الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغضّ الدّهر عنها طرف غدر
…
مسافة قرب طرف (1) من جبين
وعاد إلى سجيّته فأجرى
…
بفرقتنا العيون من العيون
فويح الدّهر لم يسمح بوصل
…
يعيد به الهجوع إلى الجفون
فراقا ثم يعقبه ببين
…
يعيد إلى الحشا عدم السّكون
ولا يبدى جيوش القرب حتى
…
يرتّب جيش بعد في الكمين
ولا يدنى محلّى منك إلاّ
…
إذا دارت رحى الحرب الزّبون
فليت الدّهر يسمح لى بأخرى
…
ولو أمضى بها حكم المنون
قلت (2): كان الملك الأفضل رحمه الله فاضلا متأدبا ينظم الشعر الجيد، وسأذكر بعد ذلك شيئا من شعره في موضعه. لكنه كان قليل السعادة، ضعيف الآراء.
قال عماد الدين:
(1) في (الروضتين، ج 2، ص 229): «قرب عين» .
(2)
المتحدث هنا هو ابن واصل مؤلف الكتاب.
تشتيت الشمل الناصرى، وتشعيث البيت السلطانى، فتفرّق عن الملك الأفضل كبراء دولته، ففارقه الأمير عزّ الدين أسامة - صاحب عجلون وكوكب - وهو من أجلاء الأمراء الصلاحية، فإنه لما رأى من الأحوال ما لا يعجبه فارق الأفضل وتوجه إلى الملك العزيز، ففرح بوصوله إليه وأكرمه غاية (1) الإكرام، ولما استقر عز الدين أسامة عند الملك العزيز أخذ في تحريضه على الملك الأفضل، وتقوية عزمه على قصده وأخذ دمشق منه، وقال له:«إن لم تنصر الدولة الصلاحية خذلت، وإن لم تصنها ابتذلت، وأخوك [الملك الأفضل] (2) قد غلب على اختياره وحكم عليه وزيره الضياء الجزرى، وقد أفسد أحوال الدولة، فهو يتصرف فيها برأيه الفاسد، ويحمل أخاك على مقاطعتك ومباينتك، فإن أغفيت أغفلت، وإن أمهلت أهملت، وإن لنت غلظوا، وإن نمت تيقّظوا، ولا تلتزم باليمين فإن من شرطها صفو الوداد وصحة النيّة، ولم يوجد ذلك، فحنثهم في أيمانهم قد تحقق، وبرئت أنت من العهدة، فاقصد البلاد فإنها في يدك قبل أن يحصل للدولة من الفساد مالا يمكن تلافيه» .
ثم فارق الملك الأفضل الأمير شمس الدين بن السلار - وهو من أكابر الدولة الصلاحية (3) - وتوجّه إلى الملك العزيز، فساعد عز الدين أسامة على التحريض على الملك الأفضل، وتقوية عزم الملك العزيز على قصده.
ثم وصل إلى الملك العزيز القاضى محيى الدين بن الشيخ شرف الدين
(1) نسخة (س) بها خروم كثيرة كما سبق أن أوضحنا في الجزئين السابقين، والصفحات الماضية من هذا المجلد كلها لا مقابل لها في (س)، وبهذا اللفظ نتقابل مع نص نسخة (س) في صفحة 113 امنها، وسنعمل على مقابلة الأصل على هذه النسخة كلما وجدنا للأصل مقابلا بها.
(2)
ما بين الحاصرتين زيادة عن (س)، ج 1، ص 113 ا.
(3)
هذه اللفظة ساقطة من (س).
ابن أبى عصرون، فاحترمه الملك العزيز وولاه القضاء بالديار المصرية، وضم إليه النظر في أوقافها.
وأقبل الملك الأفضل بدمشق على القصف والشرب وسماع الأغانى والأوتار ليله ونهاره، وأشاع ندماؤه أن عمّه الملك العادل - لما كان عنده - حسّن له ذلك ورخّص له فيه، وأنه حضر عنده ليلة وهو في شربه ولهوه، فجلس وسمع الغناء، واستحسن المجلس واستطاب ما هو فيه وندماؤه، وقال للملك الأفضل:
«أىّ حاجة بك إلى التكتم، اعلن بما أنت فيه وافعله (2 اب) ظاهرا، فلا خير في اللّذات من دونها ستر» ، فقبل وصية عمه وتظاهر بلذاته، وصرف إليها سائر أوقاته، وفوّض أمر مملكته (1) إلى وزيره ضياء الدين بن الأثير يدبرها برأيه الفاسد، وبقى الأمر على ذلك مدة.
ثم إن الملك الأفضل أصبح يوما تائبا من غير سبب يعلم (2)، وأزال المنكرات، وأمر بإراقة الخمور، وبضرب آنية الشرب دراهم ودنانير في دار الضرب، وأقبل على الزهد والعبادة، ولبس خشن الثياب (3)، وشرع في نسخ مصحف بيده، واتخذ لنفسه مسجدا يخلو فيه لعبادة ربه تعالى، وواظب على الصيام في أكثر الأوقات، وجالس الفقراء.