الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغرم على ذلك أموالا كثيرة، وتقسمت في البلد في القاعات والمدارس والخانقاهات والربط، وبقى البلد يجرى الماء فيه مضاهيا لدمشق.
وفى هذه السنة: وصل غياث الدين كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقى - صاحب بلاد الروم - إلى مرعش، لقصد بلاد ابن لاون ملك الأرمن.
فأنفذ إليه الملك الظاهر جماعة من عسكره، يكونون في خدمته مع سيف الدين ابن علم الدين بن جندر، وعز الدين أيبك فطيس.
فدخل غياث الدين بلاد ابن لاون، وعاث فيها ونازل حصنا يعرف بغرقوس، وافتتحه بالأمان، وأبقاه وشيّد عمارته.
وفتح قلاعا أخرى وخرّبها.
ثم رجع غياث الدين لما وقع الثلج (1)، وقد فتح كثيرا من الحصون.
ذكر مقتل
معز الدين سنجر شاه - صاحب الجزيرة
-
وفى هذه السنة: قتل معز الدين سنجر شاه بن سيف الدين غازى (2) ابن مودود (2) بن زنكى - صاحب جزيرة ابن عمر -.
وقد ذكرنا تملكه لها بعد أبيه سيف الدين غازى - صاحب الموصل -، وأخباره مع السلطان الملك الناصر صلاح الدين، وانتماءه إليه، ثم هربه منه بمرج عكّا، وغضب السلطان عليه، ثم عوده ورضى السلطان عنه.
(1) الأصل: «البلح» ، وما هنا صيغة (ك) و (س).
(2)
هذان اللفظان ساقطان من (ك).
وكان ظالما، قبيح السيرة جدا، سفّاكا للدماء لا يمتنع عن قبيح يفعله مع رعيته من القتل، وقطع الألسنة، والأنوف، والآذان، وحلق اللحى.
وتعدّى ظلمه إلى أولاده [وجيرته](1) وحريمه، فبعث ابنيه محمودا ومودودا إلى قلعة فرح، فحبسهما فيها، وحبس ابنه غازى في دار في المدينة، ووكّل به من يمنعه من الخروج منها؛ وكانت الدار إلى جانب بستان لبعض الرعيّة، فكان يدخل إليه منها العقارب والحيات وغيرها من المؤذيات، فاصطاد يوما حيّة، وسيّرها في مندبل إلى أبيه، لعله يرقّ له، فلم يزده ذلك إلا قسوة.
فأعمل غازى الحيلة حتى تخلّص من الدار التي كان محبوسا بها، واختفى في بعض آدر البلد، وقرّر مع إنسان كان يخدمه (52 ب) أنه يسافر، ويظهر أنه غازى بن معز الدين، وتتم له في قتله الحيلة.
فمضى ذلك الإنسان إلى الموصل، وأظهر أنه غازى.
ولما سمع نور الدين أرسلان شاه - صاحب الموصل - به، سيّر له نفقة وأثاثا وخيلا، وأمره بالعود إلى أبيه؛ وقال له:«إن أباك يتجنى علينا الذنوب، ويقبّح عند الناس ذكرنا، فإذا أتيت إلينا جعل ذلك ذريعة للشناعات والشفاعات، ونقع معه في صراع» .
فسيّر ذلك الشخص إلى الشام، وأظهر أنه غازى ابن صاحب الجزيرة في كل مكان وصل إليه.
وتحقّق أبوه (2) أن ابنه هرب، واطمأن قلبه بخروجه عنه.
ثم إن غازى تسلّق إلى دار أبيه، واختفى عند بعض السرارى، وعلم به
(1) ما بين الحاصرتين زيادة عن (ك).
(2)
الأصل: «أمره» ، والتصحيح عن (ك).
أكثر من في الدار فسترن عليه بغضا لأبيه، وإيثارا للراحة منه، فبقى في دار أبيه أياما مختفيا.
واتفق أن أباه شرب يوما ظاهر البلد، ولم يزل يقترح على المغنين في ذلك اليوم أن يغنوا له في أبيات الفراق وهو يبكى، فكأنه استشعر دنو أجله.
ثم دخل إلى داره، ونزل عند بعض حظاياه وهو سكران، وكان ابنه عند تلك الحظية، فقام معز الدين ليدخل بيت الخلاء، فهجم عليه ولده غازى، فضربه بالسكين أربع عشرة ضربة، ثم ذبحه، وتركه ملقى ودخل الحمام، وقعد يلعب مع الجوارى؛ فلو أحضر الجند (1) واستحلفهم لملك البلد، لكنه سكن واطمأن، فخرج بعض الخدم الصغار، وأعلم أستاذ دار أبيه بالواقعة، فأحضر أعيان الدولة وعرّفهم ذلك.
ثم أغلق أبواب (2) الدار على غازى، واستحلف الناس لأخيه معز الدين محمود بن سنجر شاه.
ولما حلف الناس فتحوا الباب وهجموا على غازى فقتلوه، وألقوه على الباب فأكلت الكلاب بعض لحمه، ثم دفنوه.
ووصل معزّ الدين محمود، واستقر ملكه بالجزيرة، وقبض على جوارى أبيه فغرّقهن في دجلة.
فذكر أنه كان يأخذ الجارية، فيجعل وجهها في النار حتى يحترق، ثم يلقى بها في الماء (3) فتغرق، ثم قتل بعد ذلك محمود أخاه مودودا.
(1)(ك): «أكابر الدولة» و (س): «فلو أنه استحضر الأمراء وأرباب الدولة في تلك الساعة. . . الخ» .
(2)
(ك): «باب الدار» .
(3)
(ك): «في التيار» .