الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - باب الإحرام والتلبية
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
2540 -
[1] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1539، 271، م: 1189 ، 1190].
ــ
1 -
باب الإحرام والتلبية
الإحرام والتحريم: جعل الشيء حرامًا، ومنه تحريمة الصلاة، والتاء للنقل، أو بتقدير التكبيرة، ويجوز أن يكون من أحرم بمعنى: دخل في الحرم، ولما كان عقد الإحرام سببًا لاستباحة دخوله سمي به.
الفصل الأول
2540 -
[1](عائشة) قوله: (ولحلّه) أي: خروجه من الإحرام، حل وأحل بمعنى، وقد وقع في بعض الروايات:(لإحلاله).
وقوله: (قبل أن يطوف بالبيت) فإن الحاج بعد رمي جمرة العقبة يخرج من الإحرام، ويحل له كل شيء سوى النساء.
وقوله: (وبيص الطيب) بالصاد المهملة: بريقه، يقال: وَبَصَ البرقُ يَبِصُ وَبْصًا ووبيصًا: لمع وبرق، وفيه مبالغة في بقاء أثر الطيب، و (المفارق) جمع مفرق بمعنى موضع الفرق وهو وسط الرأس، والجمع باعتبار نواحيه وأطرافه وأجزائه.
وفي الحديث دليل على أن للمحرم أن يتطيب قبل إحرامه بطيبٍ يبقى أثره عليه بعد الإحرام، وأن بقاءه بعد الإحرام لا يضره، وهو المشهور من مذهبنا لهذا الحديث؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأن الممنوع التطيب، والباقي بعده كالتابع له لاتصاله به بخلاف الثوب؛ لأنه مباين فلا يصح اعتباره تبعًا، وأيضًا يُعدُّ الرجل بعد بقاء الثوب على بدنه لابسًا، ولا يُعدُّ بعد بقاء الطيب متطيبًا، وكذا لو حلف لا يتطيب فدام على طيب يجده لم يحنث، ولو حلف لا يلبس فدام عليه حنث. وعن محمد أنه يكره إذا تطيب بما تبقى عينُه بعد الإحرام، وهو قول مالك والشافعي؛ لأنه منتفع بالطيب بعد الإحرام.
وجعل الطيبي (1) الإباحة قول الشافعي، والكراهة قول مالك، وإيجاب الفدية قول أبي حنيفة، والمذكور في (الهداية)(2) وشروحه ما ذكرناه.
وفي (شرح كتاب الخرقي)(3): سئل عبد اللَّه بن عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرمًا؟ فقال: ما أحب أن أصبح محرمًا أنضح طيبًا؛ لأن أُطلى بقطرانٍ أحبُّ إليّ [من] أن أفعل ذلك، فبلغ ذلك عائشة فأنكرت ذلك من ابن عمر، وقال مسلم بن صبيح: رأيت ابن الزبير وهو محرم وفي رأسه ولحيته من الطيب [ما لو كان لرجل لاتخذ منه رأس مال]، وما جاء في حديث يعلى بن أمية: أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا وهو مصفِّر لحيته ورأسه وعليه جبة، فقال:(انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة)، متفق عليه، وفي رواية أبي داود:(اغسل عنك أثر الخلوق)، فذلك محمول على أنه كان زعفرانًا، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل، وإذا نهى عن ذلك في غير الإحرام ففيه أجدر، انتهى.
(1) انظر: "شرح الطيبي"(5/ 234).
(2)
انظر: "الهداية"(1/ 134).
(3)
"شرح الزركشي على مختصر الخرقي"(3/ 76).
2541 -
[2] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّدًا، يَقُولُ:"لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ"، لَا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5915، م: 1184].
2542 -
[3] وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، وَاسْتَوَتْ بِهِ ناقتهُ قَائِمَةً، أَهَلَّ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2865، م: 1187].
ــ
2541 -
[2](ابن عمر) قوله: (ملبدًا) بلفظ اسم الفاعل من التلبيد، وهو أن يجعل المحرم في رأسه شيئًا من صمغ أو غيره ليتلبد شعره وينضم بعضه ببعض دفعًا للشعث.
وقوله: (إن الحمد لك) بكسر (إن) وهو أظهر معنًى ورواية، وقد تفتح الهمزة ولعله بتقدير: لأن الحمد.
2542 -
[3](عنه) قوله: (في الغرز) بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها زاي: ركاب الرجل من جلد، وإذا كان من خشب أو حديد فهو ركاب.
وقوله: (واستوت به ناقته) أي: رفعته مستويًا على ظهرها، وهذا الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لبَّى بعد استوائه على ظهرها، وبه أخذ الشافعي، وعندنا يُلبِّي بعد الصلاة، وهو قول مالك، قال في (الهداية) (1): ثم يلبي عقيب صلاته لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لبّى في دبر صلاته، فإن لبى بعد ما استوت به راحلته جاز، ولكن الأول أفضل لما روينا، والمشهور في مذهب أحمد بعد الصلاة، والمختار عند بعض أصحابه عند الاستواء.
(1)"الهداية"(1/ 135).
2543 -
[4] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1247].
2544 -
[5] وَعَنْ أَنَسٍ: قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّهُمْ لَيَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 2986].
2545 -
[6] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ،
ــ
وفي (شرح كتاب الخرقي)(1): أنه روى سعيد بن جبير قال: قلت لعبد اللَّه بن عباس: يا ابن العباس! عجبت لاختلاف أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في إهلال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم! فقال: إني لأَعلمُ الناسِ بذلك، أهلّ بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام فحفظت عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهلّ، فقالوا: إنما أهل حين استقلت به ناقته، ثم مضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلما علا على شرف البيداء أهلّ، وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنما أهل حين علا من البيداء، وايم اللَّه لقد أوجب في مصلَّاه [وأهلَّ حين استوت به ناقته، وأهل حين علا على شرف البيداء]، رواه أبو داود (2)، وبما ذكر يحصل به التوفيق بين الروايات.
2543 -
[4](أبو سعيد الخدري) قوله: (نصرخ بالحج صراخًا) هذا الحديث يدل على أنهم كانوا مُفْردين بالحج.
2544 -
[5](أنس) قوله: (وإنهم ليصرخون بهما) يدل على كونهم قارنين.
2545 -
[6](عائشة) قوله: (فمنا من أهل بعمرة. . . إلخ)، يدل على أن
(1)"شرح الزركشي على مختصر الخرقي"(3/ 96).
(2)
"سنن أبي داود"(رقم: 1770).
وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ،
ــ
بعضهم كانوا متمتعين، وبعضهم كانوا قارنين، وبعضهم مفردين بالحج (1)، وكذلك اختلفت الأخبار والروايات في فعله صلى الله عليه وسلم: هل كان قارنًا؟ وفيه أكثر الأحاديث الصحيحة الصريحة مروية عن سبعة عشر من عظام الصحابة، أو مفردًا بالحج؟ وفيه أيضًا أحاديث كثيرة، وجاءت أحاديث صحيحة في التمتع أيضًا، وذكروا في توفيقها وترجيح كونه قارنًا وجوهًا متعددة، وقد ذكرناها في (شرح سفر السعادة)(2) مستوفى، فلينظر ثمة،
(1) أجمعث الأمة على جواز كل من الأقسام الثلاثة مع الاختلاف في الأفضلية، فعند الإمام أحمد في ذلك روايتان: أفضلية التمتع ثم الإفراد ثم القران، الثانية: إن ساق الهدي فالقران أفضل، وإن لم يسق فالتمتع أفضل. ومختار المالكية أفضلية الإفراد ثم القران ثم التمتع، وعن الشافعية في ذلك ثلاث روايات، وقال النووي: والصحيح تفضيل الإفراد ثم التمتع ثم القران، لكن أفضلية الإفراد مشروطة بأن يعتمر في هذه السنة وإلا فهما أفضل منه، ومختار الحنفية أفضلية القران ثم التمتع ثم الإفراد. ثم بعد ذلك اختلفوا في حجه عليه الصلاة والسلام فقال النووي: وأما حجة النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا فيها هل كان مفردًا أم متمتعًا أم قارنًا؟ وهي ثلاثة أقوال للعلماء بحسب مذاهبهم السابقة، وكل طائفة رجحت نوعًا وادعت أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت كذلك، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان أولًا مفردًا ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك وأدخلها على الحج فصار قارنًا، انتهى. وقد اختلفت روايات الصحابة في حجه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، هل كان مفردًا أم قارنًا أم متمتعًا؟ وروي كل منها في البخاري ومسلم وغيرهما، وطريق الجمع بينها ما ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم كان أولًا مفردًا ثم صار قارنًا، فمن روى الإفراد هو الأصل، ومن روى القران اعتمد آخر الأمر، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق، وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث كلها. انظر:"جزء حجة الوداع"(ص: 63)، و"أوجز المسالك"(6/ 504)، و"بذل المجهود"(7/ 100).
(2)
"شرح سفر السعادة"(ص: 330).
وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1562، م: 1211].
2546 -
[7] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1691، م: 1227].
ــ
واللَّه أعلم.
2546 -
[7](ابن عمر) قوله: (تمتع بالعمرة إلى الحج) أي: استمتع وانتفع بالتقرب إلى اللَّه بالعمرة قبل الانتفاع بتقربه بالحج في أشهره، وقيل: معناه: استمتع بعد التحلل من عمرته باستباحة محظورات الإحرام إلى أن يحرم بالحج، هكذا فسر البيضاوي (1) قوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]، وحاصله تضمين معنى الانضمام للتعدية بكلمة إلى.
ولا بد أن نشير مجملًا إلى معنى القران والتمتع والإفراد؛ فالإفراد (2): أن يحرم بالحج أو العمرة منفردًا، والقران: أن يحرم لهما معًا، فيعتمر أولًا ويبقى على إحرامه ويحج، والتمتع: أن يحرم للعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحج من عامه، وفضله أنه أحرز الفضيلتين في عام واحد، وحكمه أنه إن ساق الهدي بقي على إحرامه، وإن لم يسق يحل، كما يأتي بيانه في (باب حجة الوداع)، وعندنا القران أفضل، ثم التمتع، ثم الإفراد.
(1)"تفسير البيضاوي"(1/ 110).
(2)
قال في "المغني"(5/ 94): هو الإحرام مفردًا من الميقات.