الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
2416 -
[1] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ أَحَدُكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْم اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ،
ــ
بمعنى أنه يجب الإحرام وقت وصوله إلى ذلك الموضع، وهذه الدعوات المذكورة في الباب بعضها من جهة الوقت، وبعضها من جهة الحال كالاستعاذة في حالة الغضب ونحوه، لكنه يستلزم الوقت، وقد يفرق بين الوقت والحال كما قيل: أوقات الإجابة: ليلة الجمعة، ووقت السحر، وساعة الجمعة، وأحوالها: عند النداء للصلاة، وبين الأذان والإقامة، وعند الصف في سبيل اللَّه، بمعنى أن المنظور في الإجابة هي الحالة لكنه مستلزم للوقت، وكما أن الباعث على الدعاء هو حال الغضب لإزالته، لكنه يستلزم الوقت، فهذا الاعتبار يجوز أن يكتفى بالأوقات، ويجوز أن يزاد الأحوال أيضًا، فافهم (1).
الفصل الأول
2416 -
[1](ابن عباس) قوله: (لو أن أحدكم): (لو) للتمني أو للشرط، وجوابه
(1) قال القاري (4/ 1676): اعلم أن كل ما ورد من الشارع في زمن أو حال مخصوص يسن لكل أحد أن يأتي به لذلك ولو مرة للاتباع، قال ابن حجر: بل ويكون أفضل من غيره حتى القرآن، وإن ورد لذلك الغير فضل أكثر من هذا؛ لأن في الاتباع ما يربو على غيره، ومن ثم قالوا: صلاة النافلة في البيت أفضل منها في المسجد الحرام، وإن قلنا بالأصح أن المضاعفة تختص به، اهـ. وفيه بحث لأنه بإطلاقه غير صحيح؛ لأن الدعوات والأذكار المسنونة المعينة في حال كالركوع والسجود وأمثالها لا شك أن الإتيان بها أفضل من تلاوة القرآن حينئذ، وأما غيرها من الأذكار والدعوات سواء تكون معينة أو مطلقة فلا نقول: إنها أفضل من القرآن؛ لقوله عليه الصلاة والسلام حكاية عن ربه: "من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"، انتهى.
وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا (1) ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3271، 3283، م: 1434].
2417 -
[2] وَعَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: "لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم، لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6345، م: 2730].
ــ
محذوف، أي: لو ثبت مضمون هذه الشرطية كان خيرًا.
وقوله: (ما رزقتنا) أي: من الولد.
وقوله: (فإنه. . . إلخ) علة الجزاء، ويجوز أن يكون هو الجزاء، فافهم.
وقوله: (في ذلك) أي في: ذلك الإتيان، أو في ذلك الوقت.
2417 -
[2](عنه) قوله: (عند الكرب) في (القاموس)(2): الكرب: الحزن يأخذ بالنفس، كالكربة بالضم، والجمع: كروب، وكرَبَه الغمُّ فاكترب فهو مكروب وكَريب، فإن قيل: ليس فيه دعاء؟ قلت: الدعاء قد يكون صريحًا كما يقول: اللهم أعطني، وقد يكون تعريضًا كما إذا أثنى على اللَّه تعالى؛ فإن الثناء على الكريم سؤال كما قال:
إذا أثنى عليك المرء يومًا
…
كفاه مِن تَعَرُّضه الثناء
وقد قال صلى الله عليه وسلم: [قال تعالى]: (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي
(1) قال القاري (4/ 1676): فيه إيماء إلى حسن خاتمة الولد ببركة ذكر اللَّه في ابتداء وجود نطفته في الرحم، فالضر مختص بالكفر، أو لم يضر ذلك الولد شيطان بالجنون والصرع ونحوهما، انتهى.
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 133).
2418 -
[3] وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا، قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي لأَعْلَمُ كلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يجِدُ: أَعُوذ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم"، فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: لَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6115، م: 2610].
2419 -
[4] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ. . . . .
ــ
السائلين) (1).
2418 -
[3](سليمان بن صرد) قوله: (وعن سليمان بن صرد) بضم الصاد المهملة وفتح الراء.
وقوله: (ما يجد) أي: الغضب.
وقوله: (أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم) بدل من (كلمة)، وفي بعض الروايات:(لو قال: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم)، فجزاؤه محذوف، والجملة بدل من قوله:(لو قالها لذهب عنه)، كذا قال الطيبي (2).
وقوله: (إني لست بمجنون) هذا من عدم تهذب أخلاقه وجهله، فإن الغضب من نزغات الشيطان، ويحتمل أن يكون ذلك الرجل من المنافقين أو من جفاة العرب، كذا قالوا.
2419 -
[4](أبو هريرة) قوله: (إذا سمعتم صياح الديكة) بفتح تحتية جمع
(1) أخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد"(ص: 109)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(29271)، والبيهقي في "الشعب"(567)، و"فضائل الأوقات"(194).
(2)
"شرح الطيبي"(5/ 116).
فَسَلُوا (1) اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم؛ فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3303، م: 2729].
2420 -
[5] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى السَّفَرِ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: " {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)} [الزخرف: 13 - 14]، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ لَنَا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ،
ــ
ديك كقردة وقرد، وسر الدعاء عند صياحها رجاء التأمين من الملائكة التي رأتها.
واعلم أنه قد ورد في فضل الديك -خصوصًا في فضل الأبيض منه- أحاديث تكلموا فيها، وقالوا: إنها ضعيفة، وحكم ابن الجوزي بأنها موضوعة، وقد ذكرناها في "شرح سفر السعادة"(2).
2420 -
[5](ابن عمر) قوله: (كان إذا استوى على بعيره) أي: استقر على ظهره، وقوله:{وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي: مطيقين، من أقرن الشيء: إذا أطاقه، وأصله: وجده قرينه، إذ الصعب لا يكون قرين الضعيف، أي: ما كنا مطيقين قهره واستعماله لولا تسخير اللَّه إياهم لنا، وقرئ بالتشديد والمعنى واحد، {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} أي: راجعون، واتصاله بذلك؛ لأن الركوب للتنقل، والنقلة العظمى هو
(1) في نسخة: "فاسألوا".
(2)
انظر: "شرح سفر السعادة"(ص: 421).
اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءَ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ"، وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ: "آيبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1342].
2421 -
[6] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذَا سَافَرَ يتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءَ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ،
ــ
الانقلاب إلى اللَّه تعالى، أو لأنه مخطر فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه، ويستعدَّ للقاء اللَّه، كذا في (تفسير البيضاوي)(1)، يعني: مِن شكر هذه النعمة أن يذكر عاقبة أمره، ويعلم أن استواءه على مركب الحياة كاستوائه على ظهر ما سخر له ما لم يكن في المبدأ مطيعًا له، ولا تجد في المنتهى بدًّا من النزول عنه.
و(الوعثاء) المشقة، والوَعْث: المكان السهل الدَّهِس تغيب فيه الأقدام وتعثر، (والكآبة) بفتح الكاف ومد الألف: الغم وسوء الحال، والانكسار من حزن، كئب كسمع فهو كئيب، (وسوء المنقلب) بفتح اللام، والمعنى: أن يصيب غم بسبب أن نرى في أهلنا وأموالنا من المكاره، وأن يرجع من سفره بأمر يحزنه بآفة أصابته من سفره، أو يعود غير مرضيِّ الحالة ومقضي الحاجة، أو أصابت ماله آفة، أو يجد أهله غير مرضيٍّ، أو فقد بعضهم.
2421 -
[6](عبد اللَّه بن سرجس) قوله: (وعن عبد اللَّه بن سرجس) بسينين مهملتين مفتوحتين وراء ساكنة وجيم مكسورة (2)، كذا في (المشارق)(3)، وقد مرّ الكلام في هذه اللفظة في (الفصل الثاني) من آداب الخلاء.
(1)"تفسير البيضاوي"(2/ 370).
(2)
وقيل: بفتح الجيم مصروفًا. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1681).
(3)
"مشارق الأنوار"(2/ 399).
وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1343].
2422 -
[7] وَعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيم قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلهِ ذَلِكَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2709].
ــ
وقوله: (والحور بعد الكور) الحور: الرجوع والنقصان، والمراد الاستعاذة من النقصان بعد الزيادة، وقيل: من فساد الأمور بعد صلاحها، وقيل: من الرجوع عن الجماعة بعد أن كان منهم، وأصله من نقض العمامة بعد لفها، وروي:(بعد الكون) بالنون من كان التامة، أي: الرجوع من الحالة المستحسنة بعد أن كان عليها ومن التغير بعد الثبات.
وقال في (المشارق)(1): (من الحور بعد الكور) بفتح الحاء والكاف بِراء في آخرهما، كذا رواه العذري وابن الحذاء، ويروى (الكون) بالنون في الحرف الآخر وهي رواية الباقين، يقال: كار عمامته إذا لفها، وحارها إذا نقضها، ويقال: حار إذا رجع، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} أي: لفت كما يلف الثوب.
2422 -
[7](خولة بنت حكيم) قوله: (وعن خولة) بفتح المعجمة وسكون الواو.
وقوله: (بكلمات اللَّه التامات) أي: الكاملات لا يدخلها نقص، قيل: المراد بها كلمات القرآن، وقيل: أسماؤه وصفاته تعالى.
(1)"مشارق الأنوار"(1/ 421).
2423 -
[8] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ، قَالَ:"أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2709].
2424 -
[9] وَعَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَأَسْحَرَ يَقُولُ: "سَمِعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللَّهِ. . . . .
ــ
2423 -
[8](أبو هريرة) قوله: (ما لقيت) استفهام بطريق التعجب، ويحتمل أن تكون موصولة، والخبر محذوف، أي: لا أقدر وصفه، و (البارحة) الليلة الماضية، فإذا قال قبل الزوال يقول: الليلة، وإذا قال بعده يقول: البارحة، و (العقرب) مؤنث.
2424 -
[9](عنه) قوله: (وأسحر) أي: دخل في وقت السحر أو سار إلى وقت السحر.
وقوله: (سمع سامع) روي بفتح الميم وتشديدها من التسميع بمعنى الإسماع للغير، وبكسرها وتخفيفها من السمع، وعلى الوجهين هو خبر بمعنى الأمر، فالمعنى على الأول: ليبلِّغ سامع قولي هذا إلى غيره ليتبعني في الحمد والذكر والدعاء في هذا الوقت، وعلى الثاني: ليسمع السامع ليتبع ويشهد على حمدنا اللَّه تعالى، قال التُّورِبِشْتِي (1): إن الذهاب فيه إلى الخبر أقوى بظاهر اللفظ، والمعنى: أن من كان له سمع فقد سمع بحمد اللَّه وإفضاله علينا، وإن كلا الأمرين قد اشتهر واستفاض حتى لا يكاد يخفى على ذي سمع، انتهى كلامه، ويشير إلى أن على الوجه الأول الحمل على الأمر أولى، ولا يخفى أن الحمل على الخبر لمثل ما ذكر جارٍ فيه أيضًا بمعنى:
(1)"كتاب الميسر"(5/ 565).
وَحُسْنِ بَلَائِهِ عَلَيْنَا، رَبَّنَا صَاحِبْنَا، وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذًا بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ [م: 2718].
2425 -
[10] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. . . . .
ــ
أنه لما كان هذا أمرًا يقينيًّا لشأنه ويهتم بتبليغه، فكأنه بلَّغه مَن سمعه، فافهم.
وقوله: (حسن بلائه علينا) أراد بالبلاء الاختبار، واللَّه سبحانه يبلو عباده تارة بالمضارِّ ليصبروا، وتارة بالمسارِّ ليشكروا، وكلاهما نعمة باعتبار حصول التعرف وترتب الأجر وكمال الإيمان، والمراد بالمصاحبة: العناية والكلاءة.
وقوله: (وأفضل) أي: أحسن علينا، طلبٌ لمزيد العناية وإدامةِ النعمة وحصول البركة، ووقع في المأثور عن بعض السلف: اللهم كما أنعمت فزد، وكما زدت فأدم، وكما أدمت فبارك، وأتم العناية وأهمها التوفيق لأداء شكر النعمة والقيام بحقوقها، وفيه إشارة إلى أن العبد مع وجود إفاضة النعم وتواليها غير مستغن عن طلب المزيد، فإن كان من استغنائه باللَّه أكثر كان افتقاره إليه أشد.
وقوله: (عائذًا باللَّه) اسم فاعل أقيم مقام المصدر، أي: نعوذ عياذًا، كقولهم: قمت قائمًا، أي: قيامًا، أو حال من فاعل (يقول)، ويكون من كلام الراوي، ويجوز أن يكون من كلام الرسول، والتقدير: أقول هذا عائذًا باللَّه من النار، فيكون جمعًا بين الرجاء والخوف، وقال التُّورِبِشْتِي (1): الرواية فيه بالرفع والنصب، فالرفع بتقدير: أنا عائذ، والنصب على المصدر أو الحال.
2425 -
[10](ابن عمر) قوله: (إذا قفل) أي: رجع، والقفول الرجوع، ومنه
(1)"كتاب الميسر"(2/ 566).
يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ،
ــ
سميت القافلة تفاؤلًا برجوعه وعوده إلى الوطن، و (الشرف) محركًا: العلو، أو المكان العالي، والتقييد بقوله:(إذا قفل) لمكان قوله: (آيبون تائبون) وإلا فالتكبير على الشرف سنة مستمرة في كل حال غير مقيد بحال القفول، وقال التُّورِبِشْتِي (1): وجه التكبير في الأماكن العالية هو استحباب الذكر عند تجدد الأحوال والتقلب فيها، وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الزمان والمكان، وذلك لأن اختلاف أحوال العبد في الصباح والمساء والصعود والهبوط وما أشبه ذلك مما لا ينبغي أن ينسى ربه عند ذلك؛ فإنه هو المتصرف في الأشياء، والمقلب للأحوال بقدرته، والمدبر لها بجميل صنعه، انتهى.
وقيل: ويجوز أن يكون الوجه في تشريع ذلك: أنه لِمَا حصل بالصعود على الشرف من العلو والارتفاع الحسيِّ، وحصل من ذلك شيء في النفس، رفع ذلك بشهود كبرياء الحق وعظمته، ويجوز أن يكون ذلك بذكر العارف كبرياء اللَّه تعالى من غير أن يحصل من ذلك في نفسه شيء من الكبر، وهذا أحسن وأوفق بحاله صلى الله عليه وسلم، ويأتي في آخر (الفصل الثالث) التسبيح عند النزول.
قد ورد في بعض الأخبار أنه كان يهلل الهبوط، وذلك لِمَا يحصل به من الذلة والانكسار والتنزل، فينزه الحق سبحانه عنه.
ويحتمل أن يكون معنى: قوله: (ثم يقول) بملاحظة معنى: ثم إنه كان يقول
(1)"كتاب الميسر"(2/ 567).
وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1797، م: 1344].
2426 -
[11] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اللَّهُمَّ اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2933، م: 1742].
2427 -
[12] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي، فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَامًا وَوَطبَةً،
ــ
بعد الهبوط، فافهم واللَّه أعلم.
وقوله: (وهزم الأحزاب) جمع حزب بمعنى طائفة من الناس، ومنه تسمية غزوة الخندق بيوم الأحزاب لاجتماع طوائف من المشركين وقبائل من اليهود، واتفاقهم على محاربة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (وحده) تلميح إلى قوله تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25].
2426 -
[11](عبد اللَّه بن أبي أوفى) قوله: (اللهم اهزمهم) فهزمهم اللَّه تعالى بأن أرسل عليهم ريحًا وجنودًا لم يروها كما ورد في سورة الأحزاب.
وقوله: (وزلزلهم) أي: اجعل أمرهم مضطربًا متقلقلًا.
2427 -
[12](عبد اللَّه بن بسر) قوله: (ووطبة) روي هذا اللفظ على أنحاء شتى، واختلف في أن أيها أصح، وقال القاضي عياض في (المشارق) (1) في حرف الواو:[و (وَطيئة)] بكسر الطاء وهمزة بعدها ممدود، هو التمر يُخْرَج نواه ويعجن باللبن،
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 487، 1/ 567).