الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الشفاعةِ: إعانةٌ لمَن قَصُرَتْ أسبابُه عن الوصولِ إلى مرادِه، وفي ذلك أجرٌ؛ وفي "الصحيحَيْنِ"؛ قال صلى الله عليه وسلم:(اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ)؛ أخرَجَاهُ مِن حديثِ أبي موسى (1).
وهو المرادُ بقولِهِ تعالى: {يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} .
والشفاعةُ تكونُ في الخيرِ وفي الشرِّ، والمرادُ بالكِفْلِ:(الحَظُّ)، وحظُّه في شفاعةِ الحرامِ:(الإثمُ).
ويُؤجَرُ الشافعُ في الخيرِ ببذلِ الشفاعةِ ولو لم يتحقَّقْ خيرٌ أو يُدفَعْ شرٌّ، ويَأْثَمُ الشافعُ في الشرِّ ولو لم يتحقَّقْ شرٌّ أو يُدفَعْ خيرٌ؛ لأنَّ الشفاعةَ عملٌ يُحاسَبُ الإنسانُ على بَذْلِه، ثمَّ يكونُ الأجرُ والوِزْرُ بمقدارِ ما يجعَلُهُ اللهُ مِن آثارِ عَمَلِه.
الشفاعةُ الحسنةُ:
والشفاعةُ الحسنةُ: هي التي يُجلَبُ بها الحقُّ، ويُرفَعُ بها الظُّلْمُ، ويجبُ على الشافعِ أنْ يُبصِرَ فيما يَشفَعُ وما يَرفَعُ وما يَضَعُ؛ حتى لا يَرفَعَ شرًّا عن أحدٍ فيُوضَعَ على غيرِهِ ممَّن لا يستحقُّهُ، وَيجلِبَ خيرًا لأحدٍ بأخذِه ممَّن يستحقُّه، فلا يجوزُ له إنْ تضرَّرَ أحدٌ بشفاعتِهِ أنْ يَشفَعَ.
أخذُ الأجرِ على الشَّفَاعَةِ:
والشفاعةُ زكاةُ الجَاهِ؛ كما أنَّ زكاةَ المالِ النفقةُ، ويبذُلُ الشفاعةَ صاحبُ الجاهِ ولو كان قليلًا، سواءٌ كان جاهُهُ لسُلْطانِهِ أو عِلْمِهِ أو حَسَبِهِ أو نَسَبِه، ولا يجوزُ أخذُ أجرةٍ على الشفاعةِ؛ لأنَّ الشفاعةَ أخذُ حقِّ يستحقُّهُ صاحبُهُ، أو رفعُ ظلمٍ يجبُ أنْ يُرفَعَ عنه، وأخذُ المالِ على ذلك تعطيلٌ للحقوقِ ألَّا تتحصَّلَ إلَّا بدفعِ المالِ لذوي الجاه، وألَّا تُرفَعَ
(1) أخرجه البخاري (6026)(8/ 12)، ومسلم (2627)(4/ 2026).
المظالِمُ عن الناسِ إلا بدفعِ المالِ لذوي الجاهِ؛ فيَعُمَّ الفسادُ، وتنتشِرَ الرِّشْوةُ، أو تتعطَّلَ الحقوقُ؛ حتى يبلُغَ الأمرُ بأنْ تُنزَلَ المظالِمُ، وتُقطَعَ السُّبُلُ، وتُؤخَذَ الحقوقُ ولا تُعادَ إلا بالمالِ؛ فيُروى في "المسندِ"، وعندَ أبي داودَ؛ مِن حديثِ القاسِم، عن أبي أُمَامَةَ؛ قال صلى الله عليه وسلم:(مَنْ شَفَعَ لِأَحَدٍ شَفَاعَةً، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً فَقبِلَهَا، فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنَ الرِّبَا)(1).
تفرَّدَ به القاسمُ بنُ عبدِ الرحمنِ صاحبُ أبي أُمامةَ، عن أبي أمامةَ، ولا يُعرَفُ إلا مِن طريقِه، وقد رواهُ عبيدُ اللهِ بنُ أبي جعفر، عن خالدِ بنِ أبي عِمرانَ، عن القاسِم، به.
وقال أحمدُ في عُبَيْدِ اللهِ مرةً: ضعيفٌ، وفي أُخرى قال: لا بأسَ به (2).
ولكنَّ فتوى الصحابةِ عليه؛ فقد صحَّ عن ابنِ مسعودٍ وأبي مسعودٍ وغيرِهما، روى أبو الضُّحَا؛ "أنَّ مسروقًا شفَعَ لرجلٍ بشفاعةٍ، فأَهْدَى له جاريةً، فغَضِبَ، وقال: لو عَلِمْتُ أنَّ هذا في نَفْسِكَ ما تَكَلَّمْتُ فيها، ولا أتكلَّمُ فيما بَقِيَ منها أبدًا! سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ يقولُ: مَنْ شَفَعَ شَفَاعَةً لِيَرُدَّ بِهَا حَقًّا، أَوْ يَرْفَعَ بِهَا ظُلْمًا، فَأُهْدِيَ لَهُ فَقَبِلَ، فَهُوَ سُحْتٌ، قالوا: ما كنَّا نرَى السُّحْتَ إلا الأخذَ على الحُكْمِ! قال: الأَخْذُ عَلَى الحُكْمِ كُفْرٌ"؛ رواهُ الطبريُّ وغيرُه (3).
ومَن اشترَطَ مالًا على شفاعتِه، استعجَلَ أجْرَهُ في دُنْياهُ مع إثمِهِ على ما أخَذَ؛ فروى ابنُ سِيرِينَ؛ قال:"جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى أَهْلِهِ فَإذَا هَدِيَّةٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: الَّذِي شَفَعْتَ لَهُ، فَقَالَ: أَخْرِجُوهَا، أَتَعَجَّلُ أَجْرَ شَفَاعَتِي فِي الدُّنْيَا؟ ! "؛ أخرَجَهُ ابنُ أبي شَيْبةَ (4).
(1) أخرجه أحمد (22251)(5/ 261)، وأبو داود (3541)(3/ 291).
(2)
"ميزان الاعتدال"(3/ 4).
(3)
"تفسير الطبري"(8/ 432).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(20867)(4/ 344).