الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الفَصْلُ الأَوَّلُ:
3033 -
[1] عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً،
ــ
المال الضائع عن ربه يلتقطه غيره، كذا في (شرح كتاب الخرقي)(1)، وفي (المشارق) (2) في حديث:(ولا تحل لقطتها): بضم اللام وفتح القاف هذا هو المعروف، ولا يجوز الإسكان.
الفصل الأول
3033 -
[1](زيد بن خالد) قوله: (اعرف عفاصها) العفاص بالكسر: الوعاء الذي فيه النفقة جلدًا أو خرقة، وغلاف القارورة، والجلد يغطى به رأسها (3)، والمراد: ما تكون فيه اللقطة من جلد أو خرقة أو غير ذلك.
وقوله: (ووكاءها) وهو أيضًا بالكسر: رباط القربة وغيرها، كذا في (القاموس)(4)، وفي (النهاية) (5): الوكاء: الخيط الذي تشد به الصرة والكيس والقربة وغيرها، و (أوكوا الأسقية): شدوا رؤوسها.
وقوله: (ثم عرفها) ومحل التعريف محل وجدانها إن أمكن، والأسواق وأبواب المساجد في أدبار الصلوات، ونحو ذلك من مجامع الناس، ولا يعرِّف في المسجد
(1)"شرح الزركشي على مختصر الخرقى"(3/ 300).
(2)
"مشارق الأنوار"(1/ 588 - 589).
(3)
انظر: "القاموس المحيط"(ص: 575).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 1233).
(5)
"النهاية"(5/ 222).
فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وِإلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا". . . . .
ــ
للنهي عن ذلك، ووقته النهار، وصفة التعريف أن يقول: من ضاع له شيء أو نفقة أو ذهب، ولا يذكر الصفة، ثم التقدير بسنة هو قول محمد والشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله بظاهر هذا الحديث، والصحيح عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهم الله أنه غير مقيد بمدة معلومة، وذكر السنة في الحديث وقع اتفاقًا باعتبار الغالب.
قال في (الهداية)(1): إن كانت أقل من عشرة دراهم عرّفها أيامًا، وإن كانت عشرة فصاعدًا عرّفها شهرًا، وإن كانت مئة أو أكثر عرّفها حولًا، وهذه رواية عن أبي حنيفة رحمه الله.
وقوله: (أيامًا) معناه: على حسب ما يرى، وقدره محمد رحمه الله في (الأصل) بالحول من غير تفصيل بين القليل والكثير.
وقيل: الصحيح أن شيئًا من هذه المقادير ليس بلازم، ويفوض إلى رأي الملتقط، فيعرفها إلى أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلب بعد ذلك، والتعريف فيما لا يبقى كالأطعمة المعدة للأكل، وبعض الثمار، إلى أن يخاف فساده.
وقوله: (فإن جاء صاحبها) أي: وعَرَفَها رُدَّها إليه، فعندنا يجب الرد إن أقام البينة، ولا يجب بدونه، وحَلَّ الدفع عند إعطاء العلامة، ولا يجبر على ذلك عندنا، وهو قول الشافعي ومالك على ما ذكر في (الهداية)(2)، والعلامة مثل أن يسمي وزن الدراهم وعددها ووكاءها ووعاءها.
وقوله: (وإلا) أي: وإن لم يجئ صاحبها، (فشأنك بها) بالنصب، أي: الزم
(1)"الهداية"(2/ 417).
(2)
"الهداية"(2/ 419).
قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "هِيَ لَكَ. . . . .
ــ
شأنك، أي: اجتهد وافعل ما شئت، وقال الطيبي (1): هو منصوب على المصدر، يقال: شأنتُ شأنه، أي: قصدت قصده، أي: اشأن شأنك، أي: اعمل ما تحبه، فدلّ على أن بعد التعريف له أن يتملكها غنيًا كان أو فقيرًا، وبه قال كثير من الصحابة ومن بعدهم، وبه قال الشافعي وأحمد. وذهب بعض الصحابة إلى أنه يتصدق بها الغني ولا يتملكها، وهو قول ابن عباس والثوري وابن المبارك وأصحاب أبي حنيفة رحمهم الله، كذا قال الطيبي (2).
وفي (الهداية)(3): فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها إيصالًا للحق إلى المستحِق، وهو واجب بقدر الإمكان، وذلك بإيصال عينها عند الظفر بصاحبها، وإيصال الثواب عند فقده، وهو يدل بإطلاقه على أن الفقير أيضًا يتصدق، وقالوا: يجوز أن يتصدق على أصله وفرعه وعرسه، ثم إن جاء أجازه وله أجره أو ضمن الآخذ.
وفي بعض حواشي شرح (الوقاية)(4) نقلًا عن (النهاية): أن التصدق بعد التعريف رخصة، والعزيمة هي الحفظ.
وقوله: (قال) أي: الرجل: (فضالة الغنم؟ ) أي: ما حكمها؟ (قال) أي: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (هي لك) أي: إن أخذتها وعرَّفتها ولم تجد صاحبها كان لك
(1)"شرح الطيبي"(6/ 189).
(2)
"شرح الطيبي"(6/ 190).
(3)
"الهداية"(2/ 418).
(4)
"شرح الوقاية"(2/ 388).
أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ" قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِل؟ قَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَقَالَ: "عَرِّفْهَا سَنَةً،
ــ
أن تملكها.
وقوله: (أو لأخيك) أي: صاحبها إن أخذتها فجاء، أو تركتها فاتفق أن صادفها أو التقطها غيرك.
وقوله: (أو للذئب) إن لم يحصل من هذه الصور شيء، والمقصود التنبيه على جواز التقاطها وتملكها تحرزًا عن الضياع، وهذا الحكم مطرد في كل حيوان يضيع بغير راع.
وقوله: (مالك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها) إشارة إلى ترك التقاط الإبل وعدم احتياجها إليه؛ فإنها تعيش بدون راع، والسقاء بالكسر: القِربة، والمراد هنا بطنها وكروشها فإن فيها رطوبة تكفي أيامًا كثيرة من الشرب، فإن الإبل قد تتحمل الظمأ أيامًا لا يتحمله ما سواها من البهائم، والحذاء بالمد: النعل، ومنه: لا أرى عليك حذاء، أي: نعلًا، وما احتذى النعال، أي: لبس، والاحتذاء: لبس الحذاء وهو النعل، كذا في (مجمع البحار)(1)، أراد أنها تَقْوى على المشي وقطع الأرض، وعلى قصد المياه وورودها ورعي الشجر، والامتناع عن السباع المفترسة، شبهها بمن كان معه حذاء وسقاء في سفره، وهكذا حكم ما كان في معنى الإبل من البقر والخيل والحمير.
وبهذا الحديث تمسك مالك والشافعي في عدم التقاط البعير والبقر في الصحراء، وتركه أفضل، ولأن الأصل في أخذ مال الغير الحرمة، والإباحةُ لمخافة الضياع، وإذا
(1)"مجمع بحار الأنوار"(1/ 463 - 464).
ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقَ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ". [خ: 2429، م: 1722].
3034 -
[2] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1725].
ــ
كان معها ما يدفع عن نفسها يقل الضياع، ولكنه متوهم، فيقضى بالكراهة، والندب إلى الترك، كذا في (الهداية)(1)، وبهذا يظهر أن المراد بالمنع عن التقاطها عندهم على سبيل الكراهة، والترك أفضل، وعندنا يجوز الالتقاط في الكل لتوهم ضياعها، فيستحب أخذها وتعريفها صيانةً لأموال الناس كما في الشاة وغيرها، ولا يجب الالتقاط في شيء من الأموال، وحديث الإبل وما في حكمها إنما يدل على جواز الترك دون وجوبها واستحبابها.
وقوله: (ثم اعرف وكاءها) ثم ليست للتراخي في الزمان، بل معناه: دم على هذه المعرفة، أو للتراخي في الرتبة.
3034 -
[2](وعنه) قوله: (من آوى) بالمدّ متعدٍّ، وقد يجيء بالقصر أيضًا بهذا المعنى، والأول أكثر وأشهر.
وقوله: (فهو ضال) أي: الواجد غير راشد طريق الحق؛ لأن الحق أن يعرفها، والمراد بالضالة: المفقود مطلقًا، وأكثر إطلاقه على ما ضلّ من الإبل، ولو حمل على هذا المعنى كان وجه إسناد الضلال إلى الواجد الغير المعرِّف أظهر؛ لأن الإبل ونحوه لا يلتقط للتملك، وإنما يلتقط للحفظ والتعريف عند من يقول بالتقاطه، فافهم.
وقيل: الضمير للضالة بتأويل ما وجد، أي: ما وجد ضال كما كان، لأنه لما
(1)"الهداية"(2/ 418).