقطت التصلية في نسخة.
فَإِنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ قَالَ: "أَيْ رَبِّ، إِنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَغَفَرْتَ لِلظَّالِمِ"، فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّتَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ، فَأُجِيبَ إِلَى مَا سَأَلَ. قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ: تَبَسَّمَ- قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنَّ هَذِهِ لَسَاعَةٌ مَا كُنْتَ تَضْحَكُ فِيهَا، فَمَا الَّذِي أَضْحَكَكَ، أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ؟ قَالَ:"إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ، لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدِ اسْتَجَابَ دُعَائِي، وَغَفَرَ لأُمَّتِي، أَخَذَ التُّرَابَ، فَجَعَلَ يَحْثُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ جَزَعِهِ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ،
ــ
والمظالم أعم من أن تكون مالية أو عَرْضية.
وقوله: (فإني آخذ) بلفظ اسم الفاعل من الأخذ، وقد يروى بلفظ التكلم.
وقوله: (فلم يجب) بلفظ الغائب المجهول، والضمير لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (فأجيب إلى ما سأل) قيل: (إلى) بمعنى اللام، يمكن أن يكون لتضمين نحو معنى الرجوع والوصول.
وقوله: (ما كنت تضحك فيها) أي: من شأنها أن لا تضحك فيها، أو المراد: في مثلها مما يبكى ويتضرع فيه، وإلا لم ير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هذه الساعة قبلُ، لأنه لم يحج إلا أول حجتها، وإن قيل: إنه صلى الله عليه وسلم قد حج قبل عهد الإسلام، فأبو بكر وعمر لم يرياه.
وقوله: (يحثوه) أي: التراب، أي: يجعله ويلقيه على رأسه بكفه، (ويدعو بالويل والثبور) أي: يقول: يا ويلاه يا ثبوراه، والويل: حلول الشر، وهي كلمة عذاب، واسم واد في جهنم، والثبور: الهلاك.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي: كِتَابِ "الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ" نَحْوَهُ. [جه: 3047].
* * *
ــ
اعلم أنهم قالوا: إن المراد بـ (الأمة) ههنا هم الواقفون بعرفة، ومن ههنا قيل: إن الحج يكفِّر حقوق العباد أيضًا، وقال الطبراني: هو محمول على الظالم الذي تاب وعجز عن وفاء الحقوق، وروى البيهقي نحو هذا الحديث، وقال: وله شواهد كثيرة، إن صحت فهي حجة، وإلا فقول اللَّه سبحانه:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء: 48] كاف، والظلم داخل فيما دون الشرك.
وقال في (المواهب اللدنية)(1): قال الترمذي في الحديث الصحيح: (من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه): وهو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحقوق اللَّه تعالى خاصة دون العباد، ولا يُسقط الحقوق أنفسها، فمن كان عليه صلاة أو كفارة ونحوها من حقوق اللَّه تعالى لا تسقط عنه؛ لأنها حقوف لا ذنوب، وإنما الذنب تأخيرها، فنفس التأخير يسقط بالحج لا هي أنفسها، فالحج المبرور يُسقط إثم المخالفة لا الحقوق.
وقال ابن تيمية (2): من اعتقد أن الحج يسقط ما وجب عليه من الحقوق كالصلاة يستتاب وإلا قتل، ولا يُسقط حق الآدمي بالحج إجماعًا، انتهى.
وفي هذا من التشديد والتضييق ما لا يخفى، والمشهور أن حقوق اللَّه مغفورة بالحج، وفي حقوق العباد خلاف، والجمهور على أنه لا يغفر، وفضل اللَّه واسع، وظاهر الحديث عام، واللَّه أعلم.
(1)"المواهب اللدنية"(4/ 442).
(2)
انظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (5/ 384).