المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌9 - كتاب الدعوات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ذكر اللَّه عز وجل والتقرب إليه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - كتاب أسماء اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب ثواب التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل والتَّكبير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الاستغفار والتوبة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب ما يقول عند الصباح والمساء والمنام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب الدعوات في الأوقات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الاستعاذة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب جامع الدعاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(10) كتاب المناسك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الإحرام والتلبية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الْثَّالِثُ:

- ‌2 - باب قصة حجة الوداع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب دخول مكة والطواف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الْثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الوقوف بعرفة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الدفع من عرفة والمزدلفة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الْثَّالِثُ:

- ‌6 - باب رمي الجمار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب الهدي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الحلق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌9 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب خطبة يوم النحر، ورمي أيام التشريق، والتوديع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب المحرم يجتنب الصيد

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب الإحصار وفوت الحج

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌14 - باب حرم مكة حرسها اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب حرم المدينة حرسها اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(11) كتاب البيوع

- ‌1 - باب الكسب وطلب الحلال

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب المساهلة في المعاملة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌3 - باب الخيار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الربا

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب المنهي عنها من البيوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب السلم والرهن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الاحتكار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب الإفلاس والإنظار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب الشركة والوكالة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الغصب والعارية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب الشفعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب المساقاة والمزارعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب الإجارة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب إحياء الموات والشرب

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌16 - باب العطايا

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌17 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌18 - باب اللقطة

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌(12) [كتاب الفرائض والوصايا]

- ‌1 - باب الفرائض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الوصايا

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1185].

* * *

‌2 - باب قصة حجة الوداع

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

2555 -

[1] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ. . . . .

ــ

وقوله: (تملكه) صفة شريكًا، (وما ملك) عطف على الضمير المنصوب في (تملكه)، والضمير في (ملك) لـ (شريكا)، وعجبًا من حماقتهم أنهم قائلون بأن الأصنام مملوك اللَّه ثم يشركون بها، هل هذا إلا تناقض؟ ! .

2 -

باب قصة حجة الوداع

[(الوداع)] بفتح الواو سميت بها لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ودعَّ الناس فيها، وعلَّمهم الشرائع، واستشهدهم على أداء الرسالة وتبليغ الأحكام، وكانت في السنة العاشرة، وحديث جابر المذكور أتمّ وأجمع الأحاديث المروية في هذا الباب (1)، وهو مروي عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه الإمام محمد الباقر عن جابر رضي الله عنهم.

الفصل الأول

2555 -

[1](جابر بن عبد اللَّه) قوله: (ثم أذّن) أي: أعلم بلفظ المعلوم من

(1) وحديث جابر أجمع حديث لحجة النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه بنى الكلام الذين ذكروا صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم من المحدثين وأهل السير، منهم شيخنا الإمام محمد زكريا الكاندهلوي تبرك في كتاب "جزء جحة الوداع" بشرح هذا الحديث، وقال النووي: وهو حديث عظيم مشتمل على جمل من الفوائد والنفائس، وخرَّج فيه أبو بكر بن المنذر من الفقه مئة ونيفًا وخمسين نوعًا، انظر:"جزء حجة الوداع"(ص: 37).

ص: 303

بِالْحَجِّ (1) في الْعَاشِرَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ:"اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي" فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ. قَالَ جَابرٌ: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ،

ــ

التأذين، ويروى بلفظ المجهول.

وقوله: (بشر كثير) ورد في بعض الروايات: كانوا أكثر من الحصر والإحصاء، ولم يعيِّنوا عددهم، وقد بلغوا في غزوة تبوك التي هي آخر غزواته صلى الله عليه وسلم مئة ألف، وحجة الوداع كانت بعد ذلك، لا بد أن يزدادوا فيها، ويروى: مئة وأربعة عشر ألفًا، وفي رواية: مئة وأربعةً وعشرين ألفًا، واللَّه أعلم.

وقوله: (واستثفري) الاستثفار: أن يدخل إزاره بين فخذيه ملويًّا ويشدّ على هيئة ثفر الدابة بفتح الثاء وضمها.

وقوله: (وأحرمي) فيه جواز الإحرام للنفساء، وكذا حكم الحائض.

وقوله: (في المسجد) أي: مسجدٍ كان بذي الحليفة.

و(القصواء) اسم ناقته صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنما سميت بها لسبقها، وكان عندها أقصى السير وغاية الجري، وقيل: القصواء ناقة قطع طرف أذنها، فكلُّ ما قطع من الأذن

(1) قوله: "بالحج" كذا في بعض النسخ، والظاهر أن قوله:"بالحج" سهو من الكاتب يدل عليه قوله: "حاج"، انتهى، كذا في هامش النسخة الهندية.

ص: 304

لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ استَلَمَ الرُّكْنَ فَطَافَ (1) سَبْعًا،

ــ

فهو جدع، فإذا بلغ الربع فهو قصواء، وإذا جاوز فهو عضب، فإذا استؤصلت فهو صلم، والناقة قصواء، ولا يقال: بعير أقصى، ولم تكن ناقته صلى الله عليه وسلم قصواء على الصحيح وإنما هو لقبلها، وقد روي في حديث آخر: كان له ناقة تسمى العضباء، وناقة تسمى الجدعاء، وفي أخرى: صلماء، وفي أخرى: مخضرمة، وكله في الأذن، فكل واحدة إما صفة ناقة مفردة، أو الجميع صفة ناقة واحدة، ويؤيده حديث علي رضي الله عنه حين بعث ليبلّغ سورة براءة، فروي: العصواء، وفي آخر: العضباء، وفي آخر: الجدعاء، فهو يصرح بأن الثلاثة صفة ناقة واحدة، واللَّه أعلم.

وقوله: (لسنا نعرف العمرة) المتبادر أن معناه: لم تكن العمرة في قصدنا حين الخروج ولم ننوها، وقال التُّورِبِشْتِي (2): أن المعنى: لسنا نعرف العمرة في أشهر الحج، وكان أهل الجاهلية يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، وإنما شرعت عام حج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (استلم الركن) أي: الركن الأسود، وإليه ينصرف الركن عند الإطلاق، واستلامه: أن يقبله أو يلمسه باليد إن تيسر، وهو افتعال من السلام بمعنى التحية، ولذلك أهل اليمن يسمون الركن الأسود: المحيا، أي: الناس يحيونه، أي: يسلِّمون عليه، قاله الأزهري (3).

وقال القتيبي والجوهري: افتعال من السِّلَام، وهي الحجارة، واحده سَلِمة بكسر

(1) قوله: "فطاف سبعًا" كذا في جميع النسخ من "المشكاة"، وهكذا وقع في "المصابيح" وفي رواية مختصرة عند النسائي والترمذي، وليس هو عند مسلم، انتهى. "مرعاة المفاتيح"(9/ 7).

(2)

"كتاب الميسر"(2/ 598).

(3)

انظر: "مجمع بحار الأنوار"(3/ 110).

ص: 305

فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا،

ــ

اللام، يقال: استلمت الحجر: إذا لمسته، كما يقال: اكتحلت من الكحل.

وقيل: افتعال من المسالمة، كأنه فعل ما يفعله المسالم.

وقيل: الاستلام أن يحيِّي نفسه عند الحجر بالسلام؛ فإن الحجر لا يحيِّيه، كما يقال: اختدم، إذا لم يكن له خادم، وقال ابن الأعرابي: هو مهموز الأصل ترك همزه، مأخوذ من الملاءمة وهي الموافقة، وقيل: من اللأمة وهي السلاح، كأنه حصَّن نفسه بمس الحجر، ذكر هذه الوجوه شارح كتاب الخرقي (1).

وقوله: (فرمل ثلاثًا) رمل رَمَلًا ورَمَلانًا محركتين: هرول، وقال في (المشارق) (2): هو وثبٌ في المشي ليس بشديد مع هزِّ المنكبين، وقال: الرمل في الطواف، ورمل فيها بفتح الراء والميم في الاسم والفعل الماضي، وجاءت في رواية بعضهم ساكنة الميم على المصدر. وفي (شرح كتاب الخرقي) (3): الرمل الهرولة، وقال الأزهري: الإسراع، وفسر الأصحاب الرمل بإسراع المشي مع تقارب الخطأ. وقال في (الهداية) (4): الرمل أن يهزّ في مشيته الكتفين كالمبارز يتبختر بين الصفين.

وكان السبب في تشريع هذا الفعل في الابتداء إظهار المسلمين جلادتهم للمشركين، وكان ذلك في عمرة القضاء، ثم لما فعله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وقد زال ذلك السبب -لأنه لم يكن حينئذ بمكة من المشركين من تُظهر عنده الجلادة- صار ذلك سنةً

(1) انظر: "شرح الزركشي على مختصر الخرقي"(3/ 189)، وفي بعض ألفاظه تحريف صُحح من "الإنصاف" للمرداوي (4/ 7).

(2)

"مشارق الأنوار"(1/ 463).

(3)

"شرح الزركشي على مختصر الخرقي"(3/ 192).

(4)

"الهداية"(1/ 138).

ص: 306

ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، وَفِي رِوَايَةٍ: . . . . .

ــ

مستقلة، وقد ثبت عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رمل في حجته وعمرته وكذلك فُعل بعده، وإلا فقد يرتفع الحكم بارتفاع العلة كما في سهم مؤلفة القلوب ونحوه.

ثم هذا الرمل مسنون في كل طواف بعده سعيٌ كما في طواف العمرة وطواف القدوم وطواف الإفاضة دون طواف الوداع، وليس في هذا الحديث ذكر الاضطباع وهو مسنون أيضًا مع الرمل، وكيفية الاضطباع: أن يجعل رداءه تحت إبطه الأيمن، ويلقيه على كتفه الأيسر، من الضبع بسكون الباء، وهو وسط العضد، وقيل: هو ما تحت الإبط، وفيه أيضًا من التجلد كما في الرمل.

وقوله: (ثم تقدم إلى مقام إبراهيم) ومقام إبراهيم اسم لحجر، فيه أثر قدميه، موضوع قُبالة البيت.

وقوله: (فقرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]) في (اتخذوا) قراءتان: فتح الخاء وكسرها، والرواية في الحديث الكسر، وهو الأنسب بالمقام.

وقوله: (فصلى ركعتين) وهاتان الركعتان واجبتان عندنا لورود الأمر بهما، وعند الشافعي سنة.

وقوله: (فجعل المقام بينه وبين البيت) أي: صلى الركعتين خلف المقام، وهذا أفضل مكان لصلاة هاتين الركعتين، وجاز أن يصلي حيث شاء. وتقديم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] على {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] واقع في (صحيح مسلم) و (شرح السنة) في إحدى الروايتين، ويوجّه بأن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لإثبات التوحيد، {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} للتبرؤ عن الشركاء، فقدم اهتمامًا بشأن الإثبات، وقد وقع في بعض الروايات بتقديم {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} كما هو الظاهر، والحديث

ص: 307

أنه قَرَأَ في الرَّكْعَتَيْنِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ:" {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ"، بَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نزَلَ وَمَشَى إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ سَعَى،

ــ

دل على أنه لا بأس بتقديم سورة متأخرة على التي تقدم، وله شواهد كثيرة في الأحاديث.

وقوله: (إلى الصفا) في (القاموس)(1): الصفاة: الحجر الضخم الصلد لا يُنبت، والصفا من مشاعر مكة بلِحْفِ أبي قبيس.

وقوله: (فاستقبل القبلة) وكان إذ ذاك تُرى الكعبة من الصفا ولم يكن حائل بينهما والآن حجبها بناء الحرم، ومع ذلك يقع النظر إليها على الركن الأسود من أحد الأبواب بحذائه.

وقوله: (حتى انصبت قدماه) أي: انحدرت في المسعى، من قولهم: صببت الماء فانصبّ: أي سكبته فانسكب، والمسعى كان إذ ذاك واديًا، ويحصل بالنزول عن الصفا انحدار وسعي، فيسعى إلى الميلين الأخضرين، والعلامة لذلك منصوبة إلى الآن في جدار المسجد، والأصل في ذلك: أن هاجر أم إسماعيل ذهبت يومًا -حين كان طفلًا- للماء، وكانت إذا دخلت الوادي حُجب إسماعيل عن نظرها فكانت تصعد

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1197).

ص: 308

حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ نَادَى وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ وَالنَّاسُ تَحْتَهُ فَقَالَ: . . . . .

ــ

الصفا والمروة لتنظر إليه، فبقيت ذلك سنَّة لفعله صلى الله عليه وسلم السعي، والآن سوَّى التراب أرض البلد، ولا يحصل بعد النزول عن الصفا انحدار، ولكن يتكلفون في السعي إتيانًا بالسنة.

والسعي بين الصفا والمروة واجب، وإنما قال اللَّه تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ؛ لأن الأنصار كانوا يتحرجون عن الطواف بين الصفا والمروة فقيل لهم: لا جناح عليه أن يطوف بهما، كذا قالوا.

وقوله: (حتى إذا صعدتا) من الإصعاد، وهو الذهاب في الأرض والإبعاد سواء كان في صعود أو حدور، قال اللَّه تعالى:{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} [آل عمران: 153]، وفي (القاموس) (1): أصعد في الأرض: مضى، وفي الوادي: انحدر، كصعّد تصعيدًا، وكذا في (الصحاح)، وفي (المشارق) (2): يقال: سعد في الجبل: علاه، وصعد وأصعد كله واحد، وأصعد في الأرض لا غير: ذهب مبتدئًا، ولا يقال في الرجوع، قال ابن عرفة: وإنما يقال في الرجوع: انحدر، ومعناه في الحديث: ارتفاع القدمين في بطن المسيل إلى المكان العالي؛ لذكره في مقابلة الانصباب عند الهبوط في الوادي، ومعناه: دخلتا في الصعود. و (المروة) واحد المرو، وهي حجارة بيض برّاقة تورِي النارَ، أو أصلب الحجارة، اسم جبل بمكة.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 279)، وانظر:"الصحاح"(ص: 589).

(2)

"مشارق الأنوار"(2/ 83 - 84).

ص: 309

"لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً"، فَقَامَ سُراقَةُ بْنُ مَالِكِ ابْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الأُخْرَى وَقَالَ: "دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ" مَرَّتَيْنِ. . . . .

ــ

وقوله: (لو أني استقبلت من أمري. . . إلخ)، هذا الكلام توطئة وتمهيد لقوله:(فمن كان منكم ليس معه هدي. . . إلخ)، قاله تطييبًا لقلوب أصحابه وتسلية لهم، ومعناه: لو عنَّ لي هذا الرأي الذي رأيته آخرًا وأمرتكم به أولًا في ابتداء أمري في الإحرام لما سقت الهدي، وحاصله: أنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بعد وصوله مكة وأدائه العمرة بخروج من لم يسق الهدي عن الإحرام، وبقاء من ساقه، فشقّ عليهم أن يحلوا ورسول اللَّه محرم ويتركوا متابعته، وأيضًا قالوا: أنحج وتقطر مذاكيرنا؟ كما يأتي، فقال لهم: قد وقع مني ما وقع من سوق الهدي، وقد أمرني اللَّه بأن من ساق الهدي لا يحل حتى ينحر، فلا يصح له فسخ الحج بعمرة بخروجه عن الإحرام، ومن لم يسق الهدي اعتمر وحل من إحرامه ثم يحرم بعد ذلك للحج، ولو كنت علمت قبل هذا أن يشق عليكم الخروج من الإحرام، لما سقت الهدي، وخرجت من الإحرام، وجعلت الحج عمرة كما أمرتكم.

وقوله: (ابن جعشم) بضم الجيم وسكون العين وضم الشين المعجمة.

وقوله: (واحدة في الأخرى) حال، أي: جاعلًا واحدة منها في الأخرى، وهي حال مؤكدة؛ لأن التشبيك لا يكون إلا هكذا.

وقوله: (دخلت العمرة في الحج) قال النووي (1): اختلف العلماء في معناه على

(1)"شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 326).

ص: 310

"لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: "مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ" قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّى أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: "فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلَا تَحِلَّ" قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْي الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِئَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُم،

ــ

أقوال، أصحها -وبه قال جمهورهم- معناه: أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة، والمقصود بيان إبطال ما كانت أهل الجاهلية عليه من امتناع العمرة في أشهر الحج، وكانوا يرونه من أفجر الفجور.

وقوله: (لا بل لأبد أبد)(لا) نفي لكلام مقدر يفهم مما سبق، تقديره: ليس لعامكم بل لأبد، أو المراد نفي ترديده، أي: ليس مردودًا بل يتعين القسم الثاني، و (أبد) مكررٌ اثنين، وفي بعض الروايات ثلاثًا.

وقوله: (ببدن) بضم الباء وسكون الدال: جمع بدنة بفتح الباء والدال، وهي من الإبل خاصة عند الشافعي، وعندنا يشمل البقر، وقال النووي (1): البدنة عند جمهور أهل اللغة وبعض الفقهاء: الواحدة من الإبل والبقر والغنم، وخصَّها جماعة بالإبل، وهو المراد في حديث تبكير الجمعة، وقد سبق في (باب الجمعة).

وقوله: (فرضت الحج) أي: ألزمته [على] نفسك بالإحرام.

وقوله: (فحل الناس كلهم) أي الناس الذين كانوا لم يسوقوا الهدي، وجاء في الحديث: أن أمهات المؤمنين وفاطمة رضي الله عنهن كلهن أحللن، كذا في (سفر السعادة)(2)، وقول الطيبي: هذا من العام الذي خُص؛ لأن عائشة رضي الله عنها لم تحل ولم

(1)"شرح صحيح مسلم" للنووي (3/ 400).

(2)

"سفر السعادة"(ص: 175).

ص: 311

وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ،

ــ

تكن ممن ساق الهدي، مما لا نعرف له سندًا، واللَّه أعلم.

وقوله: (وقصروا) يدل بظاهره أنهم كلهم قصروا، وجاء في الحديث أن بعضهم حلقوا وبعضهم قصروا، فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للمحلِّقين فقال:(اللهم ارحم المحلقين)، قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه، قال:(اللهم ارحم المحلقين)، قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه، قال:(والمقصرين) مرتين أو ثلاث مرات، قالوا: والسبب في تكرير الدعاء للمحلقين أن أكثر من حج معه صلى الله عليه وسلم لم يسق الهدي، فلما أمرهم أن يفسخوا الحج إلى العمرة ثم يتحللوا منها ويحلقوا رؤوسهم شقّ عليهم. ثم لما لم يكن لهم بد من الطاعة كان التقصير في أنفسهم أخف من الحلق ففعله أكثرهم، فرجَّح صلى الله عليه وسلم فعل من حلق لكونه أبين في امتثال الأمر.

وقيل: إن عادة العرب أنها كانت تحب توفر الشعور والتزين بها، وكانوا يرون الحلق من الشهرة ومن فعل الأعاجم، فلذلك كرهوا الحلق واقتصروا على التقصير.

ثم اعلم أنه قد ورد هذا الحديث في الحديبية وفي حجة الوداع، فقيل: كان فيهما، لكن السبب في الموضعين مختلف، فالذي في الحديبية كان بسبب توقفٍ من الصحابة عن الإحلال؛ لِمَا دخل عليهم من الحزن؛ لكونهم منعوا عن الوصول إلى البيت، وفي حجة الوداع ما ذكرنا، ثم في الوداع: هل كان عند أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالإحلال بعد العمرة قبل الحج، أو كان في الحج يوم النحر؟ فالمفهوم من (سفر السعادة)(1) أنه كان في الأول، ومن (المواهب اللدنية) وغيرها أنه كان في الحج يوم النحر، وسيأتي في الفصل الأول من (باب الحلق) من حديث ابن عمر أنه قال: في

(1)"سفر السعادة"(ص: 175).

ص: 312

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ،

ــ

حجة الوداع، وقد وقع في رواية الشيخين عن أبي هريرة من غير تعيين: هل قاله في الحديبية أو في حجة الوداع؟ قالوا: لم يقع في شيء من طرقه التصريح بسماعه لذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، ولو وقع لقطعنا بأنه كان في حجة الوداع؛ لأنه شهدها ولم يشهد الحديبية، كذا في (المواهب)(1)، فتدبر. واللَّه أعلم.

وقوله: (فلما كان يوم التروية) وهو اليوم الثامن من ذي الحجة؛ لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء لما بعد، أو لأن إبراهيم عليه السلام كان يتروّى ويتفكر في رؤياه فيه، كذا في (القاموس)(2).

وقوله: (توجهوا) أي: قصدوا التوجه (إلى مني فأهلوا) أي: أحرموا، ومنى كإلى وقد تصرف؛ سميت لما يمنى بها من الدماء، وعن ابن عباس: لأن جبرئيل عليه السلام لما أراد أن يفارق آدم قال له: تمن، قال: أتمنى الجنة؛ فسميت مني لأمنية آدم، والذهاب إلى مني والبيتوتة فيها ليس عندنا واجبًا بل سنة.

وقوله: (وركب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) الحج راكبًا أفضل، خصوصًا على الإبل، و (نمرة) بفتح النون وكسر الميم: اسم موضع قرب عرفات، وهو منتهى أرض الحرم، وكأنه بين الحل والحرم، وعرفات من الحل، وقيل: اسم جبل شبهوه بالنمرة، حيوان معروف فيه النُّمرة، بالضم: النكتة بأيِّ لون كان، والأنْمَر ما فيه نمرة، كما قالوا: جبل ثور، لمشابهته به في الشكل.

(1)"المواهب اللدنية"(4/ 451).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 1187).

ص: 313

فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ولَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامٍ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنعُ في الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ،

ــ

وقوله: (ولا تشك قريش) أي: لا تظن (إلا أنه واقف) وقال الطيبي (1): تقديره: لا تشك قريش في أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخالفهم في سائر المناسك إلا في الوقوف في المشعر الحرام، فتأمل، و (المشعر الحرام) اسم لجبل بمزدلفة يقال له: قُزَح.

وقوله: (كما كانت قريش تصنع في الجاهلية) فإنهم كانوا يقفون بمزدلفة، ويسمونه موقف الحمس وأهل حرم اللَّه، بخلاف سائر العرب؛ فإنهم كانوا يقفون بعرفات، فظنت قريش أنه صلى الله عليه وسلم يقف في المشعر الحرام على عادتهم.

وقوله: (فأجاز) أي: تجاوز من المزدلفة إلى عرفات؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]، (حتى أتى عرفة) وهي بفتح الراء، يجيء مفردًا بمعنى المكان والزمان، وعرفات بلفظ الجمع مخصوص بالمكان.

وقوله: (فرحلت له) بلفظ المجهول، أي: شدَّ على ظهرها الرجل ليركبها.

وقوله: (كحرمة يومكم هذا. . . إلخ)، تأكيد للحرمة فإنهم كانوا قائلين بحرمتها.

وقوله: (تحت قدمي) بلفظ التثنية، وقوله:(موضوع) يحتمل أن يكونا خبرين،

(1)"شرح الطيبي"(5/ 250).

ص: 314

وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ ابْنِ الْحَارِثِ -وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا في بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَهُ هُذَيْل- وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ مِنْ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ،

ــ

أو الخبر هو (موضوع) و (تحت) ظرف له وهو الأظهر، والمراد بالوضع تحت القدم إبطاله وتركه، وتقول العرب في الأمر الذي لا تكاد تراجعه وتذكره: جعلت ذلك تحت قدمي.

وقوله: (دم ابن ربيعة بن الحارث) ابن عبد المطلب، ربيعة ابن عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، صحبه، وروى عنه، توفي في خلافة عمر رضي الله عنه، واسم ابنه إياس، أصابه حجر في حرب كانت بين سعد وهذيل.

وقوله: (وكان) أي: ابن ربيعة، قال التُّورِبِشْتِي: وقد وقع في نسخ (المصابيح): (دم ربيعة)، فذكر جمع من أهل العلم أن رواة هذا الحديث لم يصيبوا في نقل (دم ربيعة)، وإنما الصواب:(دم ابن ربيعة)، وقد ألحق هذه الزيادة بنسخ من (المصابيح)، ولا نرى التسليم لهم مع إمكان تقرير معنى الحديث على ما وردت به الرواية عن جماعة من علماء النقل وحفاظهم:(دم ربيعة)، وهي رواية البخاري، وإنما أضاف الدم إلى ربيعة لأنه كان وليَّ الدم، والمراد: قتيل ربيعة، والضمير في قوله:(وكان مسترضعًا) راجع إلى القتيل، فسلك بالكلام مسلك الإيجاز بالحذف والإضمار، ومثل ذلك جائز في الكلام إذا قرنت به دلالة عليه (1).

وقوله: (بأمان اللَّه) أي: بعهده، وهو ما عهد إليكم فيهن، والمراد

(1)"كتاب الميسر"(2/ 600).

ص: 315

وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْربُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ "، قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: . . . . .

ــ

بـ (كلمة اللَّه) قيل: هو قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] وقيل: الإيجاب والقبول؛ لأن اللَّه تعالى أمر بها، وقيل: كلمة التوحيد، إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم.

وقوله: (أن لا يوطئن) ضبط بالتخفيف من الإيطاء، وهو مهموز أبدل الهمزة ياء، ويجوز إثباتها، وهو كناية عن إقدار الغير على الدخول عليهن والاختلاط والحديث بهن.

وقوله: (غير مبرح) بالحاء المهملة من باب التفعيل، أي: غير شديد، والبرح: الشدة والشر، وبُرَحَاء الحمّى وغيرها: شدة الأذى، ومنه: برّح به الأمر تبريحا، وتباريحُ الشوقِ: توهُّجُه، كذا في (القاموس)(1)، وهذا يدل على أنه ليس المراد بإيطاء الفرش الزنا.

وقوله: (بعده) أي: بعد التمسك به والعمل به، أو بعد وجوده، أو بعد تركه.

وقوله: (فقال بإصبعه) أي: أشار، و (يرفعها) حال، و (ينكتها) في نسخ (المشكاة)

(1)"القاموس المحيط"(ص: 208).

ص: 316

"اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ ركبَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ ناقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ،

ــ

بالتاء الفوقانية، والصواب:(ينكبها) بالموحدة، قال في (المشارق) (1): روايتنا بتاء باثنتين فوقها، وقال بعض المتقنين: صوابه: (ينكبها) بباء واحدة، ومعناه: يردها ويقلبها إلى الناس مشيرًا إليهم عليه السلام كان راكبًا، انتهى. وذلك لأن النكت بالفوقانية من نَكَتَ الأرض بالقضيب: إذا ضرب في الأرض فيؤثر فيها، وهذا بعيد من معنى الحديث، وقيل: مجاز عن الإشارة بقرينة (إلى).

وفي (مجمع البحار): (ينكبها إلى الناس) أي: يميلها، من نكَب الإناءَ، ونكَّبه تنكيبا: إذا أماله وكبَّه، وروي بالفوقية بعد الكاف، وهو بعيد المعنى.

وقوله: (فصلى العصر) أي: جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وهو عندنا، وعليه بعض أصحاب الشافعي، بسبب النسك؛ ليتضرع للوقوف والدعاء، وعند الشافعية للسفر.

وقوله: (ولم يصل بينهما شيئًا) من السنن والنوافل، وذلك أيضًا للاستعجال بالوقوف.

وقوله: (إلى الصخرات) وفي رواية: (الصخيرات) بإثبات ياء التصغير.

وقوله: (وجعل حبل المشاة بين يديه) الحبل بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة: المستطيل من الرمل، وقيل: هو التّلّ الضخم منه، وجمعه حبال،

(1)"مشارق الأنوار"(2/ 23).

ص: 317

فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ،

ــ

وقيل: الحبال في الرمل كالجبال في غير الرمل، وفي [قصة] بدر: صعدنا على حبل، أي: قطعة من الأرض ضخمة ممتدة، وأضيف إلى المشاة لاجتماعهم هناك من الموقف.

وفي (المشارق)(1): يعني صفَّهم ومجتمعهم تشبيهًا لصفهم بحبل الرمل، وقيل:(حبل المشاة) حيث يسلك الرجالة، والأول أولى، وقد يحتمل أن يراد به كثرة المشاة، والحبل: الخلق، انتهى.

وهناك موقف النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إن لم يتعين بخصوصه، ولكن ينبغي أن يقف في حوالي هذا الموضع، تارة ها هنا وتارة هناك، قريبَ البناء القديم الذي يقول له العامة: مطبح آدم عليه السلام؛ ليفوز بموقفه صلى الله عليه وسلم، وقال التُّورِبِشْتِي (2): إنه نقل عن الأخفش أنه قال: الحبل: جبل عرفة.

وفي (مجمع البحار)(3) عن النووي: روي بمهملة وسكون جاء بمعنى مجتمعهم، وبجيم وفتح جاء بمعنى طريقهم، وحيث تسلكه الرجالة، والرواية بالجيم مذكور في (شرح كتاب الخرقي)(4).

وقوله: (حتى غاب القرص) بيان لما قبله دفعًا لتوهم المجاز بإرادة غروب أكثر الشمس، وقيل: صوابه: حين غاب القرص.

(1)"مشارق الأنوار"(1/ 274).

(2)

"كتاب الميسر"(2/ 600).

(3)

"مجمع بحار الأنوار"(1/ 430).

(4)

(3/ 241).

ص: 318

وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ، وَدَفَعَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ،

ــ

وقوله: (ودفع) أي: أسرع في السير بمعنى اندفع، يقال: اندفع الفرس: أسرع في سيره، وقال في (المشارق) (1): الدفع تكرَّر في الحج في غير حديث، ومعناه: الذهاب والسير، يقال: دَفَعَتِ الخيلُ: إذا سارت، والقوم: جاؤوا بمرة.

وقال السيوطي في (مختصر النهاية)(2): دفع من عرفات: خرج منها.

و(المزدلفة) بين عرفات ومنى، وازدلف افتعل من الزَّلَف بمعنى القُرْبة، ازدلف إليه: اقترب، سميت بها لأنه يتقرب فيها إلى اللَّه، أو لاقتراب الناس إلى مني بعد الإفاضة، أو لمجيء الناس إليها في زلفٍ من الليل، أو لأنها أرض مستوية مكنوسة، والزَّلَف يجيء بمعنى الأرض المكنوسة والمستوي من الجبل الدَّمِث، وهذا أقرب، كذا في (القاموس)(3)، والمزدلفة تسمى جمْعًا أيضًا بسكون الميم، والمشهور في وجه تسميتها وهو المروي عن ابن عباس: أن آدم وحواء اجتمعا واقتربا فيها، وتعارفا بعرفات، واللَّه أعلم.

وقوله: (بأذان واحد وإقامتين) كما صلى الظهر والعصر بعرفات، وهذا مذهب الشافعي وزفر وبعض آخر من الأئمة، وعند أبي حنيفة وبرواية عن أحمد وكثير من العلماء: بأذان وإقامة، وجاء رواية ذلك عن ابن عمر في (صحيح مسلم)، وحَسّنه الترمذي وصححه؛ لأن العشاء لما كانت هنا في وقت لم يحتج إلى الإفراد بالإقامة

(1)"مشارق الأنوار"(1/ 413).

(2)

"الدر النثير"(1/ 332).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 753 - 754).

ص: 319

وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ،

ــ

والإعلام بها، والعصر بعرفة كانت في غير وقتها فيحتاج بزيادة الإعلام (1).

وقوله: (لم يسبح بينهما) أي: لم يصل، والنافلة تسمى سبحة بضم السين وسكون الباء.

وقوله: (ثم اضطجع) ولم يُحي هذه الليلة مع دوام مواظبته على ذلك، والمبيت بمزدلفة واجب عندنا، وكذلك عند أحمد وبعض الشافعية، وعند بعضهم فرض.

وقوله: (حين تبين له الصبح) أقول: في قوله: (له) إشارة إلى أنه لم يتبين لغيره صلى الله عليه وسلم، فقد روي أنه صلاها لغير وقته، وفي رواية:(بغلس)، والتحقيق أنه صلاها في وقته، ولكن كان الناس يشكّون في طلوع الفجر، وعلمه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إما بالوحي أو لكمال علمه بذلك، وقد سبق الكلام فيه في (باب مواقيت الصلاة) فليتذكره.

وقوله: (حتى أتى المشعر الحرام) هو اسم جبل بمزدلفة يسمى قُزَح، والوقوف عند المشعر الحرام -أي: ما يليه ويقرب منه- أفضل، وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسِّرٍ، وقال في (القاموس) (2): المشعر الحرام وتكسر ميمه: المزدلفة، وعليه اليوم بناء، ووهم من ظنه جبيلًا بقرب ذلك البناء.

(1) ورجح ابن الهمام والطحاوي روايات تثنية الإقامة وقالا: إن الروايا ات متعارضة، والقياس يقتضي تعدد الإقامة، قاله في "التقرير".

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 388).

ص: 320

وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ ابْنَ عَبَّاسٍ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا،

ــ

اعلم أنه قد ذكر في الحج المشعر الحرام ومشاعر الحج وشعائر الحج، فالمشاعر واحدها مشعر، والشعائر واحدها شعيرة، ويقال: شعارة، وهي أموره ومناسكه، ومعناه: علاماته، وقيل: الشعائر: الذبائح، وقال الفرَّاء والأخفش: هي أمور الحج، وقال الزجَّاج: الشعائر: كل ما كان من موقفٍ ومسعًى وذبحٍ، من قولهم: شعرت به، أي: علمت، وقال الأزهري: الشعائر المعالم، وقال غيره في المشاعر مثله، وذكر إشعار البدن، وهو من هذا، وهو تعليمها بعلامة، وهو شق جلد سنامها عند الحجازيين، وتقليدها بقلادة عند العراقيين، كذا في (مشارق الأنوار)(1).

وقوله: (فأتى بطن محسر) بضم ميم وكسر سين مهملة مشددة: اسم واد قرب المزدلفة، وقيل: هو من مني، وقيل: ما يصيب منه في المزدلفة فهو من المزدلفة، وما يصيب منه بمنى فهو من مني، فهو برزخ بين المزدلفة ومنى، كوادي عُرَنة ونَمِرة برزخ بين الحرم وعرفات، وقيل: بعضه من مزدلفة وبعضه من مني، وصوّبه بعضهم.

وقوله: (فحرك) أي: ناقته، وأسرع السير قليلًا، أو يفهم من بعض الأحاديث أنه أسرع شديدًا وعجل في خروجه، ويستحب الإسراع فيه إن كان ماشيًا، ويحرك دابته إن كان راكبًا تاسيا بالمأثور باتباعه صلى الله عليه وسلم.

واختلفوا في سبب إسراعه صلى الله عليه وسلم منه، والمشهور أنه مكان نزول العذاب على أصحاب الفيل القاصدين هدم البيت، فاستحب فيه الإسراع لما ثبت في الصحيح من أمره المارّين على ديار قوم لوط وديار ثمود ونحوهم بذلك، وهكذا كانت عادته صلى الله عليه وسلم في المواضع التي نزل فيها بأس اللَّه بأعدائه.

(1)"مشارق الأنوار"(2/ 432).

ص: 321

ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ،

ــ

ونقل في (المواهب اللدنية)(1) عن الإسنوي: سببه أن النصارى كانت تقف فيه كما قاله الرافعي، أو العرب كما في (الوسيط)، فأُمرنا بمخالفتهم، وقال: وظهر لي فيه معنى آخر، وهو أنه مكان نزول العذاب على أصحاب الفيل: إلى آخره.

وفي (شرح كتاب الخرقي)(2): يسمى محسرًا لأنه يحسر سالكيه ويتعبهم، وقال الشافعي في (الإملاء): يجوز أن يكون فعل ذلك لسعة الموضع، وقيل: يجوز أن يكون لأنه مأوى الشياطين، وقيل: سمي بذلك لأن قيل أصحاب الفيل حسر فيه، أي: أعيى.

وقوله: (ثم سلك الطريق الوسطى) وهي غير الطريق الذي ذهب فيه إلى عرفات، وذلك كانت طريق ضب، وهذا طريق المَأزِمَين اسمان للجبلين، ولأجل هذا لم يمر عليه وقت الذهاب على وادي محسر، ومر وقت الرجوع.

وقوله: (يخرج على الجمرة الكبرى) هي الجمرة الأولى التي في جانب مزدلفة قريب مسجد الخيف التي يبدأ منها الرمي بعد هذا اليوم، ذكرها لتعيين الطريق، أما اليوم فيمر منه، ويأتي جمرة العقبة التي في جانب مكة، وهي في أصل الجبل، والعقبة بفتح العين والقاف: الطريق إلى الجبل، وهو موضع في أسفل مني، وإليه تضاف بيعة العقبة للأنصار، وسيأتي أحكام رمي الجمار في بابه.

وقوله: (حصى الخذف) بدل (حصيات)، وفي بعض النسخ: (مثل حصى

(1)"المواهب اللدنية"(4/ 448).

(2)

"شرح الزركشي على مختصر الخرقي"(3/ 250).

ص: 322

فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ في هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ في قِدْرٍ فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،

ــ

الخذف) وهو بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين: رميُ الحصى بالأصابع، وفي الحديث:(نهى عن الخذف) وهو رميك حصاةً أو نواةً تأخذها بين سبابتيك. وفي (المشارق)(1): أو بين الإبهام والسبابة، وترمي بهما، أو تتخذ مخذفة من خشب ثم ترمي بها الحصاة، والمراد بيان مقدار الحصى في الصغر والكبر، وفسروا حصى الخذف بقدر حبَّة الباقلاء، وفسره الأثرم بأن يكون أكبر من الحمص دون البندق، وعن ابن عمر: مثل بعر الغنم، وهو قريب من ذلك، كذا في (شرح كتاب الخرقي)(2).

وقوله: (ما غير) أي: بقي، والغابر أيضًا: الماضي، في (القاموس) (3): غَبر غُبورًا: مَكث، وذهب، ضِدٌّ، وغُبْرُ الشيء، بالضم: بقيته.

وقوله: (وأشركه في هديه) حقيقة، أو المراد: أعطاه بدنًا يذبحه.

وقوله: (فأكلا) يؤيد الأول، وفيه جواز الاستنابة في ذبح الهدي، والأفضل أن يذبح بيده، وفيه استحباب تعجيل ذبح الهدايا يوم النحر وإن كانت كثيرةً.

و(البضعة) بفتح الباء: القطعة من اللحم، وقد مر تحقيق هذا اللفظ في (كتاب الإيمان)، والضمير في (لحمها) و (مرقها) للهدايا، ويجوز أن يكون للـ (قدر)، فإنها تؤنث.

و(المرق) بفتح الميم والراء: جمع مرقة، والمَرْق بسكون الراء: إكثار مرقة

(1)"مشارق الأنوار"(1/ 361).

(2)

"شرح الزركشي على كتاب الخرقي"(3/ 253).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 417).

ص: 323

فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ،

ــ

القدر، كذا في (القاموس)(1).

وقوله: (فأفاض) أي: أسرع إلى مكة ليطوف، ويسمى طواف الإفاضة، وهو فرض ثاني ركني الحج: الوقوف بعرفة والطواف بالبيت، وبه يتم الحج، وهو أفضل في يوم النحر، ويجوز بعده.

وقوله: (فصلى بمكة الظهر) قال في (المواهب اللدنية)(2): واختلف في أنه أين صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الظهر يوم النحر؟ ففي رواية جابر عند مسلم: أنه صلى بمكة، وكذلك قالت عائشة، وفي حديث ابن عمر في الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى (3)، فرجح ابن حزم في (كتاب حجة الوداع) له قول عائشة وجابر، وتبعه على ذلك جماعة؛ لأنهما اثنان، والاثنان أولى من الواحد، ولأن عائشة أخص الناس به، ولأن جابرًا ساق أفعال حجه صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها أتم سياق، وهو أحفظ للقصة وأضبطها، حتى ضبط جزئياتها، حتى أمرًا منها (4) ما لا يتعلق بالمناسك، وهو نزوله صلى الله عليه وسلم في الطريق، فبال وتوضأ وضوءًا خفيفًا، فمن ضبط هذا القدر فهو بضبط مكان صلاته الظهر يوم النحر أولى، وأيضًا فإن حجة الوداع كانت في آذار، وهو زمان تساوي الليل والنهار، وقد دفع من المزدلفة قبيل طلوع الشمس إلى مني، وخطب بها الناس، ونحر بدنه، وقسمها، وأكل منه، ورمى الجمرة، وحلق رأسه،

(1)"القاموس المحيط"(ص: 850).

(2)

"المواهب اللدنية"(3/ 502).

(3)

قال شيخنا في "التقرير": والجمع سهل بأن الأنبياء يجوز لهم تكرار الفرض مع الاحتمال أنه صلى في أحد الموضعين اقتداء نفلًا.

(4)

كذا في الأصل، وفي "المواهب":"حتى أقر منها".

ص: 324

فَأَتَى عَلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ: "انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ"،

ــ

وتطيب، ثم أفاض، فطاف، وشرب من ماء زمزم، ووقف عليهم وهم يسقون، وهذه أعمال يظهر منها أنها لا تنقضي في مقدار ما يمكن معه الرجوع إلى مني بحيث يدرك الظهر فيها في فصل آذار.

ورجحت طائفة أخرى حديث ابن عمر بأن حديثه متفق عليه، وحديث جابر من أفراد مسلم، فحديث ابن عمر أصح منه، وبأن رواته أحفظ وأشهر، وبأن حديث عائشة قد اضطرب في وقت طوافه، فروي عنها: أنه طاف نهارًا، وفي رواية عنها: أنه أخر الطواف إلى الليل، وفي رواية عنها: أنه أفاض من آخر يومه، فلم تضبط فيه وقت الإفاضة ولا مكان الصلاة، كما يأتي في (باب خطبة يوم النحر ورمي أيام التشريق)، وأيضًا فإن حديث ابن عمر أصح منه بلا نزاع؛ لأن حديث عائشة من رواية محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، وابن إسحاق مختلف في الاحتجاج به، ولم يصرح بالسماع بل عنعنه، فلا يقدم على حديث عبد اللَّه بن عمر، واللَّه أعلم.

وقوله: (فأتى علي بني عبد المطلب يسقون) وكانت سقاية البيت على يد العباس بن عبد المطلب، و (زمزم) بئر عند البيت، وفي الأصل عين من ضرب جبرئيل رجله حين عطش إسماعيل، وقد ذكرنا شيئًا من أخبارها في (شرح سفر السعادة)(1)، وكثير من تفاصيل كتاب الحج ومناسكها مذكور فيه لم نذكرها ههنا، فلينظر ثمة.

وقوله: (فلولا أن يغلبكم الناس. . . إلخ)، أي: لولا خوفُ غلبة الناس عليكم في نزع الماء من البئر لاتِّباع فعلي، وازدحامُهم على ذلك الموجِبُ لخروج هذا المنصب

(1)"شرح سفر السعادة"(ص: 362).

ص: 325

فَنَاوَلُوهُ دلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1218].

2556 -

[2] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَداعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ فَقَالَ (1) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيَحْلِلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا"، وَفِي رِوَايَةٍ: "فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ بِنَحْرِ هَدْيِهِ، وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ" قَالَتْ: فَحِضْتُ، وَلَم أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ، وَأُهِلَّ بِالْحَجِّ وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ،

ــ

من يدكم، لنزعت الماء من البئر.

وقوله: (فناولوه دلوًا فشرب منه) وقد جاء في حديث آخر أن العباس قال: يا فضل، اذهب إلى أمك، فأت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها، فمنعه عن ذلك، وشرب من ماء زمزم من الدلو، كما يأتي في (باب خطبة يوم النحر).

2556 -

[2](عائشة) قوله: (ولا بين الصفا والمروة) أي: ولا طفت بينهما، فإن الطواف يطلق على السعي بين الصفا والمروة، كما ورد في الحديث، فإن كان مجازًا كما هو الظاهر -فإن الطواف: الحركة حول الشيء- يقدر بعد (لا): سعيت، أو يحمل على عموم المجاز.

وقوله: (أن أنقض رأسي. . . إلخ)، أي: أخرج من إحرام العمرة وأستبيح محظورات الإحرام، (وأهل بالحج) أي: أحرم له، وإحرام الحائض والنفساء جائز،

(1) في نسخة: "قال".

ص: 326

فَفَعَلْتُ حَتَّى قَضَيْتُ حَجِّي، بَعَثَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي. . . . .

ــ

يغتسلن ويُحرمن.

وقد وقع في بعض الروايات: (أن اغتسلي وأحرمي) كما مرّ في أول الباب من حديث جابر: فأمرها برفض تلك العمرة التي كانت أحرمت بها أولًا والانتقال إلى الحج، المفرد، فلما أن حجها أمرها بالاعتمار قضاء لتلك العمرة السابقة، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه، فإن مذهبهم أن المرأة إذا تمتعت وأحرمت للعمرة فحاضت قبل الطواف تركت العمرة وأحرمت للحج المفرد، ثم قضت العمرة، ويستدلون بهذا الحديث عن عائشة.

وقال الأئمة: أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بالقران، فلما طهرت وأفاضت من عرفات فطافت وسعت، تم لها الحج والعمرة، كما هو حال القارن، قالت: يقع في نفسي أني طفت للعمرة بعد الوقوف، وكان وقته قبله، بعث معها أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر، حتى أحرمت من التنعيم، واعتمرت، فهذه عمرة زائدة على ما وجب عليها، أمرها بها تطييبًا لقلبها وجبره، وإلا كان الطواف والسعي اللذَين فعلتهما بعد الإحرام كفتها (1) من الحج والعمرة كما للقارن، فكانت رضي الله عنها متمتعة في الابتداء، وصارت قارنة في الانتهاء، وما جاء في الروايات:(ارفضي عمرتك)، و:(دعي عمرتك)، و:(اقضي عمرتك)، يؤيد مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وهم يؤولونها بأن المراد برفض العمرة وتركها التحلل منها، وما جاء في رواية:(أمسكي عن العمرة) محتمِل للوجهين.

وقوله: (وأمرني أن أعتمر مكان عمرتي) أي: بدلها قضاءً لما فات، وهذا أيضًا يؤيد مذهبنا.

(1) كذا في النسخ المخطوطة، والظاهر:"كفيا".

ص: 327

مِنَ التَّنْعِيم، قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 319، م: 1211].

2557 -

[3] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَداعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. . . . .

ــ

وقوله: (من التنعيم) متعلق بـ (أعتمر)، والتنعيم: موضع من الحل على ثلاثة أميال من مكة، وفيه مكان يقال له: مسجد عائشة لإحرامها فيه.

وقوله: (ثم حلّوا) تعني: الذين لم يسوقوا الهدي.

وقوله: (ثم طافوا طوافًا بعد أن رجعوا من مني) تعني: طواف الزيارة.

وقوله: (فإنما طافوا طوافًا واحدًا) يعني: يوم النحر للحج والعمرة كما هو حكم القارن (1).

2557 -

[3](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (تمتع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) تأويله عند من قال:

(1) في "التقرير": اعلم أن الحديث كما أنه يخالف الحنفية يخالف الشافعية أيضًا، فإن طواف القارن عند الحنفية أربعة: القدوم والعمرة والزيارة والصدر، وعند الشافعية ثلاثة، فأي معنى "طوافًا واحدًا" مع أنه يخالف فعله عليه السلام كما هو المعروف في الروايات، ولذا أوله الشافعية بأن المراد منه السعي، وليس بشيء، ووجَّه الحنفية بأن المراد أنهم طافوا قبل طواف الحج طوافا واحدًا، فكأنهم تداخلوا في طواف القدوم والعمرة، أو المعنى: طافوا طوافا واحدًا وهو طواف الزيارة للحل عن النسكين معًا، وإلا فالمفرد والمتمتع يحل به عن الحج فقط، انتهى.

ص: 328

بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ:"مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيقصِّرْ، وَلْيَحْلِلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ" فَطَافَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ،

ــ

إنه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا، أن المراد بالتمتع المعنى اللغوي، وهو الانتفاع والالتذاذ، ولا شك أن ذلك في القران موجود للاكتفاء على النسكين بنسك واحد، أو المراد أمر بعض أصحابه بالتمتع على طريق الإسناد إلى السبب الآمر توفيقًا بين الروايات، وأما التوفيق بأحاديث الإفراد أنه أحرم للحج مفردًا، ثم أدخل العمرة في الحج وصار قارنًا، وقال:(دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)، ثم أهل للحج والعمرة معًا، فمن سمع أول الكلام روى أنه أفرد بالحج، ومن سمع تمامه روى أنه قارن، وتفصيله في (شرح سفر السعادة)(1).

وقوله: (وليقصر) اقتصاره على الأدنى، وقد مر الكلام فيه في حديث جابر.

وقوله: (ثلاثة أيام في الحج) الأفضل أن يصوم السابع والثامن والتاسع، وهو المذهب عندنا، وقيل: الأولى أن يصوم الثلاثة قبل التاسع.

وقوله: (وسبعة إذا رجع إلى أهله) اختلفوا في تفسير قوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] فقيل: إذا رجعتم إلى أهليكم، وهو أحد قولي الشافعي، أو: إذا نفرتم وفرغتم من أعمال الحج ورجعتم إلى مكة، وهو مذهب أبي حنيفة، أو: قول

(1)"شرح سفر السعادة"(ص: 331).

ص: 329

ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى أَرْبَعًا، فَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1691، م: 1227].

2558 -

[4] وَعَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْهَدْيُ فَلْيَحِلَّ الْحِلَّ كلَّهُ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1241].

ــ

للشافعي، كذا قال البيضاوي والطيبي (1)، والمذكور في (الهداية) (2): إذا رجع إلى أهله.

وقوله: (ثم خب) الخبب: نوع من العدو، أو كالرمل، كذا في (القاموس)(3)، والمراد هنا الرمل.

وقوله: (ثم حل من كل شيء حرم منه) حتى النساء، وأما قبل الطواف بعد النحر فقد حل ما سوى النساء.

2558 -

[4](ابن عباس) قوله: (فإن العمرة قد دخلت في الحج) قد مضى شرحه فيما سبق.

(1) انظر: "تفسير البيضاوي"(1/ 110)، و"شرح الطيبي"(5/ 262).

(2)

"الهداية"(1/ 153).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 85).

ص: 330