الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جوده، وأمنت العدم بوجوده، ولو كفيت شر الشركاء، لدامت مغارس مكارمه مستمرة على الزكاء، ولكنهم أوهموه أنى عزيز عند العزيز، وأن ولاءه من سرّ قلبى في الحرز الحريز، وأنه أبقى علىّ بمصر الإقطاع، وأن شكرى لإنعامه قد شاع، وأنك إذا أوليته جميلا ضاع، وإذا أودعته سرا ذاع، فلبّسنى بتجميل دولته على وهمه وهمّه، وأنس بى لتكميل رتبته والغنى بعد عدمه، وكنت أرى فيه - مع قيامه بإكرامى واحترامى - وقفة، ورأيت عصبة العصبية إليه متلفتة وعليه ملتفّة، وغلب الجزرىّ على أمره ونهيه، وآل الوثوق به في أحكام ملكه إلى وهنه ووهيه». (1)
ذكر ابتداء الوحشة بين الأخوين
الملك الأفضل والملك العزيز - رحمهما الله
-
لما أبعد الأفضل أكابر أمراء أبيه وأصحابه، وأعرض عنهم حتى فارقوه وصاروا إلى أخيه الملك العزيز، وقعوا في الملك الأفضل عند الملك العزيز، وحسّنوا له الاستبداد بالملك والقيام بالسلطنة مقام أبيه.
وكان القدس من البلاد المضافة إلى الملك الأفضل، فأشار ضياء الدين
(1) للعماد الكاتب ثلاث رسائل صغيرة أرخ فيها للحوادث التي تمت بعد وفاة السلطان صلاح الدين، وهذه الرسائل هى:«العتبى والعقبى» و «نحلة الرحلة» و «خطفة البارق وعطفة الشارق» ، وكلها - رغم أهميتها القصوى مفقودة وإن كان أبو شامة قد لخصها تلخيصا موجزا جدا في الصفحات الأخيرة من الجزء الثاني من كتابه «الروضتين في أخبار الدولتين» ، غير أن ابن واصل ينقل هنا أجزاء كثيرة وهامة جدا من هذه الرسائل، ومما نزيد في أهمية هذه الأجزاء أنها لا توجد في الروضتين أو في أي مرجع آخر من المراجع التي أرخت للأيوبيين، ولهذه الفقرة أهمية خاصة لأن العماد يتحدث فيها عن نفسه، وعن علاقته بالعزيز والأفضل ابن صلاح الدين.
وزيره عليه بأن يخلى القدس ويسلمه إلى أخيه الملك العزيز، وقال:«هو يحتاج إلى أموال ورجال ونواب وكلفة عظيمة، فأعطه لأخيك، واستجلب بذلك مودته» .
فكاتب الملك الأفضل أخاه الملك العزيز في ذلك، وفوّض إليه القدس وعمله، فسرّ الملك العزيز بذلك وقبله، وشكر الملك الأفضل، فلما بلغ النواب بالقدس ذلك، خافوا من محاسبة الملك العزيز لهم، لأنهم كانوا قد مدوا أيديهم في الوقوف، ومن جملتها ثلث نابلس وعملها، فإن السلطان الملك الناصر رحمه الله كان قد وقف ذلك على عمارة القدس ومصالحه، فخان الولاة في ذلك، فلما سمعوا عزم الملك الأفضل على تسليم القدس إلى الملك العزيز، كتبوا إلى الملك الأفضل يبذلون له القيام بالقدس ورجاله من وقفه فقط، ولا يحوجونه إلى بذل شىء آخر من ماله، فأجابهم إلى إبقائه في أيديهم (5 ا) وبدا له [الرجوع](1) عما كان قد كاتب به أخاه، فتغيّر الملك العزيز لذلك وتكدّر باطنه.
ولما تقدم عند الملك العزيز ميمون القصرىّ وسنقر الكبير أقرّهما على عملهما بالشام وزادهما نابلس، وذلك كله من أعمال الملك الأفضل، فاستوحش لذلك الملك الأفضل وتغيّر قلبه، وتأكدت الوحشة بين الأخوين، واستمر الحال على ذلك إلى آخر هذه السنة - أعنى سنة تسع وثمانين وخمسمائة -.
(1) أضفنا هذا الفظ ليستقيم به المعنى.