الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابنِ عُمَرَ؛ رواهُ عبدُ الرزَّاقِ (1)، وصحَّ عن طاوسٍ عندَ ابنِ أبي شَيبةَ (2)، وكان عطاءٌ يوسِّعُ في هذا، ولا يُشَدِّدُ فيه؛ كما رواهُ عنه ابنُ جُرَيْجٍ، قال عطاءٌ:"إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ حَتَّى حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَإِن شَاءَ قَصَرَ، وَإنْ شَاءَ أَوْفَى، وَمَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ"(3).
وإنَّما كان أكثرُ السلَفِ يُعلِّقونَ الأمورَ بالخروجِ مِنَ البلدِ؛ حياطةً للدِّين، ودفعًا لِما يَعرِضُ للإنسانِ مِن موانعِ السَّفَر، التي ربَّما تَعْرِضُ له قبلَ خروجِهِ مِنَ البلد، ويكونُ قد أفطَرَ وهو صائمٌ، وقد قصَرَ صلاتَه، فرجَعَ قبلَ بروزِه؛ ولذا فالقولُ بجوازِ قصرِ الصلاةِ لِمَن خرَجَ مِن دارِهِ وأهلِه، وسارَ في البُلْدانِ الكبيرةِ - يجري على مقاصدِ الشريعةِ أكثَرَ مِن تقييدِ ذلك بخروجِه من بلدٍ لا يخرُجُ منِه إلَّا بمسيرةِ اليومِ واليومَيْنِ.
الخوفُ في السفرِ:
وقولُ اللَّهِ تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ؛ رُوِيَ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ وأبي أيُّوبَ: أنَّ قولَه {إِنْ خِفْتُمْ} نزَل بعدَ قولِه: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} بعامٍ (4)، ولا يَصِحُّ.
ومنهم: مَن جعَلَ قولَه: {إِنْ خِفْتُمْ} إلحاقَ شرطٍ بحُكْمٍ سابقٍ.
ومنهم: مَن جعَلَة متعلِّقًا بما بعدَه؛ وهو صلاةُ الخوفِ؛ لتأخُّرِ النُّزولِ عن أوَّلِ الآية، والصحيحُ: أنَّها آيةٌ واحدةٌ.
وذكَرَ الخوفَ تغليبًا للحال، لا تعليقًا للحُكمِ به؛ ففد يخافُ المُقِيمُ ولا يقصُرُ، ويأمن المسافِرُ ولا يُتِمُّ؛ لأنَّ اللهَ جعَلَ القصرَ للسفرِ كما في
(1) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(4331)(2/ 532).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(8172)(2/ 205).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(4329)(2/ 531).
(4)
"تفسير الطبري"(7/ 406).
قولِه في أوَّلها: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} ؛ يَعني: السَّفَرَ، وأمَّا تقييدُهُ بالخوفِ في قوله:{إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ؛ فقد كان لبيانِ الحرَجِ عندَ النزولِ ليُرفَعَ به هو وغيرُه؛ كما جاء في "الصحيحِ"؛ أنَّ عُمَرَ سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن قيدِ الخوفِ في الآية، فقال له:(صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صدَقَتَهُ)(1)، ولم يُقيِّد أحدٌ مِن الصحابةِ قصرَ الصلاةِ في السفرِ بالخوفِ، وما جاء عند الطبريِّ عن عائشةَ (2)، فمُنْكَرٌ جدًّا، وسندُهُ مجهولٌ، وثبَتَ عنها من وجوهٍ ما يُخالفُهُ.
وقد جمَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في مكَّةَ وهو آمِنٌ في حَجِّه ومعه عامَّةُ أصحابِهِ وخلفاؤُهُ مِن بعدِهِ في أمْنِهم، وقد صحَّ عنِ ابن عبَّاسٍ؛ أنَّه قال:"كُنَّا نَسِيرُ مَعَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ لَا نَخَافُ إِلا اللهَ عز وجل نُصَلِّي رَكْعَتَينِ"؛ رواهُ الترمذيُّ والنَّسائيُّ (3).
والقولُ بخلافِ ذلك مخالَفةٌ صريحةٌ للسُّنَّةِ والأثَرِ.
* * *
هذه الآيةُ عامَّةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أصحابِه، وغيرِهِ مِن الأئمَّةِ مع الأمَّةِ
(1) سبق تخريجه.
(2)
"تفسير الطبري"(7/ 409).
(3)
أخرجه الترمذي (547)(2/ 431)، والنسائي (1436)(3/ 117).