الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتفاقُ الحَكَمَيْنِ مُلْزِمٌ:
وقولُه تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا} ؛ يعني: الحَكَمَيْنِ؛ قاله ابنُ عبَّاسٍ ومجاهدٌ وسعيدُ بنُ جُبيرٍ وعامَّةُ السلفِ (1).
وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى أنَّ الحَكَمَيْنِ إنِ اتفَقَا، لَزِمَ قولُهما ولو لم يَقُمِ الزوجانِ بتوكيلِهما، فالحَكَمانِ يَقضيانِ على الزوجَيْنِ بالحقِّ الذي لم يُخالِفْ حُكْمًا في الكتابِ والسُّنَّة، وحَكَى بعضُ العلماءِ الإجماعَ على أنَّ حُكمَ الحَكَمَيْنِ إنِ اتَّفَقَا مُلْزِمٌ للزوجَيْنِ.
وهذا في حالِ اتِّفَاقِ الحَكَمَيْن، وأمَّا في حالِ اختلافِهما، فلا يَلْزَمُ قولُ كلِّ واحدٍ الآخَرَ، ولا يَلْزَمُ الزوجَيْنِ منِ ذلك شيءٌ؛ لأنَّ اللهَ جعَلَ توفيقَهُ للزوجَيْنِ في اتفاقِ الحَكَمَين، فتوفيقُ الزوجين فرعٌ عن توفيقِ الحَكَمَيْنِ كما في قوله:{إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} .
تفريقُ الحكمَيْنِ بين الزوجَيْنِ:
وهذا في اتِّفاقِ الحَكَمَيْنِ في غيرِ التفريقِ بينَ الزوجَين، وأمَّا إنِ اتَّفَقَ الحكمانِ في التفريقِ بينَ الزَّوجَيْن، فقد اختلَفَ العلماءُ في الإلزامِ به:
القولُ الأولُ: الإلزامُ به ولو في التفريقِ؛ وهو قولُ عثمانَ وعليِّ بنِ أبي طالب، وقولُ ابنِ عَبَّاسِ ومعاويةَ؛ وذهَبَ إليه مالكٌ، وهو أحدُ قولَي الشافعيِّ، فيُفرِّقُ بينَهما؛ فيُعطي الذي مِن أهلِها العِوَضَ، ويُطلِّقُ الذي مِن أهلِ الزوجِ.
القولُ الثاني: عدمُ إلزامِهما بالتفريقِ ولو اتَّفَقَا، ما لم يجعَلِ الزوجانِ ذلك إليهما؛ وهو قولُ عطاءٍ وقتادةَ والحَسَن، وذهَبَ إلى هذا
(1)"تفسير الطبري"(6/ 730 - 731)، و"تفسير ابن المنذر"(2/ 699)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 946).
القولِ أبو حنيفةَ والشافعيُّ في القول الآخَر، وروايةٌ عن أحمدَ.
وإنَّما قالوا بعدمِ التفريقِ ولو اتَّفَقَا؛ لأنَّ العِصْمةَ بيدِ الزوج، فلا يطلِّقُ غيرُه، وجعَلَ اللهُ للسُّلْطانِ الفسخَ بشروطٍ، ولم يجعَلْ ذلك في الحَكَمَيْن.
والأرجحُ: قولُ عثمانَ وعليِّ بنِ أبي طالب، ولم يُخالِفهما غيرُهما مِن الخلفاءِ الراشِدِينَ، والخليفةُ إنْ قال قولًا لا يُعارِضُ الدليلَ المعمولَ به، ولم يُخالِفْهُ أحدٌ مِن الخلفاء، فقولُهُ أقرَبُ إلى الصوابِ، هذا لو كان واحدًا، كيف وقد وافَقَه غيرُه مِن الخلفاءِ وقال بقولهما فقهاءُ الصحابةِ؛ كابنِ عبَّاسٍ ومعاويةَ؟ !
روى ابنُ سعدٍ وابنُ المُنذِرِ؛ عن عِكْرِمةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ ومعاويةَ؛ قال: بَعَثهُما - لا أعلَمُه إلَّا قال: عثمانُ - فقال: إنْ رأيتُما أنْ تَجمَعَا فاجْمَعَا، وأن تُفَرِّقَا ففَرِّقَا؛ قال: وذلك في فاطمةَ بنتِ عُتْبةَ بنِ ربيعةَ وعقِيلِ بنِ أبي طالبٍ، قال: وكانتْ قد نَشَزَتْ على عقيلٍ (1).
وله طريقٌ أُخرى عندَ ابنِ المنذِرِ؛ مِن حديثِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ؛ بنحوِ هذه القصةِ (2).
وروى الشافعيُّ والنسائيُّ؛ مِن حديثِ عَبيدَةَ السَّلْمَانيِّ؛ أنَّ عليًّا قال لحَكَمَيْنِ: إنْ رأيتُما أنْ تَجْمَعَا فاجْمَعَا، وإن رأَيتُما أنْ تُفَرِّقَا ففَرِّقَا (3).
وبنحوِه روى عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ (4).
(1)"الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 239)، و"تفسير المنذر"(2/ 696).
(2)
"تفسير ابن المنذر"(2/ 696)
(3)
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى"(4661)(4/ 421)، والشافعي في "مسنده"(ص 262).
(4)
"تفسير الطبري"(6/ 723)، "تفسير ابن المذر"(2/ 697)، "تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 945).