الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثلَاث مرارٍ، قَالَ أبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، من هُم يَا رَسُولَ اللهِ؟ ! قَالَ:(المسبِلُ، وَالمَنَّانُ، وَالمنَفقُ سِلعتهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ)(1).
كفارةُ العهدِ واليمين الغموس:
واللهُ ذَكَرَ كفَّارةَ الأيْمان، ولم يذكُرْ كفارةَ العهدِ واليمينِ الغموسِ؛ كما في قولِه تعالى:{ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] ، وفرَّقَ الله بينَ العهدِ واليمينِ هنا، فجعلَ العهدَ أعظمَ وَيلحَق به اليمين الغموسُ، وقد اختلَفَ العلماء في حُكْمِ الكفارةِ في اليمنِ الغموسِ:
القول الأولُ: قول جمهورِ الفقهاءِ؛ كمالكٍ وأبي حنيفةَ والثوري وأحمدَ: أنّه لا كفارةَ فيها، لأنَّ اللهَ لما ذَكَرَ العهدَ - وهو يمين غموسٌ - رهَّبَ وخوَّفَ وتوعَّدَ، ولم يَذكُرِ الكفارةَ، كما ذكَرَها في الأَيمانِ، وهذا ظاهر في حديتِ ابن مسعود في قصةِ الأشعثِ؛ حيثُ قال صلى الله عليه وسلم:(مَن حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبرٍ، يَقتطعُ بها مَالَ امرِئٍ مُسْلِمٍ هوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقيَ اللهَ وَهُوَ عليه غضْبانُ)(2)، ولم يأمُر بالكفارةِ لِعظمها، روى ابن المنذرِ عن ابنِ المسَيَّبِ؛ قال:"اليمينُ الفاجرةُ من الكبائرِ"(3).
وقد توعَّد الله قائلَها بأنَّه لا خَلاقَ له في الآخِرةِ؛ أيْ: لا نَصِيبَ له.
وقال بأنه لا كفارةَ في اليمينِ الغموسِ جماعةٌ مِن السلفِ؛ كابنِ عباسٍ، فقد روى الطبري، عن عليِّ بنِ أبي طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ:
(1) أخرجه مسلم (106)(1/ 102).
(2)
أخرجه البخاري (4549)(6/ 34)، ومسلم (138)(1/ 122).
(3)
"الأوسط" لابن المنذر (12/ 138 ط. دار الفلاح).
"اليمينُ الصبرُ الكاذبةُ، يَحْلِفُ بها الرجلُ على ظُلمٍ أو قطيعةٍ، فتلك لا كفارةَ لها إلا أن يَترُكَ ذلك الظلمَ، أو يَرُدَّ ذلك المالَ إلى أهلِه، وهو قوله - تعالى ذِكرُه -: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} "(1).
وروى البيهقيّ، عن أبي العاليةِ، قال: قال أبو عبدِ الرحمنِ - يعني ابنَ مسعود -: كنا نعد مِن الذنبِ الذي لا كَفارةَ له اليمينَ الغموسَ، فقيل: ما اليمينُ الغموس؟ قال: "اقتطاع الرجلِ مالَ أخيهِ باليمينِ الكاذبة"(2).
القول الثاني وهو قول الشافعي والأوزاعيِّ ومَعمَرٍ: أن اليمينَ الغموسَ فيها كفارةٌ؛ لأن اللهَ جعَلَ الإيمانَ على قسمينِ: (لَغْوٌ) وعَفَا عن كفارتها، (ومنعقِدةٌ) وهي التي فيها كفارةٌ، وهي ما عدا اللغوَ.
وجرَى الشافعية في ذلك على قاعدتهم في كفارةِ العَمدِ؛ لأنَّهم يرَونَ العمدَ أولى في وجوبِ الكفارةِ مِن الخطأ، فتعمُّدُ الإنسان فِعلَ المحرَّمِ لا يُخْرِجُه مِن تَبِعَتِه، ومِن تَبِعتِهِ كفارتُه، وهذا يجب عندَهم فيما هو أغلظُ مِن اليمينِ كالقتلِ العمدِ، فيُوجِبونَ فيه الكفارةَ، وكقضاءِ الصلاةِ المكتوبةِ المتروكةِ عمدًا فيجب فيها القضاء، كما يجب في تركِها خطأ بالإجماعِ.
والقاعدةُ عندَ أحمدَ وأصحابِه: أن قتلَ العَمدِ لا كفارةَ فيه، وَيطرُدُونَ هذا في اليمينِ الغموسِ؛ فلا يرَونَ الكفارةَ فيها، وأحمد وأصحابُه يوجِبونَ القضاءَ للمكتوبةِ المتروكةِ عمدًا، كسائرِ الأئمةِ الأربعةِ، وأخرَجَ أحمدُ قضاءَ الصلاةِ المكتوبةِ مِن قاعدةِ التكفيرِ في العمدِ في القتلِ واليمينِ الغموسِ؛ أخذًا بظاهرِ الأدلةِ، ولم يُخرِجِ الصلاةَ من
(1)"تفسير الطبري"(4/ 37).
(2)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 38).