الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
2659 -
[1] عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ،
ــ
طلب المرأة.
وأيام التشريق: الثلاثة بعد يوم النحر، والتشريق: تقديد اللحم وبسطه في الشمس ليجفّ، ومنه سمي أيام التشريق لأن لحوم الأضاحي كانت تشرَّق فيها بمنى، أو لأن الهدي لا ينحر حتى تطلع الشمس، فيكون من الشروق بمعنى ضوء الشمس وسطوعها، ومنه حديث (من ذبح قبل التشريق فليعد) أي: قبل أن يصلي العيد، وهو لأن وقتها بعد شروق الشمس.
والمراد بالتوديع الإتيان لطواف الوداع لتوديع الكعبة -زادها اللَّه شرفا-، أو توديع الناس، وقوله صلى الله عليه وسلم:(لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)، بهذا المعنى سميت حجة الوداع، وقوله:(اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب).
الفصل الأول
2659 -
[1](أبو بكرة) قوله: (إن الزمان) يعني السنة، (قد استدار) أي: عاد إلى موضعه الذي ابتدأ، و (يوم) متعلق بـ (هيئته).
وقوله: (السنة اثنا عشر شهرًا) بيان للاستدارة على تلك الهيئة، قال اللَّه تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]، ومعنى الحديث: أن العرب كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر ليقاتلوا فيه، فيفعلون ذلك في كل سنة، وذلك النسيء المذكور في القرآن
ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ". . . . .
ــ
في قوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} الآية [التوبة: 37]، قال: النسيء: شهر كانت تؤخره العرب في الجاهلية، فنهى اللَّه عنه، وذلك يحصل من كبيسة العرب وهي السنة التي يسرق منها يوم، وذلك في كل أربع سنين، ويجيء السنة بها بعد سنين ثلاثة عشر شهرًا، والسنة التي حج فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد عاد إلى زمنه المخصوص به قبل، واستدارت كهيئتها الأولى، وعاد المحرم إلى أصله، وكذا كل شهر قبل، ولذلك أخَّر النبي صلى الله عليه وسلم الحج تلك السنة؛ ليقع حجه في ذي الحجة.
والتاء في (أربعة) باعتبار الأشهر، وحذفها في (ثلاث) باعتبار ابتداء الشهور من الليالي، كذا قالوا، و (ذو القعدة) بفتح القاف، وقد يكسر، شهر كانوا يقعدون فيه عن الأسفار، و (ذو الحجة) بالكسر، شهر الحج، كذا في (النهاية)(1)، وقد فتح في بعض النسخ.
وقال في (المشارق)(2): ذو الحجة بفتح الحاء، ولا يجوز الكسر عند الأكثر، وأجازه بعضهم، وأما اسم الحج فالحجة بالفتح، والمرة الواحدة منه حِجة بالكسر، ولم يأت فِعْلة بالكسر في المرة الواحدة إلا في هذه، والباب كله فَعْلة بالفتح.
وقوله: (ورجب مضر) مضر بن نزار، كزفر، أبو قبيلة، سمي لولعه بشرب المضر، وهو اللبن الحامض، أو لبياض لونه، وإنما أضافوا رجب إليها لأنها كانت أشدَّ محافظةً على تحريمه.
وقوله: (الذي بين جمادى وشعبان) زيادة بيان، وجمادى بضم الجيم.
(1)"النهاية"(1/ 341).
(2)
"مشارق الأنوار"(1/ 283).
وَقَالَ: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. فَقَالَ:"أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ:"أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟ ". قُلْنَا بَلَى. قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ ! قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ،
ــ
وقوله: (أيّ شهر هذا؟ ) تمهيد وتأسيس لبيان المقصد وتقريره في أذهانهم، وليس المقصود حقيقة الاستفهام.
وقوله: (اللَّه ورسوله أعلم) تأدب وإحالة للعلم باعتبار احتمال تسميته بغير اسمه.
وقوله: (أليس البلدة؟ ) قيل: إن البلدة اسم خاص بمكة كالبيت بالكعبة غلبة لكمالهما، وبَلَدَ بالمكان: إذا أقام.
وقوله: (وأعراضكم) جمع عرض بالكسر، وهو موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره، وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحَسَبه، ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب، كذا في (النهاية)(1)، وزاد في (القاموس) (2): أو ما يفتخر به من حسب وشرف، وقد يراد به الآباء والأجداد، انتهى.
(1)"النهاية"(3/ 209).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 595).
أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ " قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1741، م: 1679].
2660 -
[2] وَعَنْ وَبَرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ: مَتَى أَرْمِي الْجِمَارَ؟ قَالَ: إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهِ، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ المَسْأَلَةَ، فَقَالَ: . . . . .
ــ
وقد يفسر العرض بالنفس وبالأخلاق النفسانية، وقيل: ذلك مجاز إطلاقًا للمحل على الحالِّ فِي الأول، واللازِمِ على الملزوم في الثاني، فتدبر.
وقوله: (فلا ترجعوا) أي: لا تصيروا بعدي، أي: بعد مفارقتي من الدنيا (ضلالًا) جمع ضال، ويروى:(كفارًا)، والمقصود النهي عن الظلم والتجاوز عن الحد في حفظ حرمة الدماء والأموال والأعراض، وذكروا في توجيه رواية (كفارًا) وجوهًا: أن ذلك كفر في حق المستحِل، أو المراد كفران النعمة وحقِّ الإسلام، أو المراد أنه يقرِّب إلى الكفر ويؤدي إليه، أو أنه فعل شبه فعل الكفار، وقيل: المراد بالكفر لبس السلاح، يقال: تكفَّر الرجل بسلاحه: إذا لبسه، أو المراد: لا يكفِّر بعضكم بعضًا.
وقوله: (يضرب بعضكم رقاب بعض) تخصيص للاهتمام، و (مبلغ) بفتح اللام والصلة محذوفة، أي: إليه (أوعى) أي: أحفظ وأعلم (من سامع) مني.
2660 -
[2](وبرة) قوله: (وعن وبرة) بفتح الواو وسكون الباء الموحدة، كذا في (جامع الأصول)(1)، وبفتح الباء للكرماني والزركشي، وكذا في (المغني)(2).
وقوله: (إذا رمى إمامك فارمه) الظاهر أن المراد السلطان والأمير النائب في
(1)"جامع الأصول"(12/ 969).
(2)
"المغني في ضبط الأسماء"(ص: 284).
كنَّا نَتَحَيَّنُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 1746].
2661 -
[3] وَعَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي جَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ، فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ طَوِيلًا، وَيَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى بِسَبْعِ حَصَياتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِذَاتِ الشِّمَالِ، فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ،
ــ
إقامة مناسك الحج، لكن بشرط أن يكون أعلم، وكذا فسره الطيبي (1) بقوله: أي: اقتد في الرمي بمن هو أعلم منك بوقت الرمي.
وقوله: (نتحين) أي: نطلب دخول الوقت وننتظره.
2661 -
[3](سالم) قوله: (جمرة الدنيا) من إضافة الموصوف إلى الصفة، وتأويله: جمرة البقعة الدنيا، كجانب الغربي بتأويل: جانب المكان الغربي، وصف بالدنيا لقربه من منازل النازلين عند مسجد الخيف، وهناك كان مناخ النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (حتى يسهل) من أسهل: إذا دخل في السهل من الأرض، وهي ضد الحزن.
وقوله: (طويلًا) روي عن ابن عمر: أنه كان يقوم مقدار ما يقرأ سورة البقرة، وعن بعضهم: حتى تتورم قدماه.
وقوله: (ولا يقف عندها) بل كما رمى انصرف، هكذا السنة، ولهذا قال ابن
(1)"شرح الطيبي"(5/ 319).
فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 1752].
ــ
عمر: (هكذا رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفعله)، وقد عرفتَ أن معظم أركان الحج وأفعاله مما لا يدرك العقل معناه، قال الشيخ ابن الهمام (1): الرِّوايات متظافرة على أنه صلى الله عليه وسلم لم يقف بعد رمي جمرة العقبة، ولا يدرك في تخصيص الوقوف والدعاء بالجمرتين غير هذه الجمرة وجه، وقد يتخيل أن في اليوم [الأول] كانت مشاغل كثيرة من الذبح والحلق والإفاضة إلى مكة، فلم يقف لوجود هذه المشاغل، ولكن هذا المعنى معدوم في الأيام الأخر، إلا أن يقال: جمرة العقبة وقعت في الطريق، فالوقوف فيها يوجب قطع الطريق على المار ويضيقها، وكان موجبًا لشدة ازدحام الواقفين والمارين، ومفضيان إلى لحوق ضرر عظيم بهم بخلاف باقي الجمرات، فإنها ليست في وسط الطريق بل على طرف منها، انتهى.
وقد يقال: إن الدعاء إنما يكون في صلب العبادة لا في انتهائها، والدعاء في صلب العبادة أفضل، وكان أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في التشهد قبل السلام، ورمي الجمرتين الأوليين كان في الوسط، فدعا فيهما، وبعد رمي جمرة العقبة قد انتهت العبادة، وإليه أشار في (الهداية) وذكره في (سفر السعادة).
وهذا كما ترى ضعيف، فقد شرع الدعاء بعد أداء الصلاة وإفطار الصوم، وقد جعل أحد أحوال الإجابة دبر الصلوات المكتوبة وعقيب تلاوة القرآن، والعبد الضعيف كاتب هذه السطور لما تشرف بهذه العبادة ألقي في رُوعه بلا سابقة فكر وتأمل بطريق الإلهام نكتة في عدم الوقوف عند هذه الجمرة، وأرجو أن يكون صوابًا، وهو أن في عدم وقوفه عندها إشارة من الرب الرحيم ورسوله الكريم أن العبد لما بلغ الجهد في
(1)"شرح فتح القدير"(2/ 486).
2662 -
[4] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى، مِنْ أَجْلِ سِقايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1634، 1315].
ــ
العبادة، وسعى في طريق المجاهدة والرياضة، وقف على باب الرحمة ودعا وسأل، وأدى حق الخدمة والطاعة في الجمرتين الأوليين، سهَّل اللَّه تعالى عليه الأمر، وأباح عليه الدعة والراحة بفضله وكرمه، وأفاض عليه آثار رحمته وعفوه ومغفرته، لا سيما في هذه العبادة التي هي الحج المثمرة لغاية آثار الرحمة والمغفرة، فكأنه قال: يا عبادي! قد أتعبتم أنفسكم، وجاهدتم حق الجهاد، اربعوا على أنفسكم، فقد غفرت لكم، وعرضت هذه النكتة على أكابر علماء مكة المعظمة الذين كانوا حاضرين في ذلك المقام خصوصًا شيخنا ومولانا القاضي علي بن قاضي جار اللَّه القرشي الخالدي الشهير بابن ظهير فقبلوه واستحسنوه ودعوا بالبركة لهذا الفقير الحقير، واللَّه أعلم.
2662 -
[4](ابن عمر) قوله: (أن يبيت بمكة ليالي منى) أعلم أن المبيت بمنًى واجب عند جمهور العلماء، وسنة عند الإمام أبي حنيفة، وكذا في رواية عن الشافعي وأحمد، والمعتبر في المبيت أكثر الليل، وكذا في أمثاله مما يندب فيه قيام الليل، وقيل: يكفي في ذلك ساعة، وتمسك القائلون بالسنة بهذا الحديث؛ لأنه لو كان واجبًا لما أذن للعباس في المبيت بمكة، وأجيب بأنه رخصة للضرورة، وقد وقع في بعض الروايات بلفظ الرخصة، وقد يتمسك باستئذان العباس أنه لو لم يكن واجبًا لما استأذن، وجاز ذهابه بلا إذن، وهذا ضعيف؛ لأن مخالفة السنة كان أمرًا خطيرًا عندهم في مثل هذا المقام؛ لاستلزامه مجانبة الناس كلهم، وتركه ملازمة حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن في ترك السنة إساءةً، فالاستئذان لإسقاط تلك الإساءة.
2663 -
[5] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ، فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ، اِذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا، فَقَالَ:"اسْقِنِي" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ. قَالَ:"اسْقِنِي" فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُون وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقَالَ:"اعْمَلُوا، فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالحٍ" ثُمَّ قَالَ: "لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا، لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ". وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 1635].
2664 -
[6] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 1756].
ــ
وقال في (الهداية)(1): البيتوتة بمنى ليست من مناسك الحج وأفعاله المقصودة لذاته، بل ليسهل عليه الرمي في الأيام، وإن بات في غير منى وحضر الرمي لم يلزمه شيء، ولكن كره لترك متابعة فعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان عمر يؤدب على تركه.
2663 -
[5](ابن عباس) قوله: (لولا أن تغلبوا) قد عرف معناه في حديث جابر في قصة حجة الوداع.
2664 -
[6](أنس) قوله: (بالمحصب) متعلق بقوله: (صلى) و (رقد) على سبيل التنازع، و (المحصب) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة المشددة: اسم مكان خارج مكة؛ سمي به لكثرة الحصباء فيه، ويسمى أبطح أيضًا وهو مسيل واسع يكون فيه حصًى دقيقةٌ كما يكون في الأودية، وبهذا سميت مكة بطحاء، ويسمى
(1)"الهداية"(1/ 147).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أيضًا خَيْفَ بني كنانة، والنزول في هذا المكان كان بعد النفر من منى في اليوم الرابع من يوم النحر بعد أيام التشريق، فجاء صلى الله عليه وسلم بهذا المكان، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ورقد بعدها، ثم ركب فأتى البيت، فطاف به طواف الوداع.
واختلفوا في أن التحصيب -وهو النزول في المحصب- سنة أم لا؟ فقال بعضهم -وهو قول ابن عمر-: إنه من سنن الحج وتمام مناسكه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (إنا نازلون غدًا إن شاء اللَّه بخيف بني كنانة حيث تقاسموا -يعني قريشًا- على الكفر)، وتعاهدوا على أن لا يخالطوا بني هاشم وبني المطلب، ولا يناكحوهم، ولا يواصلوهم ولا يبايعوهم، حتى يسلّموا محمدًا إليهم، فقصد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يُظهر شعائر الإسلام في مكان أظهروا شعائر الكفر، ويؤدي شكر نعمة اللَّه وفضله تعالى عليه، وأخرج الطبراني في (الأوسط) (1): عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من السنة النزول بالأبطح في ليلة يوم النفر، وكان رضي الله عنه يأمر بالتحصيب في ليلة يوم النفر.
وقال في (الهداية)(2): الأصح أن نزوله صلى الله عليه وسلم بالمحصب كان قصد إراءة المشركين لطيف صنع اللَّه تعالى به، فصار سنة كالرمل في الطواف، انتهى.
وقيل: إن ذلك ليس بسنة، بل كان أمرًا اتفاقيًا، ضرب أبو رافع خيمته صلى الله عليه وسلم هناك من عند نفسه، لا بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، كما رواه مسلم عنه، وهذا قول ابن عباس حيث قال: التحصيب ليس بشيء، إنما هو منزل نزله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري، وكذا قول عائشة كما يأتي.
(1)"المعجم الأوسط"(3483).
(2)
"الهداية"(1/ 147).
2665 -
[7] وَعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسٍ بْنَ مَالِكٍ قُلْتُ: أَخْبِرْني بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى؟ قَالَ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالأَبْطَحِ. . . . .
ــ
ولكن لا يخفى أنه لما نزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن على سبيل النسك والتعبد فاتباعه أحب وأحسن، وكانوا يفعلونه والخلفاء الراشدون.
وقال محمد في (الموطأ)(1): حدثنا مالك قال: حدثنا نافع، عن ابن عمر: أنه كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصب، ثم يدخل من الليل فيطوف بالبيت، قال محمد: هذا أحسن، ومن ترك النزول بالمحصب فلا شيء عليه، وهو قول أبي حنيفة.
والعبد الضعيف لما حج في خدمة الشيخ الأجل الأكرم الأوحد عبد الوهاب المتقي رحمة اللَّه عليه، ونفر من منى معه إلى المحصب نزل الشيخ به، وصلى الظهر، ثم رقد، ثم صلى العصر، ثم قال: اركبوا، هذا القدر يكفي في إحراز سعادة الاتِّباع، أو قال: يكفي بزائد إن شاء اللَّه، وقوله هذا رحمه الله مبني على ما قيل: إن النزول بالمحصب سنة، ولكن توقفه صلى الله عليه وسلم إلى صلاة العشاء كان لأجل عمرة عائشة كما يأتي، واللَّه أعلم.
2665 -
[7](عبد العزيز بن رفيع) قوله: (وعن عبد العزيز بن رفيع) بلفظ التصغير.
وقوله: (فأين صلى العصر يوم النفر؟ ) بالسكون وقد يفتح. (قال: بالأبطح) ظاهره أن العصر أول صلاة صلاها بالأبطح، فيعارض الحديث السابق، وكأنه وهم
(1)"التعليق الممجد"(2/ 439، 440، رقم: 518).
ثُمَّ قَالَ: افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1653، م: 1309].
2666 -
[8] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نزولُ الأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، إِنَّمَا نزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إِذَا خَرَجَ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1765، م: 1311].
2667 -
[9] وَعَنْهَا قَالَتْ: أَحْرَمْتُ مِنَ التَّنْعِيمِ بِعُمْرَةٍ، فَدَخَلْتُ فَقَضَيْتُ عُمْرتي، وَانْتَظَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالأَبْطَحِ حَتَّى فرَغْتُ، فَأَمَرَ النَّاسَ بِالرَّحِيلِ، فَخَرَجَ، فَمَرَّ بِالْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْح، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ. هَذَا الْحَدِيثُ مَا وَجَدْتُهُ بِرِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ، بَلْ بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي آخِرِهِ. [د: 1755].
2668 -
[10] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ،
ــ
فيه أنس أنه الظهر أو العصر، ولهذا قال:(افعل كما فعل أمراؤك) أو قال [ذلك] لاعتقاده بأنه ليس بسنة، وفي هذا المقام كلام ذكرته في (شرح سفر السعادة).
2666 -
[8](عنها) قوله: (لأنه كان أسمح لخروجه) يعني: يترك به ثقله ومتاعه، ثم يدخل مكة ليكون خروجه منها أسهل.
2667 -
[9](عائشة) قوله: (أحرمت من التنعيم بعمرة) قد مر شرحه في (الفصل الأول) من (باب قصة حجة الوداع) في حديث عائشة.
وقوله: (فطاف به) وذلك طواف الوداع، وليس فيه الرمل ولا بعده السعي.
2668 -
[10](ابن عباس) قوله: (لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) يدل على وجوب طواف الوداع، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد والصحيح
إِلَّا أَنَّهُ خُففَ عَنِ الْحَائِضِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1755، م: 1327].
2669 -
[11] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ، فَقَالَتْ: مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "عَقْرَى حَلْقَى، أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَانْفِرِي"(1). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1771، م: 1211].
ــ
من مذهب الشافعي، وذلك لغير المكي، وسنة عند مالك، وليس بفرض بالاتفاق.
وقوله: (إلا أنه خفف عن الحائض) فليس واجبًا عليها، ولا يلزمها دم، وذلك إن طافت طواف الزيارة، كما يأتي في الحديث الآتي.
2669 -
[11](عائشة) قوله: (ليلة النفر) أي: ليلة يوم النفر.
وقوله: (ما أراني إلا حابستكم) استثناء مفرغ من ثاني مفعولي (أراني)، أي: لا أظنني فاعلة بشيء إلا حابستكم.
وقوله: (عقرى حلقى) العَقْر: الجَرح والقتل والقطع والهلاك، والحَلَق متحركًا: إصابة وجع في الحلق، يروونه غير منون كغضبى وعطشى، حيث هو جار على المؤنث، والمعروف في اللغة التنوين على أنه مصدر محذوف الفعل، أي: حلَقَها [حَلَقًا] وعقرها عَقْرًا، ويقال لأمر يُتَعجب منه: عقرًا حلقًا، وللمرأة إذا كانت مؤذية مشؤومة، ولا يراد حقيقة الدعاء، بل جرت عادتهم بالتكلم بذلك تعجبًا وتلطفًا، كذا في (النهاية).
وقال في (المشارق)(2): (عقرى حلقى) مقصور غير منون مثل سكرى، ومن المحدثين من ينونهما، وهو الذي صوَّب أبو عبيد، قال: معناه: عقرها اللَّه عقرًا، أي:
(1) لأن طواف الصدر ساقط عنها، قاله في "التقرير".
(2)
"مشارق الأنوار"(1/ 197).