الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
13 - باب الإحصار وفوت الحج
ــ
الإهداء له الاصطياد له، وهذا تأويل من قال: لا يأكل مما اصطاد لأجله، وظاهره مطلق، وتورُّع من لم يأكل لاحتمالات أخر من مشاركة محرم في الدلالة أو الإشارة أو الإعانة، واللَّه أعلم.
13 -
باب الاحصار وفوت الحج
في (النهاية)(1): الإحصار: المنع والحبس، أحصره المرض أو السلطان: إذا منعه عن مقصده، وحصره: إذا حبسه، وحصرهم العدو: ضيَّقوا عليهم، وفي (القاموس) (2): الحصر كالضرب والنصر: التضييق والحبس عن السفر وغيرِه كالإحصار.
ثم الإحصار عندنا يتحقق بعدو أو مرض، فإذا أحصر المحرم جاز له التحلل، وقال الأئمة الثلاثة: لا يكون الإحصار إلا بالعدو؛ لأن التحلل بالهدي شرع في حق المحصَر ليحصِّل النجاة، وبالإحلال ينجو من العدو؛ لأنه يرجع إلى أهله فيندفع شر العدو، لا من المرض، فعندهم يقيم المريض على إحرامه، فإن زال العذر وقد فاته الحج يتحلل بعمل العمرة، وتمسكوا بقول ابن عباس رضي الله عنهما: لا حصر إلا حصر العدو، وبقوله:{فَإِذَا أَمِنْتُمْ} [البقرة: 196]، ولأنه نزل بالحديبية.
قلنا: إن الإحصار في اللغة المنع والحبس، سواء كان من عدو أو من مرض، وكذا الآية تشملهما، وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(من كُسِر أو عَرَج فقد حل، وعليه الحج من قابل)، والتحلل قبل أوانه لدفع الحرج الآتي من قبل امتداد الإحرام، والحرجُ فِي الاصطبار عليه مع المرض أشدّ وأعظم.
(1)"النهاية"(1/ 395).
(2)
(ص: 339).
2707 -
[1] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ، حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 1809].
ــ
وههنا خلاف آخر، وهو أن الهدي يبعث عندنا إلى الحرم؛ لأن دم الإحصار قربة، والإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان أو مكان، فلا يقع قربة دونه، فلا يقع به التحلل، ولو واعَدَ من يبعثه ليومٍ بعينه يذبح فيه يتحلل، وقد قال اللَّه تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]، والهدي اسم لما يهدى إلى الحرم، فلا يحل حتى يبلغ الحرم، وقال الشافعية: لا يتوقف به ويذبح حيث أحصر؛ لأنه شُرع رخصةً، وبالتوقيت يبطل التخفيف، قلنا: إن المراعى أصل التخفيف لا نهايته.
وقالوا: المراد ببلوغ الهدي محله ذبحه حلًّا كان أو حرمًا، قلنا: هذا خلاف الظاهر، وقالوا: ذبح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية بها وهي من الحلّ، قلنا: لعله لم يكن ذلك لهم، فذبحوا بها للضرورة.
هذا وقد قيل: إن الحديبية بعضها حلٌّ وبعضها حرم، فلا يلزم من ذبحه فيها ذبحه في الحل، ونقل في (المواهب اللدنية) (1) عن المحب الطبري: وهي قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم.
ثم عندنا إذا أحصر يجب القضاء، وعند الشافعي رحمه الله لا يجب.
الفصل الأول
2707 -
[1](ابن عباس) قوله: (حتى اعتمر عامًا قابلًا) هذا عندنا محمول على القضاء وهو الظاهر.
(1)"المواهب اللدنية"(1/ 489).
2708 -
[2] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَالَ كفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَدَايَاهُ، وَحَلَقَ وَقَصَّرَ أَصْحَابُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 1807].
2709 -
[3] وَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 1811].
2710 -
[4] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ
ــ
2708 -
[2](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (وقصر أصحابه) أي: بعضهم، وحلق آخرون، وذلك أنهم توقفوا في الإحلال لِمَا دخل عليهم من الحزن؛ لكونهم منعوا من الوصول إلى البيت، فأشارت أم سلمة رضي الله عنها أن يحلّ هو صلى الله عليه وسلم قبلهم، ففعل، فتبعوه، فحلق بعضهم وقصر بعض، وكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى امتثال الأمر ممن اقتصر على التقصير، كذا في (المواهب اللدنية)(1).
2709 -
[3](المسور بن مخرمة) قوله: (نحر قبل أن يحلق) وقال في (الهداية)(2): ليس عليه الحلق أو التقصير في الإحصار في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما اللَّه، وقال أبو يوسف رحمه الله: عليه ذلك، ولو لم يفعل لا شيء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق عام الحديبية، ولهما [أن الحلق] إنما عرف قربة مرتبًا على أفعال الحج، فلا يكون نسكًا قبلها، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليعرف استحكام عزيمتهم على الانصراف.
2710 -
[4](ابن عمر) قوله: (أليس حسبكم) أي: حسبكم وكافيكم (سنة
(1)"المواهب اللدنية"(4/ 452).
(2)
"الهداية"(1/ 175).
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا، فَيُهْدِيَ، أَوْ يَصُومَ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 1810].
2711 -
[5] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا:"لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟ " قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً. فَقَالَ لَهَا: "حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5089، م: 1207].
ــ
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ ) أي: قوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (طاف بالبيت وبالصفا والمروة) أي: إذا أحصر عن الحج يجيء بعمرة ثم يحل، (يحج عامًا قابلًا) أي: يقضيه في العام القابل.
2711 -
[5](عائشة) قوله: (على ضباعة) بضم الضاد المعجمة (بنت الزبير) ابن عبد المطلب، فهي بنت عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (لعلك أردت الحج؟ ) استفسار على وجه التلطف والتعطف، (فقالت: واللَّه ما أجدني إلا وجعة) بفتح الواو وكسر الجيم، تعني: نعم أريد الحج ولكن أظن عروض الوجع لما أجد في نفسي ضعفًا من المرض، ولا أعلم هل أقدر على إتمام الحج أم لا؟ (فقال لها: حجي) أي: أحرمي بالحج، و (المحل) بفتح الميم وكسر الحاء اسم زمانٍ، أي: محل خروجي، أو مكانٍ مِن حَلَّ: إذا خرج من الإحرام.
والحديث يدل على تحقق الإحصار بالمرض، لكن يدل على الاشتراط، وقال من ذهب إلى أن الإحصار لا يكون إلا بالعدو: لو كان المرض يبيح التحلل لم يحتج إلى الاشتراط، وأجيب بأن الاشتراط المذكور في هذا الحديث إنما كان ليفيد تعجيل التحلل؛ لأنها لو لم تشترط لتأخر تحللها إلى بلوغ الهدي محله، ومذهب أبي حنيفة