الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(30)
خطاب بقلم القاضى الفاضل مرسل من السلطان صلاح الدين إلى صاحب مكة، جوابا عن كتاب ورد منه عليه في معنى وصول غلال بعث بها إلى مكة
عن: (القلقشندى: صبح الأعشى، ج 7، ص 109 - 110)
وصل كتابك، أيّها الشريف معربا عن المشايعة الشائعة أنباؤها، والمخالصة الخالصة أسرارها الوافرة أنصباؤها؛ وحسان الخلال، التي اقتسم طرفى الحمد إعادتها، وإبداؤها، ومكرمات الآل، التي تساوى في اقتناء المجد أبناؤها وآباؤها؛ وفضائل الإفضال التي لا تخفّ على غير أهل العباء صلوات الله عليهم أعباؤها. ونشر كتابك من محاسنك ما انطوى، ووردنا منه منهلا أروى وارده وارتوى؛ ووقفنا منه على أثر فضل اشتمل على عين الكرم واحتوى، ووفقنا وإياه من الحمد ما لا نخلفه نحن ولا هو مكانا سوى؛ فاقتضانا مزيدا في رفع قدره، واختصاصه من الإنعام بكلّ غريب الموقع ندره، وأصرنا كتابه إلى مستقرّ كاتبه من قلب الودّ وصدره؛ وكيف لا يكون ذلك وقد اشمخرّت لبيته الأنساب، وخرّت الأنصاب، وسجدت الرّقاب، وردّت له بعد ما توارت بالحجاب، وشهد بفضل توقيعهم الحرب وبفضل ليلهم المحراب.
فأمّا ما أشار إليه من الشّكر على ما سيّر من الغلاّت التي كان الوعد بها علينا نذرا، وروّحنا بإرسالها قلبا، وشرحنا بتسيبرها صدرا، وأنّها حلّت ربقة
الجدب وفكّتها، وجلت هبوة القحط وكفّتها؛ وهوّنت مصاعب المساغب، وخلّفت سواحب السحائب، وأطفأت - ولله الحمد - بوار النّوائب؛ فقد سررنا بحسنتنا جعله الله ممن تسرّه الحسنة، وقد نبّهنا من سنتنا لأن نستقبل بالحمد الولى السنة، وقد قوّى النية وقوّمها، واستزاد لهم بلسان الشكر الفصيح، وتناول لهم بباع التلطّف الفسيح، وألقح لهم سحائب، محلّه منها محلّ ملقحها من الرّيح، واقتضى ما يعرضه أن خرج الأمر بأن يضاعف المحمول في كل عام، ولا يخصّ به خاصّ دون عام؛ وأمرنا أن يوفّر جلب الجلاّب، وتوقر ظهور الرّكاب، ليجمع للحرم الشريف بين برّ البر والبحر. وبين حمل البطن والظّهر؛ فتظلّ السنة ودودا ولودا، ويشاهد المحلّ الشريف وقد نأى عنه المحل شريدا؛ وتحطّ القلوع عما يحطّ عنه أمثالها من السحائب، وتستريح الأنفس اللواغب، فأما ما ألقاه إلى رسوله، فقد أسمع ما أسنده إليه، وأعيد بما يعيده عليه؛ وقد تكاثرت بولاء الشريف الأشهاد، فغنى عن الاستشهاد، وأغنته الحظوة بجميل رأينا عما نأى أخذه لشفعة العطاء، بل لشفاعة الاجتهاد، إن شاء الله تعالى.