الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر تبريز الملك العادل بنية السفر إلى الشام وتقرير قواعده
لما كثرت الأخبار بمصر بما يعتمده ضياء الدين بن الأثير - وزير الملك الأفضل - من الأحوال الرديئة والسيرة المذمومة بالشام، تحركت عزيمة الملك العادل للسفر بعساكر الملك العزيز، ووعد بإزالة ضياء الدين بن الأثير وطرده عن البلاد وإصلاح ما فسد من الأحوال.
قلت (1): هكذا حكى عماد الدين الكاتب
وعندى أنه ربما ذكر ذلك تقيّة في ذلك الوقت وخوفا من الملك العادل، وإلا فالذى أعتقده وبلغنى من جهات عديدة، أن الملك العادل لما قدم إلى دمشق نجدة للملك الأفضل، ورأى من ركة الملك الأفضل ما رأى، حدثته نفسه بالاستيلاء على دمشق وتملكها، وصار يعمل الحيلة في ذلك، ولما قصد الملك العزيز البلاد بعساكره، توصل الملك العادل إلى تحصيل غرضه بإيقاع الخلف بين الصلاحية والأسدية، وبين الأسدية والملك العزيز، ونفّر كلاّ (2) منهم من الآخر، وأوجب ذلك رجوع الملك العزيز إلى مصر على الصورة التي ذكرناها، ولما تم له ذلك، حسّن للملك الأفضل قصد الديار المصرية، واجتمعا بالخارجين على الملك العزيز، وكان قصد أولئك لحاق الملك العزيز ومنعه من الدخول إلى الديار المصرية، ولم يكن ذلك في الباطن من هوى الملك العادل ولا اختياره، ولم يزل يثبطهم ويستوقفهم (18 ا) حتى وصل الملك
(1) لم يكن ابن واصل ليقنع بالنقل عن سابقيه من المؤرخين، بل هو يحاول أحيانا مناقشة آرائهم والإدلاء برأى له جديد، وهذا مثل لمناقشاته.
(2)
ك: «وتغير كل» .
العزيز إلى كرسى ملكه، ووصل الملك العادل والملك الأفضل إلى بلبيس - كما ذكرنا - وحصراها، فلم يظن أحد إلا أن الأمر قد تم، وأن الملك العزيز قد تلاشى أمره بالكلية، فحينئذ أراد الملك العادل أن يقلّد المنة (1) العظمى للعزيز، بأن ردّ الملك العزيز إلى ملكه، وأبقى عليه بلاده بعد أن وقع الإشراف على أخذها، فحينئذ استدعى القاضى الفاضل - كما ذكرنا - وقرّر قواعد الصلح، وردّ الملك الأفضل إلى بلاده، (1) ووصل إلى مصر (2)، وقرّر قواعد الملك العزيز ورتّب أموره، وتمكّن منه التمكن الكلى، فحينئذ طلب منه في الباطن أن تكون دمشق له، ويكون نائبا عنه بها، ويعطى الملك الأفضل موضعا صغيرا بعد إخراجه من دمشق، وتكون الخطبة والسكة للملك العزيز في الممالك الأيوبية (3) كلها، ويكون هو السلطان الأعظم مكان أبيه، فأجابه الملك العزيز إلى ذلك، وتحالفا واتفقا عليه، لكن كان ذلك كله بينهما، ولم يظهر للناس سرّه إلا بعد وقوع ما وقع على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
فبرز الملك العادل إلى بركة الجب (4) ونزل بها، وبرزت العساكر المصرية وفى الظاهر أنه يسير وحده بالعساكر لإصلاح أحوال الشام ويقيم الملك العزيز بمصر، ولما نزل الملك العادل (5) بتلك المنزلة، خرج الملك العزيز بعزم تشييعه والمقام عنده في تلك المنزلة في ذلك الشهر إلى حين توديعه، وكان الخروج من القاهرة مستهل ربيع الأول من هذه السنة.
وكان عماد الدين الكاتب قد سافر إلى الديار المصرية قبل ذلك لمهام تتعلق به.
(1) في النسختين: «المانة» وما أثبتناه قراءة ترجيحية.
(2)
هذه الفقرة ساقطة من (ك).
(3)
هذا اللفظ ساقط من (ك).
(4)
(ك): «بركة الحبش» ، وما هنا هو الصحيح.
(5)
(ك): «الملك العزيز» ، وهو خطأ واضح.