الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما اعتمده الملك الأفضل من الأمور
التي آلت به إلى زوال ملكه
لما أفضى الملك إلى الملك الأفضل، استوزر ضياء الدين نصر الله بن محمد ابن الأثير (1)، وفوّض إليه أموره كلها. وهذا ضياء الدين من أهل الجزيرة، وكان مترسلا فاضلا، وهو صاحب «المثل السائر» و «المعانى المبتدعة» وغيرهما من الكتب، وله أخوان فاضلان هما: عز الدين صاحب التاريخ المشهور، ومجد الدين أبو السعادات صاحب كتاب «جامع الأصول في الحديث» ، وكان متقدما عند ملوك الموصل من بنى أتابك زنكى رحمه الله وهؤلاء الإخوة الثلاثة كانوا فضلاء أعيانا [نبلاء](2) متقدمين في الدول.
وكان ضياء الدين المذكور لما اتصل بخدمة الملك الأفضل شابا غرّا، فحسّن للملك الأفضل إبعاد أمراء أبيه وأكابر أصحابه، وأن يستجدّ له أمراء وأصحابا غيرهم، وقال:
«هؤلاء خواصّ السلطان وينظرون إليك بتلك العين، ويعتقدون أن حقّهم واجب وجوب الدين، وهم - بحكم المعرفة لك من الصغر - يتبسّطون ويشتطّون ولا يقنعون، وأعمال دمشق لا تسعهم (3)، وجميعها لا تقنعهم،
(1) طبعت أخيرا مجموعة من رسائل ضياء الدين بن الأثير، وهى تضم عددا كبيرا من الوثائق الديوانية الهامة التي نلقى أضواء جديدة عل تاريخ البيت الأيوبى وتاريخ مصر والشام وما جاورهما في هذه الحقبة من الزمن. انظر:(رسائل بن الأثير، نشر وتحقيق أنيس المقدسى، بيروت 1959)، وانظر ترجمة ضياء الدين عند. (ابن خلكان: الوفيات) و (السيوطي: بغية الوعاة) و (أبو شامة: الروضتين) و (المقريزى: السلوك ج 1) و (ابن تغرى بردى: النجوم، ج 6) و (سركيس: معجم المطبوعات العربية) و (مقدمة المقدسى لرسائل ابن الأثير)
(2)
أضيف ما بين الحاصرتين عن: (ك 435)
(3)
في (ك): «لا تشبعهم» .
والأعمال المصرية لهم أفسح وأوسع؛ وأما الغرباء، فإنهم يقنعون بأى شئ أعطيتهم، ويعترفون بحقك ويعظمونك».
وساعده على هذا القول جماعة من أصحابه ممن لا رأى عنده ولا معرفة.
فأصغى الملك الأفضل إلى هذا القول، وأعرض عن أصحاب أبيه، ففارقه جماعة، منهم:
الأمير فخر الدين جهاركس (1).
وفارس الدين ميمون القصرى.
وشمش الدين سنقر الكبير.
وتوجّه هؤلاء إلى الملك العزيز فاحترمهم وأحسن إليهم، وولّى فخر الدين جهاركس أستاذية داره، وفوّض إلى فارس الدين وشمس الدين سنقر صيدا وأعمالها، وكان ذلك لهما فأقرّهما عليه، وزادهما أعمال نابلس وبلادها (2).
ولما رأى القاضى الفاضل من الملك الأفضل ووزيره ضياء الدين بن الأثير مالا يعجبه، عزم على مفارقة الملك الأفضل والتوجه إلى الديار المصرية، واستأذن الملك الأفضل في ذلك فأذن له.
(1) هو أبو المنصور جهاركس بن عبد الله الناصرى الصلاحي الملقب بفخر الدين كان من أمراء الدولة الصلاحية، وقال (ابن خلكان: الوفيات، ج 1، ص 331) في ترجمته:«إنه كان كريما نبيل القدر على الهمة، وأنه بنى بالقاهرة القيسارية الكبرى المنسوبة إليه، ثم قال: «ورأيت جماعة من التجار لذين طافوا البلاد يقولون: لم نر في شئ من البلاد مثلها في حسنها وعظمها وإحكام بائها، وبنى بأعلاها مسجدا كبيرا وربعا معلقا» ، وتوفى جهاركس في سنة 608 هـ ومعنى جهاركس باللغة العربية: أربعة أنفس.
(2)
لاحظ أن النقريزى عند كلامه عن أولاد صلاح الدين ينقل عن مفرج الكروب دون أن ينص على هذا النقل، انظر:(المقريزى: السلوك، نشر الدكتور زيادة، ج 1، ص 114 وما بعدها).