الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يُحرِّمُ اللهُ ما أصلُهُ مباحٌ، إلا لأجلِ تفويتِ واجبٍ أو وقوعٍ في محرَّمٍ.
الثاني: الرحمُ غيرُ المحرَّمة، وهم مَن غيرُ النوعِ الأول، وأعظَمُهم حقًّا أقرَبُهُمْ رحمًا، وأقربُهُمْ رحمًا مَن يتَّصِلُ بأقربِ الأرحامِ المحرَّمِينَ، فأقربُهم منه أعظمُهم حقًّا؛ كأولادِ العمِّ والخال، وأولادِ العمَّةِ والخالةِ.
حكمُ صلةِ الرحمِ:
ويتَّفِقُ العلماءُ على وجوبِ صِلَةِ الأرحامِ مِن النوعِ الأول، ويختلِفونَ في وجوبِ صِلةِ النوعِ الثاني - مع الاتِّفاقِ على فضلِه - على قولَيْن، وهما قولانِ أيضًا للإمام أحمَدَ:
فذهَبَ جمهورُ العلماءِ: إلى وجوبِ صلةِ الأرحامِ محارمَ وغيرَ محارمَ، وحقُّهم بمقدارِ قُرْبِهم حسَبَ الطاقةِ والوُسْعِ؛ لعمومِ الأدلةِ في صلةِ الرحِمِ مِن غيرِ تفريقٍ بمحرَّمةٍ وغيرِ محرَّمةٍ.
والأظهرُ: وجوبُ صِلَةِ الرحِمِ المُحرَّمة، وأمَّا غيرُ المُحرَّمة، فعلى حالَيْنِ:
الأُولى: رحِمٌ غيرُ مُحرَّمٍ محتاجٌ إلى رحِمِه، فيجبُ وصلُه، وتجبُ كفايتُهُ وقضاءُ حاجتِهِ على القادرِ مِن ذوي رحِمِهِ الأقرب فالأقرب؛ لأنَّهم أَوْلى الناسِ به، ويَرِثُهُ ويَرِثُونَهُ عندَ عدمِ وجودِ أصحابِ الفُرُوضِ مِن ورَثَتِه.
ويتعيَّنُ على الحاكمِ إلزامُ قرابتِهِ القادِرِينَ بكفايةِ المحتاجِ مِن أرحامِهِمْ وسَدِّ حاجتِهِمْ، وكلَّما كانتْ حاجةُ ذوي الرحمِ أشَدَّ، كان الوصلُ له أوجَبَ؛ قال تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنقال: 75، والأحزاب: 6]، وقد جعَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الدِّيَةَ في العَاقِلَة، وهم القَرَابَةُ ولو كانوا مِن غيرِ ذوي الأرحامِ؛ لحقِّ الرحِمِ في العَوْنِ ولو كان بعيدًا.
الثانيةُ: رَحِمٌ غيرُ مُحرَّمٍ غيرُ محتاجٍ؛ فهذا وصلُهُ مِن أعظَمِ الأعمالِ وأفضلِ البِرِّ، إلا أنَّه لا يجبُ؛ فاللهُ لم يُحرِّمِ الجمعَ بينَ بناتِ العمِّ والعمَّة، وبناتِ الخالِ والخالة، وإنْ أدَّى ذلك إلى القطيعة، وعامَّةُ الفقهاءِ على جوازِ هذا الجمعِ بينَ القَرابات، واللهُ لا يُحِلُّ شيئًا يُؤدِّي إلى حرامٍ غالبٍ أو قطعيٍّ، والقطيعةُ بينَ الضَّرَّاتِ غالبةٌ، وقد جاء تعليلُ النهيِ في الجمعِ بينَ المرأةِ وعمَّتِها أو خالتِها خوفَ القطيعةِ في بعضِ الرواياتِ عندَ ابنِ حِبَّانَ؛ قال صلى الله عليه وسلم:(إِنَّكُنَّ إِذَا فَعَلْتُنَّ ذَلِكَ، قَطَعْتُنَّ أَرْحَامَكُنَّ)(1).
والأحاديثُ الواردةُ في الأرحامِ وصِلَتِهِم يُحمَلُ الوجوبُ منها على النوعِ الأوَّل، وعلى الحالةِ الأُولى مِن النوعِ الثاني، ويُحمَلُ الفضلُ على الجميع، وأقرَبُهم أحقُّهم وأعظَمُهم أجرًا في وصلِه، وإطلاقُ صلةِ الرحمِ مِن غيرِ تقييدٍ بقيدٍ فاصلٍ يُهدِرُ الحُكْمَ ويُضيِّعُهُ، والواجباتُ تُحكَمُ في الشريعةِ وتُضبَطُ، ولو قيل بصِلةِ كلِّ القراباتِ والأرحامِ لَمَا عُرِفَ لذلك حدٌّ ولَشَقَّ على الناسِ ذلك، وتقييدُهُ بذوي الأرحامِ هو قولُ أبي الخطَّابِ مِن الأصحاب، وقولُ جماعةٍ مِن فقهاءِ الحنفيَّةِ والمالكيَّةِ كالقَرَافِيِّ وغيرِه.
وفي هذا يقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ كما رواهُ أحمدُ، عن أَبِي رِمْثَةَ؛ قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ)(2).
وفي "الصحيحِ"، عن أبي هريرةَ؛ قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قال:(أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ)(3).
(1) أخرجه ابن حبان في "صحيحه"(4116)(9/ 426).
(2)
أخرجه أحمد (7105)(2/ 226).
(3)
أخرجه مسلم (2548)(4/ 1974).