المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌9 - كتاب الدعوات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ذكر اللَّه عز وجل والتقرب إليه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - كتاب أسماء اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب ثواب التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل والتَّكبير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الاستغفار والتوبة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب ما يقول عند الصباح والمساء والمنام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب الدعوات في الأوقات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الاستعاذة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب جامع الدعاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(10) كتاب المناسك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الإحرام والتلبية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الْثَّالِثُ:

- ‌2 - باب قصة حجة الوداع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب دخول مكة والطواف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الْثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الوقوف بعرفة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الدفع من عرفة والمزدلفة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الْثَّالِثُ:

- ‌6 - باب رمي الجمار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب الهدي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الحلق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌9 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب خطبة يوم النحر، ورمي أيام التشريق، والتوديع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب المحرم يجتنب الصيد

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثاني:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب الإحصار وفوت الحج

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌14 - باب حرم مكة حرسها اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب حرم المدينة حرسها اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(11) كتاب البيوع

- ‌1 - باب الكسب وطلب الحلال

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب المساهلة في المعاملة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌3 - باب الخيار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الربا

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب المنهي عنها من البيوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب السلم والرهن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الاحتكار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب الإفلاس والإنظار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب الشركة والوكالة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الغصب والعارية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب الشفعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب المساقاة والمزارعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب الإجارة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب إحياء الموات والشرب

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌16 - باب العطايا

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌17 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌18 - باب اللقطة

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌(12) [كتاب الفرائض والوصايا]

- ‌1 - باب الفرائض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الوصايا

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

2261 -

[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فَيْمَنْ عِنْدَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2700].

ــ

وأما مذهب مالك فالكراهة فيه لعدم عمل السلف، ولسد ذريعة الابتداع بالزيادة على ذلك من اجتماع الذكور والإناث، والخروج إلى غير الحق، والتجاوز عن الحد، وقد وقع ما اتقاه رضي الله عنه.

وقال بعض المتأخرين من الشاذلية في مسألة الْحزب: إنه من الروائح التي يتعين التمسك بها لذهاب حقائق الديانة في هذه الأزمنة، وإن كان بدعة فهو مما اختلف فيه، وغاية القول فيه الكراهة، فصح العمل به على قول من يقول به، ولعل الشارع إنما قصد ترغيبه مَنْ هو بعد الصدر الأول لاحتياجهم له، وقد يختلف الحكم بالإباحة والندب باختلاف الأزمان والأمكنة بل الأشخاص، فتعين القول بجوازه مع رعاية الشروط والآداب، وهي مذكورة في مواضعها، واللَّه أعلم.

الفصل الأول

2261 -

[1](أبو هريرة) قوله: (إلا حفتهم الملائكة) أي: أحاطتهم، وما يحصل في ذلك الوقت من النورانية وحضور القلب والطمأنينة فهو أثر ذلك، وقد سبق تفصيل الكلام في هذا الحديث في الفصل الأول من (كتاب العلم).

وقوله: (وذكرهم اللَّه فيمن عنده) من الملائكة المقربين للمباهاة بهم وإظهار فضلهم عندهم، لِمَا كانوا يدَّعُون لأنفسهم من التسبيح والتقديس ولبني آدم الفساد وسفك الدماء.

ص: 30

2262 -

[2] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: جُمْدَانُ، فَقَالَ:"سِيرُوا، هَذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ". . . . .

ــ

2262 -

[2](أبو هريرة) قوله: (في طريق مكة) قاصدًا المدينة، و (جمدان) بضم الجيم وسكون الميم: جبل قريب المدينة على ليلة.

وقوله: (سبق المفردون) قال عياض في (المشارق)(1): هو بفتح الفاء وكسر الراء، كذا ضبطناه.

وقال التُّورِبِشْتِي (2): يروى (المفردون) بتشديد الراء وكسرها، وبالفتح وبالتخفيف بهما، واللفظان وإن اختلفا في الصيغة فإن كل واحد منهما في المعنى قريب من الآخر، إذ المراد منه: المتخلصون لعبادة اللَّه، المتخلُّون بذكره عن الناس، المعتزلون فيه، المتبتِّلون إليه، الذين وضع الذكرُ أوزارهم، فهجروا الخِلّان وتركوا الأسباب، فأفردوا أنفسهم للَّه عن العلائق، وأُفردوا عن الأقران، وفروا عن الشهوات، وهو مقام التفريد المشار إليه بقوله تعالى:{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8].

وقيل: (المفردون): الموحدون الذين لا يرون إلا اللَّه، واعتقدوه واحدًا، وخلصوا له بكليتهم، وفي (المشارق) (3): قال ابن الأعرابي: يقال: فرَّد الرجل مشدد الراء: إذا تفقه واعتزل الناس، وخلا بمراعاة الأمر والنهي. وعُبِّر معناه بعبارات كلها راجعة إلى معنى الاعتزال عن الناس بعبادة اللَّه.

(1)"مشارق الأنوار"(2/ 252).

(2)

"كتاب الميسر"(2/ 519).

(3)

"مشارق الأنوار"(2/ 252).

ص: 31

قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيْرًا وَالذَّكِرَاتُ (1) ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1676].

2263 -

[3] وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6407، م: 779].

ــ

وقد جاء مفسرًا في حديث الترمذي: فقال: (المستهتَرون -هم الذين أهْتِروا- في ذكر اللَّه يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافًا) وقيل: اهتروا: أصابهم خبال، وقيل: أُولعوا، من أهتر فلان به واستهتر فهو مهترٌ ومستهترٌ، أي: مولع، ولا يتحدث بغيره ولا يعقل.

وفي (القاموس)(2): الْهُتر بالضم: ذهاب العقل من كِبَر أو مرض أو حزن، وقد أَهتَرَ فهو مُهتَرٌ بفتح التاء شاذ، وقد قيل: أُهتِر بالضم، ولم يذكر الجوهري [غيره]، وأُهْتِر، بالضم فهو مُهتَرٌ: أُولِعَ بالقول في الشيء.

وقوله: (وما المفردون) أي: ما صفتهم، على طريقة قوله تعالى:{وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23] والجواب من الأسلوب الحكيم، والواو في (وما المفردون) للعطف على محذوف، كأنه قيل: لا نعلم المفردين، ونقول: ما المفردون؟ وقيل: الواو زائدة للتحسين.

2263 -

[3](أبو موسى) قوله: (مثل الحي والميت) في ظهور الآثار الروحانية

(1) قال القاري (4/ 1541): أي: اللَّه، وحذفه للاكتفاء، أو لأن كثرة الذكر توجد كثيرًا في الرجال دون النساء. وقال الطيبي (5/ 1722): أي: الذاكراته، فحذف الهاء كما حذف في التنزيل؛ لأنه رأس آية، ولأنه مفعول وحذفه سائغ، اهـ.

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 460).

ص: 32

2264 -

[4] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي،

ــ

من المعرفة والذوق والشوق في الذكر وعدمه في غيره، كظهور الآثار الجسمانية وعدمه في الحي والميت.

2264 -

[4](أبو هريرة) قوله: (أنا عند ظن عبدي بي) أي: بالغفران إذا استغفر، والقبول إذا تاب، والإجابة إذا دعا، والكفاية إذا طلبها، والأصح أنه أراد الرجاء وتأميل العفو، فإنْ ظَنَّ العفو فله ذلك، وإن ظن العقوبة فكذلك، وهو إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء، ويجوز أن يريد به العلم، أي: أنا عند يقينه بي وعلمه أن مصيره إليَّ وحسابه عليَّ، وأن ما قضيت له من خير وشر فلا مَرَدّ له، أي: إذا تمكن في مقام التوحيد قرب بي بحيث إذا دعاني أجيب.

أو المراد: علمه بأني معه إذا ذكرني، وأني أجازيه على عمله سرًّا أو علانية، فيكون ما بعده تفصيلًا له، كما قال الطيبي (1)، واللَّه أعلم.

وقوله: (وأنا معه إذا ذكرني) اعلم أن المعية المفهومة عند العقل لا تخلو عن أحد هذه الأقسام، إما معية الجزء مع الكل، أو معية العَرَض مع الجوهر، والصفة مع الموصوف، أو الساري مع المسريِّ فيه، كالماء مع الورد، أو الظرف مع المظروف، أو الجارَين أو المتلاصقين، ويستحيل ذلك كله في الباري تعالى وتقدس، وما هو إلا بالتوفيق والمعونة، أو كنايةٌ عن سماعه ما يقوله الذاكر، أو إظهار نور حضوره وشهوده في قلبه، وفي الحقيقة لا يمكن التعبير عنه بلسان القال، واللَّه أعلم بحقيقة الحال.

وفي رواية: (أنا جليس من ذكرني) وهو أيضًا محمول على مثل هذا المعنى.

(1)"شرح الطيبي"(4/ 322).

ص: 33

فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7405، م: 2675].

ــ

وقوله: (فإن ذكرني في نفسه) أي: سرًّا (ذكرته في نفسي) أي: أُسرُّ ثوابَه وأتولى بنفسي إثباته بحيث لا يعلمه أحد من الملائكة، كذا قالوا، ولا يخفى أن للَّه تعالى كلامًا نفسيًّا ولفظيًّا كما حقق في موضعه، فيذكر العبدَ بكلا الكلامين، ولا محذور فيه، والثواب لازم لذكره تعالى عبدَه وأثرٌ له، وهذا كما قالوا: إن محبة اللَّه للعبد توفيقُه له، والتحقيق أن المحبة صفة للَّه تعالى من غير أن يكون هنا انجذاب وانفعال، والتوفيق أثره ولازمه، فتدبر.

وقال القاضي عياض: يحتمل كونه على ظاهره تشريفًا له.

وقوله: (وإن ذكرني في ملأ) الملأ بفتح الميم واللام واحد الأملاء، وهم أشراف القوم ورؤساؤهم ومقدَّموهم، وفيه دليل على جواز الذكر جهرًا.

وقوله: (ذكرته في ملأ خير منهم) قد يستدل بهذا على أفضلية الملائكة من البشر، قال الطيبي (1): المراد ملأ من الملائكة المقربين وأرواح المرسلين لا الملائكة فحسب.

وفيه نظر؛ لأن النقص باق بالذاكر في مجلسه صلى الله عليه وسلم، إلا أن يقال: إن روحه الأقدس قد كان في الملائكة في الأوقات، وبهذا صار ذلك الملأ خيرًا، ولا يجب أن يكون في وقت الذكر هنالك.

والأحسن أن يقال: الخيرية من جهة النزاهة والتقدس والعلو والقرب ثابتة للملأ الأعلى، وهي لا تنافي أفضيلة البشر من جهة كثرة الثواب كما قالوا، وإلى هذا مآل

(1)"شرح الطيبي"(4/ 323).

ص: 34

2265 -

[5] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيْدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزاءُ سَيِّئَةٍ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2687].

2266 -

[6] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ،

ــ

ما قيل: إن خيريتهم لكونهم عند اللَّه وكونهِ سبحانه وتعالى معهم؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} [الأعراف: 206] وقوله تعالى للملائكة: {أَنِّي مَعَكُمْ} [الأنفال: 12]، والعندية والمعية وإن كان شاملا للبشر أيضًا، ولكن للملائكة أقدم وأسبق، وظهور سلطان الربوبية وأنوار القدس في عالم الملكوت أكثر وأظهر، وإن كان البشر أفضل من وجه آخر، وقد صرح باختلاف الجهتين كثير من العلماء، ولعل هذا هو الوجه، واللَّه أعلم.

2265 -

[5](أبو ذر) قوله: (من تقرب مني شبرًا) الشبر بالكسر: ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر، و (الذراع) من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى، وما يُذْرَع به الثوب، و (الباع) قدر مد اليدين كالبَوع ويُضمّ، و (الهرولة) بين العَدْو والمشي، وهو كناية عن سبق رحمة اللَّه تعالى وقربه من العباد، وزيادة ثوابه وعطائه وفضله على طاعاتهم وأعمالهم.

وقوله: (من لقيني بقراب الأرض) بالضم والكسر، أي: بملئه وقَدْرد، وقراب الشيء: ما قارب قدره.

2266 -

[6](أبو هريرة) قوله: (من عادى لي وليًّا)(لي) صفة لقوله: (وليًّا)،

ص: 35

وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أَحْبَبْتُهُ،

ــ

والولي بمعنى المحب والناصر ومن يتولى الأمر، فعيل بمعنى فاعل ومفعول.

وقوله: (وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه) يدل على أن قرب العبد من ربه بأداء الفرائض أتمُّ وأكمل مما يحصل من أداء النوافل؛ لأن فناء العبد وانعزاله من اختياره في امتثال الأمر أشد في أداء الفرائض؛ فإن النوافل يهديها العبد إلى الرب بالاختيار والتبرع، ويحصل في الأول فناء الذات وفي الثاني فناء الصفات، كذا قالوا، وهذا هو المشهور المتداول بألسنة القوم في متأخر الزمان.

وأقول -وباللَّه التوفيق-: إن فائدة النوافل في الحقيقة تكميل الفرائض وتتميم ما وقع فيها من النقصان، فيكون القربُ الحاصل بأداء النوافل بعد أداء الفرائض وتكميلها بها أتمَّ وأكمل باجتماع القربين، فهذا المقام المشار إليه بالحديث هو مقام الفناء في التوحيد الذي يكون وجود العبد وأفعاله وذاته وصفاته فانيًا، ولم يبق في نظر شهوده سوى الحق وذاته وصفاته وأفعاله، وهي أكمل المراتب وأعلى المقامات في القرب شاملًا لجميع أقسامها التي قسَّمها إليها بعض المتأخرين من الصوفية، ولهذا قصر عليه سيدنا ومولانا قطب العارفين غوث الثقلين محي الدين عبد القادر الجيلاني رحمه الله في كتابه (فتوح الغيب)، وجعله آخر المراتب ونهايتها، قال: قال اللَّه تعالى: أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي، فاللَّه تعالى لا يكون عندك حتى تنكسر جملة هواك وإرادتك؛ فإذا انكسرت ولم يثبت فيك شيء ولم تصلح لشيء، فيَجعل فيك إرادة فتريد بتلك الإرادة، فإذا وُجِدْت بتلك الإرادة المنشأة فيك كَسَرها الرب تعالى لوجودك، فتكون منكسر القلب أبدًا، فهو عز وجل لا يزال يجدد فيك إرادة، ثم يزيلها عند وجودك فيها، هكذا إلى أن يبلغ الكتاب أجله فيحصل اللقاء، قال اللَّه تعالى عز وجل في بعض ما يذكره

ص: 36

فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ فَكُنْتُ سَمْعَهُ (1) الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ. . . . .

ــ

عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: (لا يزال عبدي المؤمن يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش)، وهذا إنما يكون حالة الفناء لا غير، فتعمى عما سواه فلا ترى بغيره وجودًا.

هذا كلامه الأقدس، وهو كلام تام شامل لجميع مراتب الفناء، لا كما يزعمه بعض القاصرين أنه مرتبة قرب النوافل وأدنى المراتب، فافهم. وباللَّه التوفيق، وهو يقول الحق ويهدي السبيل.

وقوله: (فكنت سمعه. . . إلخ) يعني: ما يسمع شيئًا ولا يبصر شيئًا ولا يبطش شيئًا ولا يمشي إلى شيء إلا والحق سبحانه منظوره ومشهوده، على ما أشار إليه بعض العارفين بقوله: ما رأيت شيئًا إلا ورأيت اللَّه فيه أو معه أو قبله أو بعده على تفاوت الأحوال، وأول هذه المراتب العمل لامتثال أمر اللَّه ونية التقرب إليه، وآخره الفناء في التوحيد، وإذا بلغ العبد هذه المرتبة يستجاب دعاؤه البتة بفنائه عن إرادته وتمحض عبوديته.

وقوله: (ولئن استعاذني) بنون الوقاية، وفي بعض النسخ بالموحدة، وهذا أظهر معنى وإن كان الأول أشهر رواية.

وقوله: (وما ترددت) إشارة إلى بعض آثار المحبة وخواصها، وتولي الحق سبحانه

(1) وقال ابن حجر: والذي في الأصول المشهورة: "حتى أحببته فكنت سمعه"، وفي نسخة صحيحة:"فإذا أحببته كنت سمعه". "مرقاة المفاتيح"(4/ 1545).

ص: 37

تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 6502].

2267 -

[7] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تنادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ" قَالَ: "فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا" قَالَ: "فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ " قَالَ: "يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُحَمِّدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ"، قَالَ:"فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ " قَالَ: "فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ"، قَالَ فَيَقُولُ: كَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: "فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً،

ــ

لوليه إلى آخر وقت الموت، وتخصيصه برضوانه وكرامته، وتحبيب الموت والوصول بجنابه إليه، وإطلاقُ التردد على اللَّه سبحانه غير جائز، والمراد به التأخر والتوقف، وعبر به عما صنع بعبده مما يهوِّن عليه الموت بحبه إليه، أو يصيره مشتاقًا إلى الآخرة بإنزال البلايا والأمراض الموصلة له إلى النعيم الباقي ودار البقاء والكرامة والرضوان.

2267 -

[7](عنه) قوله: (هلموا إلى حاجتكم) وارد على استعمال بني تميم في الجمع والتثنية، وأهل الحجاز يوحدونه في كل حال، وقد سبق تحقيقه في بعض المواضع من الكتاب.

وقوله: (فيسألهم ربهم) فائدة السؤال: إظهار شرف بني آدم وصلاحهم وتسبيحهم وتقديسهم، والتعريض للملائكة في قولهم:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30].

وقوله: (ويمجدونك) قريب من معنى التكبير، وفي بعض الشروح: أي يذكرونك

ص: 38

وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا"، قَالَ: "فَيَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونَ؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ الْجنَّةَ" قَالَ: "يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ " قَالَ: "فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا"، قَالَ: "يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ " قَالَ: "يَقُوْلُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَليْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ " قَالَ: "يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ"، قَالَ: "يَقُولُ: فَهَلْ رَأَوْهَا؟ "، قَالَ: يَقُولُونَ: "لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا" قَالَ: "يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ " قَالَ: "يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً" قَالَ: "فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ" قَالَ: "يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 6408].

وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضْلًا يَبْتَغُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا معَهُم،

ــ

بالعظمة. وفي (مجمع البحار)(1): المجد لغةً: الشرف الواسع، ورجل ماجد: مفضال شريف، وقيل: المجيد: الكريم الفعال، وفي (القاموس) (2): مَجَّدَهُ: عَظَّمَه، وأثْنَى عليه، والعطاءَ: كَثَّرَهُ، وسيأتي شرحه في (باب الأسماء الحسنى).

وقوله: (وهل رأوها؟ ) أي: الجنة، المراد أن إيمانهم بالغيب مع ذلك على يقين وثبات، بخلاف إيمان الملائكة فإنه عياني.

وقوله: (فضلًا) بضم الفاء وسكون الضاد وضمها: جمع فاضل كبزل وبازل

(1)"مجمع بحار الأنوار"(4/ 558).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 301).

ص: 39

وحَفَّ بَعضُهُم بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهمْ حَتَّى يَملؤوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ وَهُوَ أَعْلَمُ (1): مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادِكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ (2) وَيَسْأَلُونَكَ، قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: لَا أَيْ رَبِّ، قَالَ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ، قَالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونِي؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: يَسْتَغْفِرُونَكَ، قَالَ:"فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا" قَالَ: "يَقُولُونَ: رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ، وَإِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ". . . . .

ــ

ونزل ونازل، وفي بعض النسخ:(فضلاء) بالمد كفصحاء وعلماء، وقد جاء:(فضل) بضمتين مرفوعًا خبر مبتدأ محذوف، وفي (المشارق) (3): روايتنا فيه عن أكثرهم بسكون الضاد وهو الصواب، وقد رواه بعضهم بضم الضاد، وكان هذا الحرف في كتاب ابن عيسى:(فضلاء) بضم الفاء وفتح الضاد وهو وهم هنا، وإن كانت صفتهم.

وقوله: (ويستجيرونك) أي: يستعيذون ويستأمنون بك.

وقوله: (إنما مر فجلس) أي: إنما صدر منه المرور ثم الجلوس لا تسبيح ولا تكبير ولا تحميد.

(1) في نسخة: "أعلم بهم"، وفي نسخة:"أعلم بحالهم".

(2)

في نسخة: "ويمجدونك".

(3)

"مشارق الأنوار"(2/ 269).

ص: 40

قَالَ: "فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ، هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [م: 2689].

2268 -

[8] وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ الرُّبَيِّعِ الأُسَيدِيْ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيْرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَمَا ذَاكَ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ. . . . .

ــ

وقوله: (وله غفرت) أي: وله أيضًا غفرت.

2268 -

[8](حنظلة بن الربيع) قوله: (وعن حنظلة بن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وكسر التحتانية المشددة وهو الصحيح، وقد جعل في بعض النسخ على وزن الربيع ضد الخريف، (الأسيدي) بضم الهمزة وفتح السين وتشديد التحتانية المكسورة.

وقوله: (كأنَّا رأيَ عين) بالنصب مفعول مطلق؛ أي: كأنّا راؤون الجنة والنار بالعين، ويجوز أن يكون حالًا بمعنى اسم الفاعل، وجعل في بعض النسخ:(رأيُ عين) بالرفع وصفا بالمصدر.

وقوله: (عافسنا الأزواج والأولاد) أي: خالطناهم، والمعافسة: المعالجة، وفي (مجمع البحار) (1): أي: لامسنا ولاعبنا، (والضيعات) جمع ضيعة، ويقال: ضيعة

(1)"مجمع البحار"(3/ 629).

ص: 41

نَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2750].

ــ

الرجل لما يكون معاشه به كالزراعة والتجارة، وفي (القاموس) (1): الضيعة: العقار والأرض المُغلة.

وقوله: (وفي الذكر) عطف على (عندي).

وقوله: (على فرشكم وفي طرقكم) أي: دائمًا في جميع الأحوال المتضادة والأوقات المتباينة.

وقوله: (ساعة وساعة) لفظ (المصابيح): (ساعة فساعة) بالفاء، قال التُّورِبِشْتِي: أي: ساعة في الحضور تؤدون حقوق ربكم، وساعة في الغيبة فتقضون حقوق أنفسكم، فأدخل فاء التعقيب في الثانية تنبيهًا على أن إحدى الساعتين مُعقَّبةٌ بالأخرى، وأن الإنسان لا يصبر على الحق الصرف والجد المحض.

وقوله: (ثلاث مرات) الظاهر أنه لتكرير هذه العبارة وهو قوله: (ولكن يا حنظلة ساعة وساعة).

أو قوله: (ساعة وساعة)، ويحتمل أن يكون المراد تثليث لفظ ساعة، أي: ساعة في الحضور في الذكر، وساعة في أداء حق النفس خاصة، وساعة في العافية، واللَّه أعلم (2).

(1)"القاموس المحيط"(ص: 686).

(2)

انظر: "مرقاة المفاتيح"(4/ 1550).

ص: 42