المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌9 - كتاب الدعوات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ذكر اللَّه عز وجل والتقرب إليه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - كتاب أسماء اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب ثواب التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل والتَّكبير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الاستغفار والتوبة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب ما يقول عند الصباح والمساء والمنام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب الدعوات في الأوقات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الاستعاذة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب جامع الدعاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(10) كتاب المناسك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الإحرام والتلبية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الْثَّالِثُ:

- ‌2 - باب قصة حجة الوداع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب دخول مكة والطواف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الْثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الوقوف بعرفة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الدفع من عرفة والمزدلفة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الْثَّالِثُ:

- ‌6 - باب رمي الجمار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب الهدي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الحلق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌9 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب خطبة يوم النحر، ورمي أيام التشريق، والتوديع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب المحرم يجتنب الصيد

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب الإحصار وفوت الحج

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌14 - باب حرم مكة حرسها اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب حرم المدينة حرسها اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(11) كتاب البيوع

- ‌1 - باب الكسب وطلب الحلال

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب المساهلة في المعاملة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌3 - باب الخيار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الربا

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب المنهي عنها من البيوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب السلم والرهن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الاحتكار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب الإفلاس والإنظار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب الشركة والوكالة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الغصب والعارية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب الشفعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب المساقاة والمزارعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب الإجارة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب إحياء الموات والشرب

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌16 - باب العطايا

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌17 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌18 - باب اللقطة

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌(12) [كتاب الفرائض والوصايا]

- ‌1 - باب الفرائض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الوصايا

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

2728 -

[1] عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه (1) قَالَ: مَا كَتَبْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا الْقُرْآنَ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمَدِينَة حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ،

ــ

عنه في موضع الحاجة، واحتج بعضهم بحديث أنس في قصة قطع النخل لبناء المسجد، ولو كان قطع شجرها حرامًا ما فعله صلى الله عليه وسلم، وتعقب بأن ذلك كان في أول الهجرة، وحديث تحريم المدينة كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من خيبر.

وقال الطحاوي: يحتمل أن يكون سبب النهي عن صيد المدينة وقطع شجرها كون الهجرة إليها، فكان بقاء الصيد والشجر مما يزيد في زينتها ويدعو إلى ألفتها، كما روى ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هدم آطام المدينة، فإنها من زينة المدينة، فلما انقطعت الهجرة ارتفع ذلك، وتعقب بأن النسخ لا يثبت إلا بدليل.

وقيل: الجزاء في حرم المدينة أخذُ السلب، حديث (صحيح مسلم) عن سعد بن أبي وقاص، وفي رواية لأبي داود:(من أخذ [أحدًا] بالصيد في حرم المدينة فَلْيَسْلُبْه)، قال القاضي عياض: لم يقل أحد بهذا بعد الصحابة إلا الشافعي في قوله القديم، قال الشيخ: اختاره جماعة معه بعده لصحة الخبر به، وأغرب بعض الحنفية، فادعى الإجماع على ترك الأخذ بحديث السلب، وفي السلب وجهان؛ أحدهما: ثيابه فقط، وأصحهما: ثيابه وفرسه وسلاحه وغير ذلك.

الفصل الأول

2728 -

[1](علي) قوله: (ما بين عير إلى ثور) قيل: وهما اسما جبلين، فعيرٌ

(1) سقطت الترضية في نسخة.

ص: 461

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بفتح العين المهملة وسكون التحتانية: جبل مشهور بالمدينة، وأما ثور فهو بمكة، وهو الذي توارى في غاره النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وليس في المشهور بالمدينة جبل يسمى ثورًا، فهذا مشكل، قال في (فتح الباري) (1): اتفقت روايات البخاري كلها على إبهام الثاني، ووقع عند مسلم:(إلى ثور)، فقيل: إن البخاري أبهمه عمدًا لما وقع عنده أنه وهم.

وقال صاحب (المشارق)(2): أكثر رواة البخاري ذكروا عيرًا، وأما ثور فمنهم من كنى عنه بـ (كذا)، ومنهم من ترك مكانه بياضًا، والأصل في هذا التوقفِ قول مصعب الزبيري: ليس بالمدينة عير ولا ثور، وأثبت غيره عيرًا، ووافقه على إنكار ثور، قال أبو عبيد: قوله: (ما بين عير إلى ثور) هذه رواية أهل العراق، وأما أهل المدينة فلا يعرفون جبلًا عندهم يقال له: ثور، وإنما ثور بمكة، ونرى أن أصل الحديث (ما بين عير إلى أُحد).

قلت: وقد وقع ذلك في حديث عبد اللَّه بن سلام عند أحمد والطبراني، وقال عياض: لا معنى لإنكار (عير) بالمدينة، فإنه معروف، وقد جاء ذكره في أشعارهم، وقال ابن الأثير (3): قيل: إن عيرًا جبل بمكة، ويكون المراد: حرِّم من المدينة مقدار ما بين عير وثور من مكة، وكانه قال: حرّمت المدينة تحريمًا مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة، على حذف المضاف ووصف المصدر المحذوف، انتهى.

(1)"فتح الباري"(4/ 82).

(2)

"مشارق الأنوار"(1/ 211).

(3)

"النهاية"(3/ 328).

ص: 462

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الشيخ مجد الدين في (القاموس)(1): ثور جبل بالمدينة، ومنه الحديث الصحيح:(المدينة حرام ما بين عير إلى ثور)، وأما قول أبي عبيد بن سلَّام وغيرِه من أكابر الأعلام: إن هذا تصحيف، والصواب: إلى أحد، لأن ثورًا إنما هو بمكة، فغير جيد؛ لِمَا أخبرني الشجاع البعلي الشيخ الزاهد عن الحافظ أبي محمد عبد السلام البصري أن حِذاء أحد جانحًا إلى ورائه جبلًا صغيرًا يقال له: ثور، وتكرر سؤالي عنه طوائفَ من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال، وكلٌّ أخبرني أن ذلك الجبل اسمه ثور، ولِمَا كتب إلي الشيخ عفيف الدين المطري عن والده الحافظ الثقة: أن خلف أحد عن شماليِّه جبلًا صغيرًا مدورًا يسمى ثورًا، يعرفه أهل المدينة خلفًا عن سلفٍ، انتهى كلام (القاموس).

ونقل هذا الكلام المذكور في (فتح الباري)(2) عن المحب الطبري أنه قال في (الأحكام) بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه: قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري: أن حذاء أحد. . . إلخ. ونقل عنه في آخر كلامه أنه قال: فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح، وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه، قال: وهذه فائدة جليلة، انتهى.

وقال الشيخ: وقرأت بخط شيخ شيوخنا القطب الحلبي في شرحه: حكى لنا شيخنا الإمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصري: أنه خرج رسولًا إلى العراق، فلما رجع إلى المدينة كان معه دليل، فكان يذكر له الأماكن والجبال، قال: فلما وصلنا

(1)"القاموس المحيط"(ص: 337).

(2)

"فتح الباري"(4/ 82).

ص: 463

فَمَنْ أَحْدَثَ فِيْهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ،

ــ

إلى أحد إذا بقربه جبل صغير، فسألته عنه، فقال: هذا يسمى ثورًا، انتهى.

وقد نقل كلام المحب الطبري السيد السمهودي في (تاريخ المدينة الطيبة) وقال: وردّ الجمال المطري في تاريخه على من أنكر وجود ثور، وقال: إن خلف أحد من شماليِّه جبلًا صغيرًا مدورًا يعرفه أهل المدينة خلفًا عن سلف، وقال الأقشهري: وقد استقصينا من أهل المدينة تحقيق خبر جبل يقال له ثور عندهم، فوجدنا ذلك اسم جبل خلف جبل أحد يعرفه القدماء دون المحْدَثين من أهل المدينة، والذي يَعلم حجةٌ على من لا يعلم.

ونقل السيد السمهودي أيضًا عن الشيخ مجد الدين: لا أدري كيف وقعت المسارعة من هؤلاء الأعلام إلى إثبات وهم في الحديث المتفق على صحته بمجرد ادعاء أن أهل المدينة لا يعرفون جبلًا يسمى ثورًا مع احتمال تطرق التغير في الأسماء والنسيان؟ ! ولعل ثورًا جبل عند أحد، وهذا غاية الاستقصاء في تحقيق المرام في هذا المقام، واللَّه أعلم (1).

وقوله: (فمن أحدث فيها حدثًا) أي: أمرًا حادثًا منكرًا في السنَّة، أو (آوى) أي: مكَّن وأجار وأعان (محدثًا) بكسر الدال، أي: مبتدعًا أو جانيًا، وقد يفتح الدال أي: أمرًا مبتدعًا، ويجعل (آوى) بمعنى رضي، فيكون المعنى: من ابتدع فيه أو رضي بالبدعة من غيره، (فعليه لعنة اللَّه) لعنة طردٍ وإبعاد من جناب القرب والرضا.

وقوله: (صرف ولا عدل) المشهور في تفسيره: فريضة ونافلة، وقد يراد بالصرف

(1) انظر: "وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى"(1/ 194 - 200).

ص: 464

ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1870، م: 1363].

ــ

الشفاعة؛ لأنها تَصرِف العذاب عمن يستحقه، أو التوبة لأنها تصرف العبد عن المعصية، وبالعدل الفدية لأنها تعادل المُفْدى، ومن الأحكام المكتوبة في الصحيفة العلوية هذا الحكم:(ذمة المسلمين واحدة) والذمة بالكسر: العهد؛ لأنه يذم على إضاعتها.

وقوله: (يسعى بها أدناهم) أي: إذا آمن أحدٌ المسلمين -ولو كان وضيعًا أو عبدًا أو امرأةً- كافرًا لم يحل لأحد نقضه، (فمن أخفر مسلمًا) أي: نقض عهده، وخفرْتُه بمعنى: حفظت عهده، وأخفرتُ بمعنى: نقضت عهده، والخفرة: الإزالة.

وقوله: (ومن والى قومًا بغير إذن مواليه) يحتمل أن يراد ولاء الموالاة؛ بأن يكون لرجل موالي فأبطل موالاتهم، واتخذ قومًا آخرين مواليَ بغير إذن مواليه والاستشارة بهم، فإن فيه نوعًا من نقض العهد والإيذاء، وقيل: المراد: من وَالى كفارًا لإيذاء المسلمين، ويحتمل أن يراد ولاء العتاقة، وهذا أنسب بما جاء في الروايات الأخرى من أقرانه، وذكرِه مع قوله:(ومن ادعى إلى غير أبيه) فإنهم قالوا: العتق له لحمة كلحمة النسب، أي: من انتسب إلى غير من هو معتِق له كان كالداعي الذي ينتسب إلى غير أبيه.

وقوله: (بغير إذن مواليه) للتنبيه على ما هو المانع من إبطال حق مواليه وعهدهم، وعلى ما هو الغالب في الوقوع، لا لتقييد الحكم بعدم الإذن حتى يجوز بإذنهم.

ص: 465

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، فَعَلَيهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ".

2729 -

[2] وَعَنْ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ: أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا، أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا" وَقَالَ: "الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانوُا يَعْلَمُونَ، لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيْهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لأَوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1363].

ــ

2729 -

[2](سعد) قوله: (ما بين لابتي المدينة) أي: حَرَّتيها اللتين تكتنفانها، واللابة بالتخفيف واللُّوبة بالضم: الحرة، وهي أرض ذات حجارة.

وقوله: (أن يقطع عضاهها) بدل اشتمال من (بين لابتي المدينة)، والضمير للمدينة، و (العضاه) جمع عضاهة بالكسر: أعظم الشجر، أو الخَمْط، أو كلُّ ذات شوك، أو ما عظم منها وطال، أو جمع عِضَهٍ كعنب أو عِضَهةٍ كعنبة.

وقوله: (أو يقتل صيدها) والدلالة والإشارة والإعانة عليه في حكم القتل.

وقوله: (والمدينة خير لهم) قيل: الضمير للمهاجرين، والظاهر العموم.

وقوله: (لا يثبت) أي: لا يصبر، و (اللأواء) بالمد: الشدة والجوع، و (جهدها) صحح في النسخ بالضم، والظاهر الفتح بمعنى المشقة، وأما بالضم فمعنى الوسع والطاقة، وقيل: هما لغتان، و (أو) في قوله:(شفيعًا أو شهيدًا) للشك، وقيل: للتنويع، أي: شفيعًا للعاصين وشهيدًا للمتقين.

ص: 466

2730 -

[3] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1378].

2731 -

[4] وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرَةِ جَاءُوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا أَخَذَهُ قَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنا، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنبَيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنبَيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَأَنَا أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ". ثُمَّ قَالَ: يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ،

ــ

2730 -

[3](أبو هريرة) قوله: (لا يصبر على لأواء المدينة) قيل: مخصوص بزمان حياته صلى الله عليه وسلم، وقيل: عام، غايته أن الشدة في ذلك الزمان أكثر وأعظم.

2731 -

[4](عنه) قوله: (وبارك لنا في مدينتنا) البركة تكون بمعنى النماء والزيادة، وبمعنى الثبات واللزوم، وهي تشمل البركة الدينية والدنيوية، وأيّ بركة لم تُرْزقْها تلك البلدة، وقد فتح كنوز العالم فيها، وأضاء بأنوارها وآثارها المشارق والمغارب.

وقوله: (وإني عبدك ونبيك) لم يذكر الخلة لنفسه مع ثبوتها له أكمل مما ثبتت لإبراهيم، ولا الحبَّ الذي هو أكمل من الخلة عند البعض، فإن الحبيب هو المحب الذي وصل إلى مقام المحبوبية تواضعًا مع إثبات صفة العبودية الخاصة التي هي أكمل الصفات وأرفع المقامات، والعبودية الحقيقية خاصة بالمحمدية، وكل من سواه فهو دونه في هذه الصفة، كما قرره أهل التحقيق.

وقوله: (يدعو أصغر وليد) تخصيصه بالأصاغر لرعاية المناسبة الواقعة بينهم

ص: 467

فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1373].

2732 -

[5] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَامًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا؛ أَنْ لَا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ، وَلَا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلَّا لِعَلَفٍ". . . . .

ــ

وبين الباكورة، ولأن الصغير أرغب فيه وأكثر تطلعًا إليه وأشد فرحًا بذلك، وفي إيثار الغير تنبيه وتعليم للأمة على منع الشره والشهوة، خصوصًا فيما فيه ميل الطبع أشدُّ وأكثر كالباكورة.

2732 -

[5](أبو سعيد) قوله: (إن إبراهيم حرم مكة) نسبة التحريم إلى إبراهيم باعتبار دعائه وسؤاله ذلك، فلا ينافي ما سبق في حرم مكة من قوله:(إن مكة حرمها اللَّه ولم يحرمها الناس).

وقوله: (وإني حرمت المدينة حرامًا) مصدر للتأكيد من قبيل: أنبته نباتًا، وقيل: التقدير: جعلتها حرامًا كما في قرينه، و (المأزمين) بكسر الزاي، أي: طرفيها من الجبال في معنى: ما بين لابتيها، والمأزم: المضيق بين الجبال حيث يلتقي بعضها ببعض ويتسع، ويقال: المأزمان، لمضيق بين جمع وعرفة وبين مكة ومنى.

والمراد بإهراق الدم القتال، وإلا فإراقة الدم منهي عنها على الإطلاق، كذا قيل، والأظهر أن المراد النهي عن قتل الجاني فيها حتى يخرج، كما هو مذهب أبي حنيفة، والحمل على النهي عن القتال يوجب التكرار لقوله:(ولا يحمل فيها سلاح لقتال).

وقوله: (ولا تخبط) بالتاء والياء، خبط الشجرة: شدَّها ثم نقض ورقها.

وقوله: (إلا لعلف) قد يجعل القائلون بأن تحريم المدينة تحريم التعظيم بدون

ص: 468

رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1374].

2733 -

[6] وَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ سَعْدًا رَكِبَ إِلَى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ، فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطُهُ، فَسَلَبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ، فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِمْ أَوْ عَلَيهِمْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِمْ، فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1364].

2734 -

[7] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلْيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا. . . . .

ــ

الجزاء هذا القولَ قرينةً على ذلك، لأن أشجار مكة لا يجوز خبطها بحال، وفيه ما فيه.

2733 -

[6](عامر بن سعد) قوله: (بالعقيق) موضع قريب من المدينة، كذا في (القاموس)(1)، كان يسكنه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وله فيه قصر.

وقوله: (فسلبه) أي: أخذ ثوبه وسلاحه.

وقوله؛ (على غلامهم أو عليهم) الظاهر أن (أو) للشك.

وقوله: (نفلنيه) بالتشديد، أي: جعله لي نفلًا بالتحريك، أي: غنيمة.

2734 -

[7](عائشة) قوله: (وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما)، الوعك: الحمى أو وجعها.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 838).

ص: 469

فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1889، م: 1376].

2735 -

[8] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَدِينَةِ: "رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى نَزَلَتْ مَهْيَعَةَ، فتَأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ وَهِيَ الْجُحْفَةُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 7039].

ــ

وقوله: (بالجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة: موضع بين مكة والمدينة، وفيها موضع يسمى بغدير الخم، وكان ساكنوها يومئذ اليهود، قالوا: كانت أرض المدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم أرض وباء وبلاء وشدة ولأواء وحمى، فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تنتقل إلى أراضي الكفار، وفيه دليل على جواز الدعاء على الكفار بالأمراض والأسقام والموت والهلاك وفساد بلادهم.

2735 -

[8](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم) الإضافة إلى الفاعل.

وقوله: (في المدينة) أي: في شأن المدينة.

وقوله: (رأيت امرأة) بيان لرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم ذكره حكاية عنه صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (ثائرة الرأس) أي: شعثًا، و (مهيعة) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح التحتانية.

وقوله: (إن وباء المدينة) أي: حمَّاها وأمراضها، وفي (القاموس) (1): الوباء: الطاعون أو كل مرض عام، وقال في حرف النون: الطاعون: الوباء، وقد يطلق أيضًا على الأرض الوخمة التي تكثر بها الأمراض، ولم يكن هذا المعنى معلومًا لهم قبل القدوم، وأيضًا لم يكن النهي عن قدوم أرض الوباء ثابتًا.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 64).

ص: 470

2736 -

[9] وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ، فَيَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَيُفْتَحُ الشِّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَيُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1875، م: 1388].

2737 -

[10] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَأُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى،

ــ

2736 -

[9](سفيان بن أبي زهير) قوله: (يبسون) أي: يسيرون، من البس، وهو السير باللين، ومنه قوله تعالى:{وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة: 5]، وقيل: من بَسْسْتُ الدابة، أي: سُقتها. (فيتحملون) بمعنى: يرتحلون، والمراد: يخرجون من المدينة إلى البلاد، ويسوقون دوابهم ورحالهم إليها، بطلب سعة المعيشة وحظوظ الدنيا وحطامها الفانية، وأعرضوا عن جوار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والإقامة في مهبط الوحي ومنزل البركات، ففيه تحقيرهم وتوهين أمرهم، وقيل: المراد أن يخرجوا من البلاد ويسكنون بالمدينة، ففيه مدح المدينة ومدح النازلين فيها، والمعنى الأول أصح وأوجه وأظهر من الحديث، واللَّه أعلم.

2737 -

[10](أبو هريرة) قوله: (أمرت بقرية) أي: بالهجرة إليها واستيطانها، (تأكل القرى) أي: تغلبها وتظهر عليها، بمعنى أن من سكنها واستوطنها غلب على سائر البلاد وفتحها، وهذه خاصية هذا البلد الشريف، سكنها أولًا العمالقة، فغلبوا وفتحوا البلاد والولايات ما بين البحرين وعمان والحجاز والشام ومصر وغير ذلك،

ص: 471

يَقُولُونَ: يَثْرِبَ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ. . . . .

ــ

ثم سكن اليهود فغلبوا العمالقة، ثم جاء الأنصار فغلبوا اليهود، ثم جاء سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين فغلبوا، وأيّ غلبة وشوكة حصلت لهم حتى شمل العالم من مشرقها إلى مغربها، وهذه الأخبار بتفاصيلها مذكورة في كتاب (جذب القلوب إلى ديار المحبوب)(1) تاريخ المدينة المطهرة على ساكنها السلام والتحية.

ومن أسماء هذه البلدة المكرمة: (أكالة القرى) و (أكالة البلدان) من جهة تسلطها وغلبتها على سائر البلدان والأمصار، وتنفيذ أمر أهلها على سائر أهل الأقطار، وحمله بعضهم على معنى زيادة الفضل والكرامة لها بالنسبة إلى فضائل سائر الأماكن، بمعنى أن الفضائل كلها مضمحلة ومتوارية في جنب فضائلها، كما سميت مكة أم القرى من جهة أصالتها وعراقتها بالنسبة إلى سائر بقاع الأرض، كما جاء في الأخبار، وقال بعضهم: مضمون (أكالة القرى) أبلغ وأكمل من معنى (أم القرى)، لأن الأمومة لا تقتضي المحو والإهلاك والإفناء إلا ثبوت الأصالة وحق الأمومة بخلاف الأكل، فإنه يقتضي التواري والاضمحلال، ولهذه البلدة أسماء كثيرة تبلغ المئة، ذكرنا نبذة منها في الكتاب المذكور.

وقوله: (يقولون: يثرب وهي المدينة) كان اسم هذه البلدة الشريفة قبل زمان النبوة يثرب وأثْرِب على وزن مسجد، فسماها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (المدينة) من التمدن واجتماع الناس واستئناسهم وائتلافهم فيها، و (طابة) و (طيبة) و (محبوبة) وغيرها من الأسماء، ونهى أن تسمى يثرب إما لأنها اسم جاهلي، أو لأنه مشتق من الثرب بمعنى الهلاك والفساد، والتثريب هو التوبيخ والملامة، أو لأنه في الأصل اسم صنم أو

(1) هو من مؤلفات المصنف باللغة الفارسية، مطبوع.

ص: 472

تنفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1871، م: 1382].

2738 -

[11] وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1385].

ــ

أحد من الجبابرة.

وروى البخاري في (التاريخ) حديثًا معناه: أن من قال: يثرب مرة فليقل: المدينة عشر مرات ليتدارك ذلك، وجاء في رواية أخرى: فليستغفر، وعن بعضهم: أنه يعزر قائله، وما جاء في القرآن {يَاأَهْلَ يَثْرِبَ} [الأحزاب: 13] فإنما هو حكاية عن قول المنافقين، ولذلك قال يقولون: يثرب، يعني إهانة وقصدًا إلى أنها ليست محل الإقامة والتوطن.

وقوله: (وهي المدينة) يعني مستحقة لأن تُستوطن ويجتمع فيها.

وقوله: (تنفي) أي: تخرج (الناس) من أهل الكفر والخبث، كما يزيل (الكير) بكسر الكاف وسكون التحتانية بمعنى الكورة أو الزق الذي ينفخ به وهو الأرجح، و (الخبث) بفتحتين: ما تلقيه النار وتبرزه من وسخ الفضة والنحاس والحديد وغيرها إذا أذيبت فيجعلها خالصة نقية.

2738 -

[11](جابر بن سمرة) قوله: (إن اللَّه سمى المدينة (1)) على لسان حبيبه (طابة)، وكذلك (طيبة) بسكون المثناة، و (طيبة) بالتشديد، و (طائب) من الطيب بمعنى طهارتها من أنجاس الشرك، وموافقتها للطباع السليم، ولطيب رائحته،

(1) ذكر المجد الفيروزآبادي في "المغانم المطابة"(96 - 135) خمسة وستين اسمًا للمدينة، وزاد عليه السمهودي في "وفاء الوفاء"(1/ 61 - 92) نحو ثلاثين اسمًا.

ص: 473

2739 -

[12] وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَصَابَ الأَعْرَابِيَّ وَعَكٌ بِالْمَدِينَةِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى، فَخَرَجَ الأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَتُنصِعُ طَيِّبَهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1883، م: 1383].

ــ

بل طيب أمورها كلها، قال بعض العارفين: تهب من تربتها وأبوابها وجدرانها روائح طيبة يجدها من لا تزكم شامة باطنه بزكام الكفر والنفاق، قال أبو عبد اللَّه العطار:

بطيبِ رسولِ اللَّهِ طابَ نسيمُها

فَمَا المسكُ والكافورُ والمنْدلُ

وقيل: لطيب ساكنها وأمنهم بها وسكون حال من هاجر إليها، واليوم الطيب: الساكن الريح، والريح الطيبة: الساكنة، أو من الطيب وحسن العيش بها، من طاب لي الشيء: إذا وافقك، كذا في (المشارق)(1).

2739 -

[12](جابر بن عبد اللَّه) قوله: (أن أعرابيًا بايع) قالوا: كان ممن هاجر وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإقامة عنده، ثم أبى وبالغ في الخروج من عنده.

وقوله: (تنصع) في (القاموس)(2): نصع كمنع نصاعة ونصوعًا: خلص، ونصع لونه: اشتدّ بياضه، والناصع: الخالص من كل شيء، انتهى. فهو لازم، (يَنْصَع) بمهملتين، أي: يَخْلُص، (طيبها) بالرفع، وروي من التفعيل فـ (طيبها) بالنصب،

(1)"مشارق الأنوار"(1/ 326).

(2)

"القاموس"(ص: 708).

ص: 474

2740 -

[13] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1381].

2741 -

[14] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ. . . . .

ــ

وقيل: (ينصع) إما من النصوع بمعنى الخلوص، أو من النصع بمعنى الإخلاص، و (طيبها) رفع على الأول ونصب على الثاني، وروي بموحدة مع مهملتين من البصع وهو الجمع، وبمعجمة فمهملة من بضعت اللحم قطعته، كذا في (مجمع البحار)(1)، أي: يخرج ويصفي الطيب من الخبيث.

وقوله: (طيبها) بكسر طاء وسكون ياء، ويروى بفتح طاء وكسر تحتية مشددة، وهو أصح وأقوم لأنه في مقابلة الخبيث.

ثم قيل: يحتمل كونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكونه آخر الزمان حين يخرج الدجال، ترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق، ويحتمل كونه في أزمنة متفرقة، يحكى أن عمر بن عبد العزيز كان يقول حين خرج منها بعد كونه أميرًا من جانب هشام بن عبد الملك: أخاف أن أكون ممن نفته المدينة، كذلك يخاف كل من خرج منها، اللهم إلا لضرورة وحق شرعي، نسأل اللَّه العافية.

2740 -

[13](أبو هريرة) قوله: (لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة) هذا الحديث ظاهر في كونه في آخر الزمان، كما قيل.

2741 -

[14](عنه) قوله: (على أنقاب المدينة) جمع نقب بفتح النون -وحكي ضمها- وسكون قاف: الطريق بين الجبلين أو الفرجة بينهما.

(1)"مجمع بحار الأنوار"(4/ 734).

ص: 475

مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1880، م: 1379].

2742 -

[15] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤهُ الدَّجَّالُ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، لَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أَنْقَابِهَا إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونها، فَيَنْزِلُ السَّبِخَةَ، فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1881، م: 29443].

ــ

2742 -

[15](أنس) قوله: (من أنقابها) الظاهر أن الضمير للمدينة، كما يدل عليه سياق الحديث، فإن السبخة إنما هي أرض المدينة، فلعل مكة تحفظ بدون حراسة الملائكة.

وقوله: (فينزل السبخة) بفتحات وقد تكسر الباء: أرض يعلوها الملوحة، وفي (القاموس) (1): السَّبْخة ويحرك: أرض ذات نزٍّ وملح.

وقوله: (فترجف المدينه بأهلها) في (القاموس)(2): رجف: حرك وتحرك، انتهى. والظاهر في الحديث المعنى الثاني، فالباء إما للتعدية أو للملابسة، وقال الطيبي (3): يحتمل أن تكون للسببية، ويجوز أن يحمل على الأول وتكون الباء زائدة.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 244).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 749).

(3)

"شرح الطيبي"(5/ 377).

ص: 476

2743 -

[16] وَعَنْ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَكِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1877، م: 1387].

2744 -

[17] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 1886].

ــ

2743 -

[16](سعد) قوله: (إلا انماع) أي: ذاب وفني، يعني: من أراد المكر بهم وإيذاءهم لا يمهله اللَّه، ولم يبق له سلطان بل يذهبه عن قريب، كما يرى ذلك من حال يزيدَ الشقيِّ عليه ما يستحقه.

2744 -

[17](أنس) قوله: (إلى جدرات) الجدر والجدار: الحائط، والجمع: جدر وجدور وجدران، وفي الحديث جمع الجمع بالألف والتاء.

وقوله: (أوضع راحلته) وضع البعيرُ: أسرع، وأوضعه راكبه إيضاعًا: إذا حمله على سرعة السير، وفي الحديث:(شر الناس في الفتنة الراكب الموضع)(1)، أي: المسرع إليها، ومنه (فإن البر ليس بالإيضاع) قاله حين الدفع من عرفة وأوضع في وادي محسر، كما مر، وقيل: الإيضاع خاص بالراحلة، أي: بالبعير، ويقال في غيرها كالفرس والبغل والحمار: حركها، ولذا قال:(وإن كان على دابة) يعني: سوى البعير (حركها)، وأعظم ما يكون الشوق يومًا إذا دنت الخيام من الخيام.

(1) ينظر: "كنز العمال"(ح: 31087).

ص: 477

2745 -

[18] وَعَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2889، م: 1365].

2746 -

[19] وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 1482].

ــ

2745 -

[18](عنه) قوله: (هذا جبل يحبنا ونحبه) قيل: هذا مجاز باعتبار محبة أهلها، وهم المؤمنون وأهل التوحيد من الأنصار، كما أنشد:

ومن مذهبي حب الديار لأهلها

ولذا قال في مقابلته: (وعير جبل يبغضنا ونبغضه) لكون ساكنيه المنافقين، والحق أنه محمول على ظاهره؛ لإيداع العلم والفهم ولوازمهما من المحبة والعداوة في الجمادات على ما يليق بشأنها، خصوصًا مع الأنبياء والأولياء، خصوصًا سيد الأنبياء وسلطان الأولياء كان محبوب العالمين لكونه محبوب رب العالمين، ومن أحبه اللَّه أحبه كل شيء، إذ كل شيء خلقه ومحكومه، وحنين الجذع لمفارقته صلى الله عليه وسلم أدل دليل على ذلك، وهو حديث مشهور بلغ حدّ التواتر.

2746 -

[19](سهل بن سعد) قوله: (أحد جبل يحبنا ونحبه) الظاهر أن هذا القول أيضًا في المقام المذكور، أعني: إذا طلع أُحدٌ، ففي العدول عن اسم الإشارة والتعبير باسمه تشريف وتعظيم له والتذاذ، كما يكون بذكر اسم المحبوب، ويحتمل أن يكون صدوره في وقت آخر لم يكن بحضرته.

ص: 478