الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نكاحُ المُتْعةِ:
وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى مُتْعةِ النِّساءِ قبلَ النسخِ في قولِه تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنَّ} ، وكان ابنُ عبَّاسٍ وأُبَيٌّ يَقرَأانِ:"فَمَا اسْتمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجَلٍ مسمَّى"(1).
وعامَّةُ السلفِ والأئمَّةِ على نسحِ نِكاحِ المُتْعةِ وتحريمِهِ؛ وإنَّما اختلَفُوا في عَدَدِ مَرَّاتِ حِلِّهِ ونَسْخِهِ:
فمنهم مَن قال: إنَّ اللهَ أحَلَّهُ ثمَّ حرَّمَهُ ثمَّ نسَخَ التحريمَ فأحَلَّه ثمَّ نسَخَه إلى التحريم، وكان ختامُ الأمرِ النسخَ؛ وهذا قولُ الشافعيِّ.
ومنهم مَن قال: إنَّ اللهَ حرَّمَهُ مرةً واحدةً، ولم يُحرَّمْ غيرَها، وبَقِيَ التحريمُ على ذلك.
ولابنِ عبَّاسٍ قولٌ بحِلِّ نِكاح المتعةِ للحاجَة، ورُوِيَ عن أحمدَ للضرورة، ولا شَكَّ أنَّه دونَ الزِّنى؛ لأنَّ اللهَ لا يُحِلُّ الزِّنى، وقد أَحَلَّ اللهُ المتعةَ، ثمَّ حرَّمَها، والتحريمُ مقطوعٌ به مستفيضٌ في السُّنَّةِ؛ ومِن ذلك ما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ؛ قال:"نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِكَاحِ المُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ"(2).
ومِن ذلك: ما في مسلمٍ؛ مِن حديثِ الربيعِ بنِ سَبْرَةَ بنِ مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ، عن أبيه؛ أنَّه غَزَا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ فتحِ مكةَ، فقال:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاء، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ، فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيتُمُوهُنَّ شَيْئًا)(3).
(1)"تفسير الطبري"(6/ 587 - 588).
(2)
أخرجه البخاري (4216)(5/ 135)، ومسلم (1407)(2/ 1027).
(3)
أخرجه مسلم (1406)(2/ 1025).
وفي روايةٍ عندَ أبي داودَ: أنَّ ذلك كاد في حَجَّةِ الوداعِ (1)؛ وهي روايةٌ شاذَّةٌ.
وفي مسلمٍ؛ مِن حديثِ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ: "رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ أَوْطَاسٍ فِي المُتْعَةِ ثَلَاثًا، ثُمَّ نَهَى عَنْهَا"(2)
وعامُ أَوْطَاسٍ وفتحِ مكةَ واحدٌ.
ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسِ روايةٌ بالتحريم، وروايةُ الجوازِ أصحُّ عنه وأشهَرُ.
وقولُه تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} .
على قولِ مَن قال: إنَّ الآيةَ نَزَلَتْ في نِكاحِ المُتْعة، والمتعةُ هي النكاحُ إلى أجَلٍ بيِّنِ مشروطٍ، فمعنى الآيةِ: لا حَرَجَ عليكم مِن الزيادةِ على ذلك الأجَلِ المُسمَّى بإضافةِ أجَلٍ جديدٍ قبلَ أنْ يَحِلَّ الأجَلُ الأَولُ، فإذا حَلَّ، مَلَكَتْ نفسَها مِن زوجِها.
وقال ابنُ عبَّاسٍ في التراضِي بالآيةِ بعدَ الفريضةِ: أنْ يُوَفِّيَها مهرَها ثمَّ يُخيِّرَها بينَ البقاءِ عندَهُ وبينَ مفارقتِهِ إحسانًا ومعروفًا منه، وهو صحيحٌ عنه؛ رواهُ عليُّ بنُ أبي طلحةَ عنه؛ أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ وغيرُهُ (3).
وختمُ اللهِ لِمَا سَبَقَ بقولِه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} إشارةٌ إلى أنَّ اللهَ لا يَقْضِي لعِبادِهِ إلا الحقَّ والخيرَ ممَّا يُصْلِحُهُمْ، فيَحْكُمُ بعِلْمٍ ويَقضي برَحْمةٍ؛ فإنَّ مِن القضاءِ وحُكْمِ اللهِ ما لا تَظهَرُ حِكْمَتُهُ وعِلَّتُهُ لبعضِ الناسِ؛ فوَكَلَ اللهُ ذلك لعِلْمِهِ الواسعِ الذي لا يُحِيطُ له أحدٌ،
(1) أخرجه أبو داود (2072)(2/ 226).
(2)
أخرجه مسلم (1405)(2/ 1023).
(3)
"تفسير الطبري"(6/ 591)، و"تفسير ابن المنذر"(2/ 646)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 920).