الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مضايقة
الملك الأفضل والظاهر دمشق
وضايق الأفضل والظاهر دمشق مضايقة شديدة، وزحفوا رابع عشر من ذى القعدة من هذه السنة، واشتد القتال، والتصق العسكر بالأسوار، ثم زحفوا لها ثانيا وثالثا. .
وجدّ الظاهر في القتال، وترجل، ووصل إلى قريب السور، وأخذ فيه عدة نقوب، ولم يبق إلا أن يملك البلد، وصعد العسكر إلى سطح خان ابن المقدّم، وهو ملاصق السور فلو لم يدركهم الليل لملك البلد.
ذكر الاختلاف
بين الملكين: الأفضل والظاهر
ولما تحقق الملك الظاهر (1) أن البلد مأخوذ لا محالة (1)، لم تطب نفسه بأن يملكه أخوه، فأرسل إلى الملك الأفضل يقول له:
«إذا فتحت دمشق تسلمتها أنا، وسيّرت العساكر معك إلى الديار المصرية ليفتحوها لك» .
فأرسل إليه الملك الأفضل (2) يقول له (2):
«قد علمت أن والدتى وأهلى - وهم أهلك - على الأرض، وليس لهم
موضع يأوون إليه، فأحسب أن هذا البلد لك تعيرنى إياه أسكنه أهلى هذه المدة إلى أن نملك مصر».
فلم يجب الملك الظاهر إلى ذلك، ولجّ في أن يتعجل أخذه لنفسه.
وقيل إن الذى أوجب هذا الاختلاف أن الملك العادل كتب إلى الملك الأفضل والملك الظاهر يقول لكل واحد منهما (36 ب): «إن أخاك لا يريد البلد إلا لنفسه، وإن العسكر متفقون معه في الباطن على ذلك» .
فطلب كلّ من الملكين البلد لنفسه، ووقع الخلف بينهما.
وكتب الملك العادل إلى الأفضل يعده بالبلاد التي عينت له بالشرق، وبذل له مع ذلك مالا.
ففترت همته، وقال للأمراء الصلاحية ومن جاء إليه من الجند:«إن كنتم جئتم إليّ، فقد أذنت لكم في العود إلى الملك العادل، وإن كنتم جئتم إلى أخى فأنتم وهو أخير» .
وكان الكل يريدون الأفضل للين عريكته، فقالوا:«ما نريد سواك والعادل أحب إلينا من أخيك» .
فأذن لهم في العود؛ فهرب فخر الدين جهاركس، وزين الدين قراجا - صاحب صرخد - والحجّاف، وعلاء الدين شقير، وسعد الدين بن علم الدين قيصر فمن هؤلاء من دخل دمشق، ومنهم من ذهب إلى إقطاعه، وتحلّلت العزائم.
وخرجت هذه السنة والملكان الأفضل والظاهر منازلان دمشق.
وفي هذه السنة تجهز نور الدين أرسلان شاه بن مودود - صاحب
الموصل - في عساكره إلى حرّان والرّها ليستولى عليها، ومعه ابن عمه قطب الدين محمد بن عماد الدين - صاحب سنجار -، وذلك في شعبان، وذلك لما تحققوه من قصد الملك الأفضل والملك الظاهر دمشق، وطمعوا أن يحصلوا في هذه الفترة على تلك البلاد.
وسار معهما صاحب ماردين، وكان الزمان شديد الحر، فنزلوا رأس عين، وكثرت الأمراض في عسكرهم.
وكان بحرّان الملك الفائز إبراهيم بن الملك العادل ومعه عسكر، فأرسل إليهم يطلب الصلح، وبلغهم اختلال حال الأفضل والظاهر، وأنه ربما يقع الصلح بينهما وبين عمهما العادل.
فأجاب نور الدين إلى الصلح، وحلف الفائز ومن عنده من الأمراء على القاعدة التي استقرت، وحلفوا أيضا لنور الدين أنهم يحلفوا للملك العادل، فإن امتنع كانوا عليه.
وحلف نور الدين للملك العادل، وسارت الرسل من عنده ومن عند الفائز إلى الملك العادل في طلب اليمين فأجاب إلى ذلك.
ورجع نور الدين في ذى القعدة من السنة.
وفى هذه السنة كان الغلاء العظيم بالديار المصرية، وتعذرت الأقوات بها حتى أكل الناس الميتة وأكل بعضهم بعضا، ثم تبع ذلك وباء (1)، عظيم وموتان.
وفي هذه السنة توفى عماد الدين (37 أ) الكاتب رحمه الله،
(1) ك: «فناء» .
وكان جامعا (1) لفنون كثيرة: الأدب، والفقه، والخلاف، والتاريخ، وله النظم البديع والنثر الفائق، وكتب لنور الدين والملك الناصر صلاح الدين، ونال عنده المنزلة العالية، وله التصانيف البديعة: كالبرق الشامى، وخريدة القصر، والنصرة في أخبار وزراء الدولة السلجوقية، وغير ذلك.
وكان مولده سنة تسع عشرة وخمسمائة، فكان عمره تسعا وسبعين سنة.
(1) ك: «عالما» .