الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طبعه أياما، وانتقل إلى رحمة الله ورضوانه منتصف ليلة السابع والعشرين من المحرم.
فكانت مدة ملكه ست سنين إلا شهرا.
وكانت مدة عمره سبعا وعشرين سنة وأشهرا.
ذكر سيرته رحمه الله
-
كان في غاية السماحة والكرم والعدل، والرفق بالرعية والإحسان إليهم.
فكانت الرعية، يحبونه محبة شديدة، وفجعوا بموته فجيعة عظيمة، إذ كانت الآمال معلقة بأنه يقوم مقام والده، ويسدّ مسدّه.
وقد ذكرنا أن عمه الملك العادل وأخاه الملك الأفضل لمّا قصداه، ونازلا بلبيس وحاصراها، وأشرف ملكه على الزوال، بذلت له الرعية أموالها ليذبّ بها عن نفسه، فامتنع مع شدة حاجته في ذلك الوقت إلى المال.
وقد حكى أنه لما امتنع من أخذ مال الرعية، أشير عليه بأن يقترض من القاضى الفاضل، فإن أمواله عظيمة، وهو غير محتاج إليها، فامتنع من مخاطبة القاضى الفاضل (25 ا) في ذلك، فألحوا عليه في ذلك حتى أجاب، وأرسل إلى القاضى الفاضل يستدعيه، فحضر، وكان الملك العزيز في منظرة من دار الوزارة مطلة على الطريق، فلما رأى القاضى الفاضل مقبلا لم يتمالك من شدة الحياء، ودخل إلى دار الحرم.
فراسلت الأمراء الملك العزيز وشجعوه حتى خرج واستدعى القاضى الفاضل، وقال له - بعد أن أطنب في الثناء عليه والتقريظ له -: قد علمت أن الأمور
قد ضاقت علىّ، وقّلت الأموال عندى، وليس لى إلا حسن نظرك وإصلاح الأمر لنا بمالك أو برأيك أو بنفسك»
فقال له القاضى الفاضل:
«جميع ما أنا فيه من نعمتكم، ونحن نقدم أولا الرأى والحيلة، ومتى احتيج إلى المال فهو بين يديك» .
ووردت رسالة الملك العادل إلى القاضى الفاضل (1) باستدعائه، وجرى من انتظام الحال ما قدمنا ذكره.
ولقد حكى عنه ما هو أبلغ من هذا وأحسن، وهو أن عبد الكريم بن على البيسانى (2) أخا القاضى الفاضل كان يتولى الحكم والإشراف بالبحيرة مدة طويلة، وحصّل من ذلك أموالا جليلة، وكان الناس يحترمونه لأجل القاضى الفاضل، فجرت بينه وبين أخيه نبوة أوجبت انضاع حاله عند الناس، فصرف عن عمله، وكان متزوجا بامرأة من قوم ذوى قدر ويسار، يعرفون ببنى ميسّر.
فلما صرف عن عمله انتقل إلى الإسكندرية ومعه زوجته، فضايقها وأساء عشرته معها لسوء خلق كان فيه.
واتصل ذلك بأبيها، فتوجه نحو الإسكندرية، وأثبت عند حاكمها ضررها، وأنه قد حصرها في محل ضيق من داره، فمضى القاضى بنفسه إلى الدار التي فيها الزوجة، ورام فتح الباب الذى هى فيه فلم يقدر عليه، فأحضر شهودا، وأحضر نقّابا، فنقب جانب الدار، واستخرج المرأة، وسلمت إلى أبيها، ثم أحضر بنّاء (3) فسدّ ذلك النقب (4).
(1)(ك): «ووردت رسالة الملك العادل إلى الملك العزيز باستدعاء القاضى الفاضل» .
(2)
(س): «النيسابورى» وهو خطأ واضح.
(3)
الأصل: «نقابا» ، وما أثبتناه صيغة (ك) وهى أفضل.
(4)
الأصل: «البيت» وما هنا صيغة (ك) وهى أفضل.
واتصل ذلك بعبد الكريم، فاهتاج على قاضى الإسكندرية بسببه، وعزم على أن يبذل بذلا، ويأخذ منه قضاء الإسكندرية.
فقصد الأمير فخر الدين جهاركس (25 ب) ومعه خمسة وأربعون ألف دينار مصرية، وقال له:«هذه خمسة آلاف دينار لخزانتك (1)، وهذه أربعون ألف دينار برسم خزانة السلطان، وأولّى قضاء الإسكندرية» .
فأخذ جهاركس المال، ووعده بقضاء الشغل، واجتمع بالملك العزيز ليلا (2)، وأحضر المال بين يديه، والملك العزيز حينئذ في غاية الضرورة إلى بعض ذلك المال، وقال:«هذه خزانة مال أتيتك بها من غير طلب ولا تعب» .
فقال: «من أي الجهات؟» .
فذكر له الحال.
فأطرق مليا، ثم رفع رأسه وقال:
قال فخر الدين جهاركس: «فلما سمعت ذلك منه وحمت وحمة ظهرت سمتها في وجهى، فقال لى:
(1)(ك): «برسم خزانتك» .
(2)
هذا اللفظ ساقط من (ك).
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة عن (ك) و (س) و (المقريزى: السلوك، ج 1، ص 27 ا) حيث أورد هذه القصة مع اختلاف يسير في الألفاظ، وأغلب الظن أنه كان ينقل في هذا الموضع عن ابن واصل.
«أراك واجما، وأظنك أخذت شيئا على الوساطة (1) له؟» .
فقلت: «نعم» (2).
فقال: «كم أخذت؟» .
فقلت له: «أخذت خمسة آلاف دينار» .
فأطرق كإطراقه أولا، ثم قال:
«أعطاك ما لا تنتفع به إلا مرة واحدة، وأنا أعطيك في قبالته ما تنتفع به مرات عديدة» .
ثم أخذ القلم، ووقّع لى بخط يده بإطلاق جهة (3) تعرف بطنبذا (3) كنت أستغلها في السنة سبعة آلاف دينار».
رحمه الله ورضى عنه.
(1)(س): «على الرشا، فلهذا قد وجمت» .
(2)
(س): «فقلت نعم قد أخذت خمسة آلاف دينار» .
(3)
هذان اللفظان غير موجودين في (س)، هذا وقد رجعت إلى معظم الكتب الجغرافية لمصر الإسلامية فلم أجد بها بلدة بهذا الإسم، وأرجح أن يكون الرسم الصحيح لها «طنيشا» التي ورد ذكرها في:(ابن الجيعان: التحفة السنية، ص 85) وخاصة أنه ذكر إلى جانبها أن عبرتها 7200 دينار، وأنها كانت للمقطعين، وهذا مبلغ قرب جدا من مقدار ما كانت تغله على جهاركس، وهو 7000 دينار.
ذكر تمليك
الملك المنصور ناصر الدين محمد (1)
ابن الملك العزيز الديار المصرية
وخلف الملك العزيز الملك المنصور محمد، وكان عمره يوم توفى والده تسع سنين وشهورا.
وكان الغالب على أمر (2) الملك العزيز فخر الدين جهاركس - وهو الحاكم في الدولة - فأحضر رجلا (3) من أصحاب الملك العادل وأراه الملك العزيز ميتا، وسيّره إلى الملك العادل وهو محاصر ماردين، يستدعيه إلى البلاد، فسار القاصد مجدّا.
فلما كان بالشام رأى بعض أصحاب الملك الأفضل، وقال له:
«قل لصاحبك إن أخاه الملك العزيز قد توفى، وليس في البلاد من يمنعها، فليسر (4) إليها» ، [فأخبر الملك الأفضل بذلك](5) فلم يلتفت الأفضل إلى هذا القول (26 ا).
ومضى القاصد إلى الملك العادل فأخبره، فتوقف ليرد عليه بعد ذلك ما يعتمد عليه.
وكانت الفرقة الأسدية والأكراد محبين للملك الأفضل، مؤثرين له؛
(1) ك: (أحمد) وهو خطأ.
(2)
هذا اللفظ ساقط من (ك) و (س).
(3)
(ك): «فأحضر رجلان من أصحاب الملك العادل وأراهما الملك العزيز ميتا، وسيره إلى الملك العادل» وهو خطأ واضح.
(4)
(س): «فليمض» .
(5)
ما بين الحاصرتين زيادة عن س (ج 1، ص 137 ا).
والفرقة الصلاحية بالعكس من ذلك، لما كانوا قدموه من الإساءة إليه، وممالأة الملك العزيز عليه (1)، فكانوا مستوحشين (2) منه (3).
فاجتمع فخر الدين جهاركس مقدّم الصلاحية، وسيف الدين ياركوج مقّدم الأسدية، ليتفقا على من يولى الملك.
فقال فخر الدين: «تولى ابن الملك العزيز» .
وكان الملك العزيز أوصى بالملك لولده، وأن يكون مدبرّه بهاء الدين قراقوش الأسدى.
فاتفق فخر الدين [جهاركس] وسيف الدين على هذا الرأى.
فقال فخر الدين: «فمن نولى؟»
فأشار سيف الدين بغير الملك الأفضل لئلا يتّهم.
فامتنع فخر الدين من ولايته.
فلم يزل يذكر من أولاد السلطان واحدا بعد واحد إلى أن ذكر الملك الأفضل.
(1) هذه الجملة ساقطة من (ك) و (س).
(2)
(ك): «متوحشين» .
(3)
النص في (س): «فكانوا مستوحشين من الملك العزيز وخائفين من ابنه أن يتملك»
(4)
(ك): «فان العساكر بانتقاد الأمير» .