الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر تأخر
العسكر إلى رأس الماء ثم تفرقهم
ولما وقعت النفرة عند الملك الظاهر من أخيه، واشتد البرد، وكثرت الأمطار، رحل الملكان:(1) الأفضل والظاهر (1) إلى سطح الكسوة، وعزم الملك الأفضل على المقام (2) هناك، ثم تغيّر (3) هذا العزم، فرحل هو والظاهر إلى مرج الصّفّر، فأقاما به إلى أواخر صفر من هذه السنة، ثم سارا إلى رأس الماء، وعزما على المقام به إلى أن ينسلخ الشتاء، فاشتد البرد وتواترت الأمطار، (31 ا) وغلت الأسعار جدا، فاجتمع الملك الأفضل بأخيه الملك الظاهر، ووقع اتفاقهما على الرحيل، وتأخير حصار دمشق إلى وقت انصرام الشتاء، ودخول الربيع، ووافقهما الأمراء على ذلك، فسار الملك الظاهر على القريتين، وسار الملك الأفضل قاصدا ديار مصر، وأحرقوا عند رحيلهم مالم يتمكنوا من حمله من الأثقال والخيم والغلات (4)، وأحرق الملك الأفضل خيمة أهداها له الملك الظاهر كانت (5) ثلاثين حملا، وهلك للملك الظاهر جماعة من مماليكه، ونفقت له دواب كثيرة بسبب فرط البرد (6) وعدم الأقوات والعلوفات، ووصل إلى حلب سادس شهر ربيع الأول.
(1) هاتان الكلمتان ساقطتان من (ك)
(2)
(ك)«أن يقيم»
(3)
(ك): «ثم انثنى العزم»
(4)
مكان هذه الفقرة في (ك): «وأجتمع الأفضل بأخيه، ووقع أتفاقهما على الرحيل، وسار الملك الظاهر على القريتين، وسار الأفضل قاصدا ديار مصر، وأحرقوا من الأثقال ما لم يتمكنوا من حملة» ، والفرق بين النسختين واضح، وفيه دليل كاف على أفضلية نسخه الأصل على نسخة (ك)
(5)
هذا اللفظ ساقط من (ك)
(6)
ولما وصل الملك الأفضل إلى أوائل الديار المصرية فارقه معظم العسكر، وتفرقوا في البلاد لإخراج دوابهم إلى الربيع، ودخل الملك الأفضل إلى القاهرة في جمع قليل.
ذكر (1) مسير
الملك العادل إلى الديار المصرية
وكان الملك العادل وهو محصور يهيىء القرب والبقسماط وكل ما يحتاج إليه لدخول الرمل، فعلم الناس من ذلك أنه كان مباطنا لبعض العسكر المصرى، وتحققوا أنه يملك مصر.
ولما سافر الملك الأفضل راجعا إلى مصر رحل الملك العادل من دمشق ومعه الأمراء الصلاحية، وردّ ابنه الملك الكامل في عسكره إلى الشرق.
ومضى الملك العادل يطوى المراحل إلى أن دخل الرمل.
وبلغ الملك الأفضل ذلك، فرام جمع عساكره، فتعذّر ذلك عليه لتفرقهم في أخبارهم (2)، وتشتتهم في الأماكن التي يربعون فيها خيلهم، فخرج في جمع قليل، ونزل السانح.
ووصل الملك العادل، وضرب معه مصافا، فانكسر عسكر الملك الأفضل وولوا منهزمين لا يلوون على شىء، وكان فيهم جماعة مخاسرون مع الملك العادل.
(1) قبل هذا اللفظ في نسخة (ك) توجد البسملة بخط كبير في أول الصفحة ويليها «رب يسر وأعن» ، ويبدو أن كاتب هذه النسخة كان يريد أن يقسم الكتاب إلى أجزاء، فجعل الجزء الثانى يبدأ بمسير الملك العادل إلى مصر وتملكه لها، ولهذا بدأ هذا الجزء بالبسملة في صفحة جديدة، أما نسخة الأصل فالحوادث فيها متصلة غير منقطعة أو مجزأة
(2)
الخبز (ج: أخباز) بمعنى الإقطاع
ذكر منازلة
الملك العادل القاهرة وتسلمه لها (1)
وقيامه بأتابكية الملك المنصور بن الملك العزيز
ثم سار الملك العادل بالعساكر، ونزل بركة الجبّ، وسيّر إلى الملك الأفضل (31 ب) يقول له:
فاستشار الملك الأفضل الأمراء، فرأى منهم تخاذلا، فأرسل إلى عمه يطلب منه أن يعوّضه عن الديار المصرية [بالشام](3)، فامتنع من ذلك، فطلب أن يعوّضه حّران والرّها فامتنع، فطلب منه جانى وجبل جور، وميّا فارقين، وسميساط، فأجابه إلى ذلك، وتسلّم القاهرة منه.
وكانت مدة مقام الملك العادل بالبركة ثمانية أيام.
ودخل القاهرة في الحادى والعشرين من ربيع الآخر.
وتوفى القاضى الفاضل عبد الرحيم بن على البيسانى رحمه الله في سابع عشر ربيع الآخر، وهو اليوم الذى خرج فيه الملك الأفضل من القاهرة.
(1)(ك): «إياها»
(2)
لاحظ هو التعبير ودلالته التاريخية، فهكذا كانت مصر وكانت مكانتها على طول عصور التاريخ الإسلامى
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة عن (ك) ص 83؛
وذكر عز الدين بن الأثير:
أنه توفى في الليلة التي دخل فيها الملك الأفضل إلى القاهرة بعد انهزامه من السانح، وصلى على القاضى الفاضل رحمه الله
وكان مولد القاضى الفاضل على ما بلغنى سنة ست وعشرين وخمسمائة، فكان عمره نحو سبعين سنة، ولقد ختمت به صناعة الإنشاء.
ثم سافر الملك الأفضل إلى صرخد بعد اجتماعه بعمه الملك العادل.
ذكر استقلال (1) الملك العادل بالسلطة وإزالة أمر الملك المنصور بن الملك العزيز
ولما استقر الملك العادل بالقاهرة أبقى الملك المنصور على اسم السلطنة، فإن الصلاحية إنما حلفوا له ووافقوا على أن يكون أتابكا للملك المنصور، إلى أن يكبر ويسلّم البلاد إليه، فأظهر ذلك أياما، ثم عزم على إبطال ذلك.
(2)
وكانت الأيمان قد تقررت على ذلك (2) يوم الخميس الثانى والعشرين من ربيع الآخر، وهو ثانى يوم دخول الملك العادل؛ وفى الخميس الآخر انتقض هذا الأمر.
(1) الأصل: «استيلاء» ، والتصحيح عن (ك)
(2)
هذه الجملة ساقطة من (ك)
وذكر عز الدين بن الأثير:
أن الأمر إنما انتقض في شوال من هذه السنة، وذكر أن السبب في ذلك أن الملك العادل أحضر جماعة من الأمراء (32 ا) ممن يعلم ميلهم إليه، وقال:
«إنه قبيح بى أن أكون أتابكا لصبى مع الشيخوخة والتقدم، مع أن الملك ليس هو بالميراث، وإنما هو لمن غلب، ولقد كان يجب أن أكون بعد أخى السلطان الملك الناصر رحمه الله صاحب الأمر، غير أنى تركت ذلك إكراما لأخى ورعاية لحقه.
فلما حصل من الاختلاف ما حصل خفت أن يخرج الملك من يدى ويد أولاد أخى، فمشّيت الأمر إلى آخره، فلم أر الأمر يصلح إلا بقيامى فيه، ونهوضى بأعبائه.
ولما ملكت هذا البلد وطنّت نفسى على القيام بأتابكية هذا الصبى حتى يبلغ أشدّه، فرأيت العصبيات غير (1) مقلعة، والفتن ليست زائلة، فخشيت أن يطرأ علىّ ما طرأ على الأفضل، ولا آمن أن يجتمع جماعة ويطلبون إقامة آخر، وما أعلم ما يكون عاقبة ذلك.
وأنا أرى أن هذا الصبى يمضى إلى الكتّاب، وأقيم له من يؤدبه ويعلّمه؛ فإذا بلغ أشده نظرت في أمره وقمت بمصالحه».
وقيل إن السبب في ذلك أن الأسدية لما رأوا الصلاحية قد قاموا مع الملك العادل حتى أدخلوه مصر، وأخرجوا منها الأفضل، خافوا استيلاءهم على الأمر،
(1)(ك): «ليس»
فحسنّوا للملك العادل الاستقلال بالأمر وعزل الملك المنصور، تقربا إليه، وحلفوا له على ذلك.
فلما بلغ ذلك الصلاحية نفروا منه وأنكروه، واجتمع بعضهم ببعض، وعزموا على القيام على الملك العادل، وطلبوا من الأسدية موافقتهم على ذلك فلم يفعلوا.
واستتب أمر الملك العادل، وحلف الجميع له.
وكان ضياء الدين بن الأثير وزير الملك الأفضل قد اتصل بالملك الأفضل لمّا تمكّن أمره، فلما ملك الملك العادل مصر ركب نجيبا، وهرب خوفا على نفسه من الملك العادل.
ووقفت على رسالة له إلى بعض إخوانه من جملتها:
. . . ثم أقمنا بعد ذلك في حصار دمشق في حروب قائمة وغرامات لازمة، حتى استنفدت قوى النفوس والأجسام، ولم نحظ منها إلا بطول المقام، وسرنا عنها إلى الديار المصرية والعساكر برمتها، والمهابة باقية على حرمتها، وتركنا من بها في بادى الضعف مغضوض الطرف، لا يخشى منه عادية (32 ب) بعد استحصاره، ولا يرجى له خروج من وراء جداره، فوثب على خلعه، وتبعنا على قلة تبّعه، فصادف العسكر قد تفرقت في بلاده، والملك قد أمكن من قياده، فأقدم وما تردد، وفوّق سهم كيده وسدّد، ولقد ركب خطرا لا يسلم راكبه، وإن سلم لم تسلم له مطالبه، إلا أنه تهيأ له من صنع القدر، ما لم يكن في وسع البشر، فواتاه الزمان مبادرا، وكان محصورا فأصبح حاصرا».
ولما استقر الملك بمصر الملك العادل استدعى أبنه الملك الكامل ناصر الدين محمدا من الشرق، وجعله نائبا عنه بالديار المصرية، وجعل خبزه الأعمال
الشرقية، وهى التي كانت خبز الملك العادل لما كان نائبا عن أخيه السلطان الملك الناصر بمصر (1).
ولم يزل الملك الكامل ينوب عن أبيه بالديار المصرية إلى أن توفى أبوه، وذلك قريب من عشرين سنة، واستقل (2) بالملك بعده عشرين سنة وكسرا، فملكها نائبا ومستقلا قريبا من أربعين سنة.
وفى هذه السنة أرسل الملك المنصور - صاحب حماة - إلى عمه الملك العادل يعتذر إليه من مساعدته الأفضل والظاهر، ويطلب رضاه عنه، وكان رسوله إليه زين الدين المعروف «بالهيطليّة» ، فلما قدم عليه تلقاه بالترحيب والإكرام، وخلع عليه وأحسن إليه، وأظهر الرضى عن الملك المنصور.
وبلغنى أن الملك العادل قال لكاتب إنشائه: اكتب إلى المولى الملك المنصور أبياتا في جواب كتابه.
فكتب الكاتب أبياتا فيها نوع عتب وجفاء.
فوقف الملك العادل عليها وقال: «ما يحسن أن يخاطب المولى (3) الملك المنصور بمثل هذا الخطاب، اكتب إليه:
«أتظننى من جفوة أتعتب
…
قلبى عليك أرقّ مما تحسب
لا يوحشنّك ما جنيت فتنثنى
…
متجنّبا، وهواك لا يتجنّب
ما أنت إلا مهجتى، وهى التي
…
أحيابها، فترى عليها أغضب؟!
أنت البرئ من الإساءة كلّها
…
ولك الرضى، وأنا المسىء المذنب»
(1) هذا اللفظ ساقط من (ك)
(2)
(ك): «واستقر»
(3)
هذا اللفظ ساقط من (ك)