الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان (63 ا) هذا أحد أسباب الفساد بين الأخوين حتى رحلا عن دمشق.
وفى هذه السنة قتلت الباطنية أخا للملكة صاحبة عكا، وكان قد خرج من البحر في عالم [عظيم](1) لا يحصى من الفرنج لنصرة صاحب أنطاكية، ونازلت الفرنج الخوابى، وجدّوا في حصاره وقتال أهله، وقاتلتهم رجّالة الحلبيين الذين بعثهم الملك الظاهر نجدة لأهل الخوابى.
ذكر وفاة
أبى الحسن على
ولد الخليفة الناصر لدين الله
وفى العشرين من ذى القعدة من هذه السنة توفى الأمير أبو الحسن علىّ بن الخليفة الناصر لدين الله.
وكان الخليفة يحبه حبا شديدا، وقد رشحه لولاية العهد من بعده، وخلع لذلك أخاه عدة (2) الدين أبا نصر محمدا، وهو أكبر من علىّ هذا.
وكان رحمه الله كثير الصدقة، كريما، كثير المعروف، حسن السيرة، محبوبا عند الخواص والعوام، وكان مرضه الإسهال؛ فحزن عليه الخليفة حزنا لم يسمع بمثله.
ولما توفى أخرج نهارا، ومشى جميع الناس بين يدى تابوته إلى تربة جدته [الخيزران](3)، وهى عند قبر معروف الكرخى (4) رحمه الله فدفن
(1) ما بين الحاصرتين زيادة عن (ك) و (س).
(2)
(ك): «علا الدين» .
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة عن (س).
(4)
هذا تحديد هام لموضع قبر الحيزران.
هناك، ولما دخل التابوت (1) أغلقت الأبواب وسمع الناس الصراخ العظيم من داخل التربة، فيقال إن ذلك كان صوت الخليفة.
ودامت عليه المناحات في أقطار بغداد ليلا ونهارا أياما، فلم يبق في بغداد محلة إلا وفيها النوح، ولم تبق امرأة إلا وأظهرت الحزن [الشديد](2) ولم يسمع ببغداد مثل ذلك في قديم الزمان ولا حديثه.
ولما سمعت الملوك بموته جلسوا في العزاء له لابسين شعار الحزن خدمة للخليفة، ورثته الشعراء فأكثروا؛ فممن رثاه شرف الدين بن راجح بن اسماعيل الحلّى عند ما عمل الملك الظاهر غازى - صاحب حلب - عزاءه بقصيدة مطلعها:
أكذا يهدّ الدهر أطواد الهدى
…
ويردّ بالنكبات شاردة الرّدى؟!
(63 ب)
أكذا تعيب النيّرات وينطفى
…
ما كان من أنوارها متوقّدا؟!
يا للرجال لنكبة نبوبة
…
طوت العلى قلبا عليها مكمّدا
ولخطة شنعاء لاحظها الهدى
…
دامى الجفون فغضّ جفنا أرمدا
لو كنت بالشهباء يوم تواترت
…
أنباؤها لرأيت يوما أسودا
يوما تزاحمت الملائكة العلى
…
فيه فعزّت عن علىّ أحمدا
قصدت أمير المؤمنين رزية
…
عادات وقع سهامها أن تقصدا
هى ضعضت شمّ الجبال وأخضعت
…
من لم يكن لمذلة متعوّدا
شنّت على حرم الخليفة (3) غارة
…
شعواء غادرت الفخار مطرّدا
فسقى أبا حسن ثراك صنائع
…
لك ليس تبرح غاديات عوّدا
ومنها:
ما للإمامة أصبحت مفجوعة
…
بأعزّها حسبا وأزكى محتدا
درت (1) الخلافة علم يوم مصابه
…
فلأجله اتخذوا الشعار الأسودا
صلّت ملائكة السماء عليه من
…
آفاقها فرقا، وظلّت سجّدا
جليت له حور الجنان وجلّيت
…
قبل التلاقى لؤلؤا وزبرجدا
ومنها:
صبرا أمير المؤمنين، فلم تزل
…
في كل حادثة بصبرك يقتدى
وامنح غياث الدين صبرا منك لو
…
أرشدته يوما إليه لاهتدى
فهو الضعيف إذا تلمّ ملمة
…
بكم وما زال القوىّ تجلّدا (2)
واسلم، فلا سعت الليالى بعدها
…
أبدا، إليك بما يسرّ به العدى
ورثاه القاضى كمال الدين بن النبيه المصرى لما عمل الملك الأشرف ابن الملك العادل عزاءه بقصيدة مطلعها:
الناس للموت كخيل الطراد
…
فالسابق السابق منها الجواد
والله لا يدعو إلى داره
…
إلا من استصلح من ذا العباد
والموت نقّاد على كفّه
…
جواهر يختار منها الجياد
(64 ا)
والمرء كالظّل، ولا بدّ أن
…
يزول ذاك الظلّ بعد امتداد
لا تصلح الأرواح إلا إذا
…
سرى إلى الأجساد هذا الفساد
(1)(س): «ثوب» .
(2)
(ك): «مخلدا» و (س): «مجلدا» .
أرغمت يا موت أئوف القنا
…
ودست أعناق السيوف الحداد
كيف تخرّمت عليّا وما
…
أنجده كلّ طويل النجاد
نجل أمير المؤمنين الذى
…
من خوفه يرعد قلب الجماد
مصيبة أذكت قلوب الورى
…
كأنها في كل قلب زناد
نازلة حلّت، فمن أجلها
…
سنّ بنو العباس لبس الحداد
ومنها:
خليفة الله اصطبر واحتسب
…
فما وهى البيت وأنت العماد
بالحلم والعلم بكم يقتدى
…
إذا دجا الخطب وضلّ الرّشاد
أنت سماء طلعت زهرها
…
لا ينقص الآفل منها عداد
وأنت لجّ البحر، ماضرّه
…
أن سال من بعض نواحيه واد
يا نوح رث أعمارنا، واحتكم
…
ملّكك الله رقاب العباد
وفى هذه السنة صالح الفرنج أهل الخوابى، ورحلوا عنهم بعد أن حاربوهم حربا شديدا، وكان المتوسط في الصلح بينهم الملك الظاهر.
وفى رمضان من هذه السنة وصل إلى حلب الشيخ شهاب الدين السهروردى رحمه الله رسولا من الخليفة الناصر لدين الله إلى الملك الظاهر، ومعه تشريف جليل: فرجية فرو سمور مغشاة بثوب [أطلس](1) أسود، وسيف محلى، وأسمع [عن](2) الخليفة كتاب «روح العارفين» المشتمل على الأحاديث
(1) ما بين الحاصرتين زيادة عن (س).
(2)
أضفنا ما بين الحاصرتين ليستقيم المعنى.
النبوية الذى تقدم ذكره، وجلس الملك الظاهر وأكابر دولته. بين يدى الشيخ شهاب الدين، وكان كلما جرى ذكر الخليفة قام الملك الظاهر على رجليه.
وبعد سماع الأحاديث (1) التي هى تخريج الخليفة (1)، نصب لشهاب الدين كرسى الوعظ، وأذن للعامة في الدخول لسماع وعظه.
وفى هذه السنة ملك الفرنج أنطاكية من بلاد السلطان عز الدين كيكاوس - صاحب بلاد الروم - وقتلوا من بها من المسلمين، ثم استعادها (64 ب) منهم عز الدين في هذه السنة.
وفى شوال من هذه السنة ملك ابن لاون - ملك الأرمن - أنطاكية، وأحسن إلى أهلها، وأظهر فيها العدل، وكان الابرنس صاحبها ظالما، فحسن موقع ابن لاون من (2) أهل أنطاكية، وأطلق جماعة من أسرى المسلمين بها، وحملهم [إلى حلب](3)، ووقع الصلح بينه وبين الملك الظاهر.
وفى هذه السنة فتح عز الدين صاحب الروم قلعة من بلاد الأرمن منيعة تسمى لؤلؤة.
فسلّم ابن لاون بغراس إلى الداوية، واستناب ابن أخته بأنطاكية، وعاد إلى بلاده، خوفا من عز الدين كيكاوس.
ووصلت إلى الملك الظاهر هدية عز الدين، والبشارة بعودة أنطاكية إلى المسلمين.
(1) هذه الفقرة غير موجودة في (س).
(2)
(س): «عند» .
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة عن (س).