الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 - باب العطايا
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
3008 -
[1] عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ. . . . .
ــ
بتلك المثابة، فأجاب بأن المنع منهما يفوت الأجر الجزيل مع كونهما أمرين حقيرين، ثم ذكر في الماء الثواب أيضًا، مع شدة الاحتياج إليه، وقال الطيبي (1): الجواب على الأسلوب الحكيم، وتأنيث الملح لإرادة القلة والنزرة، والضمير في (أحياها) للمسلم باعتبار النفس أو النسمة كذا قيل، ويجوز أن يكون للرقبة.
16 -
باب العطايا
جمع عطية، وهذا الباب في أنواعها من الوقف، والهبة، والعمرى، والرقبى، اعلم أن صاحب (المصابيح) أورد هذه الأبواب الآتية، والسابقة في كتاب البيوع، وتبعه المؤلف ولا يظهر وجه جعلها منها خصوصًا الأبواب الآتية، اللهم إلا أن يتكلف بالوجوه البعيدة، وقد جعل في كتب الفقه لأكثرها كتبًا مستقلة، فتدبر.
الفصل الأول
3008 -
[1](ابن عمر) قوله: (إني أصبت أرضًا) قال الطيبي (2): اسمها ثمغ بفتح الثاء المثلثة وسكون الميم والغين المعجمة، وقال في (القاموس) (3): ثمغ،
(1)"شرح الطيبي"(6/ 173 - 174).
(2)
"شرح الطيبي"(6/ 175).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 720).
لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُني بِهِ؟ قَالَ:"إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا". فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ: أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُوهب وَلَا يُورث، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءَ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
بالفتح: مال بالمدينة كان لعمر رضي الله عنه، وقفه، وهذا يدل على أن الثمغ اسم مال بالمدينة لا بخيبر، واللَّه أعلم.
وقوله: (إن شئت حبست) صحح في النسخ بالتشديد، وفي (مجمع البحار) (1) عن الكرماني: حبَّست بالتشديد، وأَحبست، أي: وقفت، وحَبَسته بالخفة، أي: منعته، وضيقت عليه، وحكي الخفة، أي: في الوقف، يريد أن يقف أصل الملك، ويبيح الثمر لمن أوقفها عليه.
وقوله: (أنه) بفتح الهمزة، أي: على أنه.
وقوله: (غير متمول) حال أو مفعول به لـ (يطعم).
وقوله: (غير متأثل) أي: غير متأصل، أي: غير جامع، وكل شيء له أصل قديم أو جُمع حتى يصير له أصل فهو مؤثَّل، أي: قديم، وفي (الصراح) (2): تأثيل: با أصل واستوار كردن، يقال: مجد مؤثل وأثيل وتأثل: كَرفتن أصل مال، وفي الحديث في وصي اليتيم: أنه يأكل من ماله غير متأثل مالًا.
(1)"مجمع بحار الأنوار"(1/ 426).
(2)
"الصراح"(ص: 408).
3009 -
[2] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْعُمْرَى جَائِزَةٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2626، م: 1626].
ــ
وفي الحديث دليل على أن الوقف لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، وأنه ينتفع به بشرط الواقف، وعلى أن خيبر فتحت عنوة، وأن الغانمين ملكوها واقتسموها، كذا قال الطيبي (1)، وفيه نظر؛ لأن عمر لعله ابتاع فيه مالًا بعد الفتح صلحًا واستقرارها على أهلها، ومن أين علم أنه كان غنيمة، كما هو مذهبنا كما مر (2).
3009 -
[2](أبو هريرة) قوله: (العمرى جائزة) بضم العين على وزن حبلى من أعمرتك الدار، أي: جعلتها لك عمرَك، والعمرى اسم منه، فيصير معناها: جعلت سكناها لك مدة عمرك، والعمرى على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يقول أعمرتك هذه الدار، فإذا متَّ فهي لورثتك أو لعقبك، ولا خلاف لأحد أنه يكون هبة، ويخرج من ملك المْعُمِر، وأن يملك الْمُعْمَر له رقبتها، ويكون بعده لورثته، وإن لم يكن له ورثة فلبيت المال.
وثانيها: أن يقول مطلقًا، بأن يقول: أعمرتها لك أو جعلتها لك عمرك، فالجمهور على أن حكمه حكم الأول، ويكون بعد المعمَر له لورثته، وهو مذهبنا، وقول الشافعي في الأصح، وعند بعض العلماء: لا يكون لورثته ويعود بعده إلى المعمِر.
وثالثها: أن يقول: جعلتها لك عمرك فماذا متَّ عادت إليّ أو إلى ورثتي، فهذا أيضًا صحيح، وحكمه حكم الأول عندنا؛ لأنه شرط فاسد، والهبة لا تبطل بالشرط الفاسد، بل الشرط باطل، بخلاف البيع فإنه قد نهي عن بيع وشرط، وكذلك الحكم
(1) انظر: "شرح الطيبي"(6/ 175 - 176).
(2)
انظر: "فتح الباري"(7/ 478).
3010 -
[3] وَعَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1625].
3011 -
[4] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقَبِهِ، فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيهَا، لَا تَرْجِعُ إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا؛ لأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2625، م: 1625].
3012 -
[5] وَعَنْهُ قَالَ: إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَن يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقَبِكَ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ، فَإِنَّهَا تَرجِعُ. . . . .
ــ
في أصح قولي الشافعي رحمه الله، واعتمد في ذلك على الأحاديث المطلقة، منها هذا الحديث عن أبي هريرة، وجاء في حديث آخر أورده في (الهداية) (1):(من أعمر عمرى فهي للمعمَر له، ولورثته من بعده)، وقيل: لا يصح للشرط الفاسد، وقال الطيبي (2): وبه قال أحمد.
3010 -
[3](جابر) قوله: (إن العمرى ميراث لأهلها) أي: للمعمَر له، هذا أيضًا من الأحاديث المطلقة التي تدل على مذهب الجمهور.
3011 -
[4](وعنه) قوله: (أيما رجل أعمر عمرى) بلفظ المجهول.
وقوله: (له ولعقبه) هذا الحديث يدل بطريق المفهوم على أن العمرى المطلقة لا تورث بل ترجع إلى المعمِر، وأجاب الجمهور بأن المفهوم لا يعارض المنطوق ولا يخصصه.
3012 -
[5](وعنه) قوله: (فأما إذا قال: هي لك ما عشت، فإنها ترجع
(1)"الهداية"(3/ 223).
(2)
"شرح الطيبي"(6/ 177).